مختارات

بوتين اعترف لبلير بخطأ سياساته تجاه إيران والعراق وبعدم عرقلة توسيع الناتو ثم أخلف وعوده – وثائق بريطانية

بقلم: عامر سلطان، عن البي بي سي

كشفت وثائق بريطانية أن الزعيم الروسي فلاديمير بوتين أعطى بريطانيا وعودا بشأن تسليح إيران والتعامل مع العراق وكوريا الشمالية، وقبول توسيع حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ثم حنث بكل وعوده.

وتشير الوثائق، التي أفرج عنها أخيرا، إلى أنه رغم عدم التزام بوتين بوعوده، حاولت إدارة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير إقناع الولايات المتحدة بالرهان عليه لتحقيق الإصلاح في روسيا وتحسين علاقات الغرب معها.

بينما كان جورج بوش الابن يستعد لدخول البيت الأبيض، في فترة رئاسته الأولى في يناير/كانون الثاني عام 2001، بعث بلير مستشاره للشؤون الخارجية، جون سويرس، إلى الولايات المتحدة للإعداد لزيارته إلى واشنطن.

وطلب سويرس من وزارات الخارجية والدفاع وشؤون مجلس الوزراء أن يطلعوه، كتابة، على المعلومات المتوفرة لديهم ووجهات نظرهم بشأن القضايا الأكثر أهمية بالنسبة لمصالح بريطانيا وعلاقاتها مع الولايات المتحدة.

كان من بين أهم هذه القضايا “سبل التعامل مع روسيا” و”مستقبل حلف شمال الأطلسي بما في ذلك توسيعه”.

إيران والعراق وكوريا الشمالية… أفعال ” تخالف” الأقوال

وبعد مراجعة وزارة الخارجية محاضر القمم الخمس، أكدت، في تقريرها إلى سويرس، أن بوتين قال لبلير كلاما “كذبته الأفعال اللاحقة من جانب المسؤولين الروس”.

وفي التقرير، قال أوين جنكينز، رئيس إدارة روسيا في الخارجية البريطانية، إن بوتين “أعطى رئيس الوزراء (بلير) عددا من التعهدات خلال اجتماعاتهما الخمسة”.

وعن العلاقات الروسية الإيرانية، أضاف أن بوتين “اعترف لرئيس الوزراء بأن روسيا زودت إيران ببرنامج لأسلحة دمار شامل، غير أنه ادعى إدراك أن هذا أضر بمصالح روسيا”، كما “وعد بالحد من (هذه) التجارة بشكل صارم للغاية”.

وشملت وعود بوتين، حسب التقرير، الحد من تزويد الإيرانيين بالأسلحة عموما.

وقال: “في موسكو، طمأن (بوتين) رئيس الوزراء بأنه ليس لروسيا مصلحة في ضخ أسلحة إلى إيران بكميات كبيرة”.

بوش وبوتين وزوجاهما يتمشون
بوش وبوتين وزوجاهما في جولة بأحد مقار الحكومة الروسية في ضواحي موسكو في شهر مايو/ آيار عام 2002.

في هذا الوقت، كانت قضية الانتشار النووي تشغل الدول الكبرى، ومنها بريطانيا التي شنت حملة للضغط على إيران مع شيوع تقارير غربية عن امتلاكها برنامجا لتصنيع أسلحة نووية.

وفي سياق مساعيها، بادرت لندن في شهر فبراير/شباط عام 1999 بإطلاق حوار مع حكومة الرئيس الإيراني الإصلاحي محمد خاتمي بشأن عدم الانتشار النووي. وفي شهر يناير/كانون الثاني عام 2000 ، صدر إعلان مشترك، في ختام زيارة كمال خرازي وزير الخارجية الإيراني إلى لندن، التزمت فيه الدولتان بمبادىء عدم انتشار الأسلحة النووية.

وقال تقرير جنكينز إنه “في أكيناوا (باليابان)، قال (بوتين) إن زيارته إلى كوريا الشمالية، غيرت منظوره بشأن الانتشار النووي، وإنه كان عليه أن يولي مزيدا من الاهتمام لمشكلات الانتشار، وفرض قيود أكثر صرامة بشأنها على الشركات التجارية والمؤسسات المشاركة في (التعامل) مع أماكن مثل إيران وكوريا الشمالية”.

غير أن التقرير قال إنه في الممارسة “تظل المساعدة النووية والصاروخية الروسية لإيران مصدر قلق جدي. ومنذ أن طبقت روسيا إجراءات جديدة للحد من التصدير في عام 1998 انخفض هذا القلق، غير أنه لا يزال موجودا، بالنظر أساسا لاعتبارات اقتصادية”.

وانتقد التقرير “تنحية الروس جانبا” التفاهمات الروسية الأمريكية بشأن “الحد من نقل الأسلحة والتكنولوجيا الحساسة إلى إيران”.

وقال إن الروس “أكدوا حقهم في بيع الأسلحة إلى من يريدون. غير أنهم واصلوا الإصرار على أن كل هذه المبيعات من هذا النوع سوف تكون وفق القانون وقيود التصدير الروسية، والتزامات روسيا الدولية”.

وفيما يتعلقبالعراق، جاء في تقرير جنكينز أن بوتين “أبلغ رئيس الوزراء بأن النهج الغربي الصارم (تجاه بغداد) صائب”.

وفي اجتماعيهما في لندن وموسكو “أوضح (بوتين) أنه يعتقد أن موقف وزير خارجيته (أيغور إيفانوف) كان خاطئا”. غير أن موقف بوتين كان له “انعكاس قليل” على سياسة روسيا.

وأشار جنكينز إلى أنه “بينما كان الموقف الروسي أخيرا أقل صعوبة بقدر ضئيل في أوائل عام 2000، فإنهم (الروس) مازالوا يحشدون لمبادرة خارج مجلس الأمن الدولي ويؤيدون تأييدا كاملا العراق في مساعيه لتقويض نظام العقوبات”.

ونبه إلى أن الروس “مازالوا منتقدين بقدر كبير لسياستنا في مناطق حظر الطيران، كما زار(سيرجي) إيفانوف (سكرتيرمجلس الأمن الروسي) العراق أخيرا والتقى بصدام لتسليمه رسالة من بوتين”.

ورغم هذا “لا يزال المسؤولون الروس مصرين على أنهم يريدون السيطرة الدولية على أسلحة الدمار الشامل العراقية ولا يريدون أن تنهار العقوبات، بل رفعها أو تعليقها بموافقة مجلس الأمن”.

“خطأ سياسي كبير”

وتكشف الوثائق أن بوتين أبلغ بلير، خلال زيارة للأخير إلى موسكو، أنه “لا يريد أن يُنظر إليه على أنه معاد للناتو”، وأكد له أنه “لن يحاول تبطيء” عملية توسيع الحلف.

غير أن تقرير جنكينز يشير إلى “تناقض واضح” في السياسة الروسية بشأن الناتو.

وقال إن “وزير الدفاع إيغور سيرجييف أبلغ نظراءه في الناتو يوم 4 ديسمبر/كانون الأول (عام 2000) أن توسيعا إضافيا سيكون خطأ سياسيا كبيرا”، وأن موسكو “سوف تتخذ إجراءات ملائمة” ردا عليه.

ومع أن البريطانيين أقروا بأن العلاقات مع الناتو “تحسنت ببطء” خلال عام 2000، بعد زيارة لورد روبرتسون (الأمين العام للحلف) إلى موسكو، مع توسيع أجندة المجلس المشترك الدائم، فإنهم انتقدوا سياسات موسكو.

وقال تقرير جنكينز إن المسؤولين الروس “اتبعوا نهجا معرقلا عموما للتفاوض بشأن إنشاء مكتب معلومات للناتو في موسكو. ورفضوا حتى مناقشة وجود بعثة اتصال عسكرية للناتو في موسكو (وكلاهما دُعي إلى إنشائه في القانون التأسيسي بين الناتو وروسيا)”.

ونصح البريطانيون الأمريكيين بالانتباه إلى سياسة بوتين تجاه الدول المجاورة مثل أوكرانيا وجورجيا.

وقال تقريرجنكينز إن “مفتاح سياسة بوتين الخارجية هو العلاقات مع الخارج القريب لروسيا”، التي أشار إلى أن بوتين يركز على زيادة أمنها “عبر جهود لإعادة بناء النفوذ الروسي” في الدول المجاورة “واستخدام سياسة الطاقة وسيلة لإثناء أوكرانيا وجورجيا عن توجهاتهما الموالية للغرب”.

لم يف بوتين أيضا بوعوده التي سعى بها إلى طمأنة الغرب بشأن الحرب في الشيشان، كما تقول الوثائق.

كان الزعيم الروسي قد انتهج سياسة متشددة بشأن عمليات الجيش الروسي في تلك الجمهورية الروسية ذات الغالبية المسلمة، رافضا تقديم أي تنازلات لتبديد مخاوف الغرب من ممارسات الروس.

قال تقرير الخارجية البريطانية إن بوتين “طمأن رئيس الوزراء بأنه يمكن حل المشكلة عبر النقاش السياسي”، غير أنه “بالتناقض مع هذا، لم توجد على الأرض إشارة إلى حوار سياسي حقيقي أو جهود للسعي إلى حل دائم يشارك فيه محاورون شيشانيون يتمتعون بمصداقية”.

كانت موسكو قد وافقت على تشكيل لجنة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الشيشان، وسمحت بالفعل لمفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بزيارة الجمهورية.

غير أن الخارجية البريطانية، أكدت أن تقارير تبرهن على أن هذا التقدم الإيجابي “لم يؤد إلى تغيير ملموس في النهج الروسي في الشيشان أو إلى تحقيق جاد في الانتهاكات” بحق الشيشانيين.

بعد حادث غرق الغواصة الروسية كورسك أواسط عام 2000، قال بوتين إنه” ممتن لعروض المساعدة من جانب المملكة المتحدة” .

غير أن الخارجية البريطانية أكدت أن بعض مسؤولي وزارة الدفاع الروس “أعاقوا في حينه توصيل المساعدة، كما أنهم وسياسيين يكررون منذ هذا الوقت شائعات بأن غواصة بريطانية كانت طرفا في حادث تصادم أدى إلى غرق كورسك”.

وأشار تقرير الخارجية إلى أن السياسيين الروس ظلوا يرددون هذه الشائعات “حتى بعد تأكيداتنا (البريطانيين) القاطعة على العكس”.

وضرب التقرير الدبلوماسي البريطاني مثالا آخر بالعلاقات بين لندن وموسكو للتدليل على التناقض بين أقوال بوتين وأفعاله.

وقال إنه “رغم دفء بلاغة بوتين عن العلاقات الوثيقة بين روسيا والمملكة المتحدة، يبقى الجهد الاستخباراتي الروسي ضد الأهداف البريطانية على مستوى عال”. ووصف الوجود الاستخباراتي الروسي في المملكة المتحدة بأنه “بمستويات الحرب الباردة”. وحذر من أن الروس “يواصلون محاولة زرع ضباط نشطين ومعادين للعمل ضد المصالح البريطانية في أنحاء العالم”.

بوتين هو “المفتاح”

رغم كل ذلك، ظلت بريطانيا تراهن على بوتين.

وبررت هذا بأن لديها “مصلحة بعيدة المدى في تشجيع روسيا على أن تصبح دولة قائمة على الديمقراطية وأكثر قربا في المواقف من القارة الأوروبية والغرب”.

وأصرت على أن بوتين هو “المفتاح” لتحقيق هذا الهدف.

غير أنها شددت على أن “حكم” الولايات المتحدة وبريطانيا على بوتين يجب أن يكون وفق “الأفعال لا الأقوال”.

وفي نهاية زيارته إلى واشنطن، كتب سويرس إلى رئيسه، بلير، مؤكدا أنه خلص من مباحثاته مع المسؤولين الأمريكيين بشأن القضايا الخارجية والدفاعية إلى “توقع بوش وفريقه ضعف روسيا، وعزمهم على المضي في مشروع توسيع الناتو”.

وقالت إنه أوفى بتعهده بإصلاح الاقتصاد الروسي، إذ “وضع برنامجا طموحا وشاملا لإصلاح اقتصادي ليبرالي”.

وأكدت الخارجية البريطانية ضرورة استمرار “التواصل” مع روسيا.

أوروبيا، لفت تقرير جنكينز الانتباه إلى أن الروس” يرون التحكم في الطاقة وسيلة رئيسية لممارسة السيطرة”، ذلك أن روسيا “مزود مهم للطاقة لأوروبا، إذ تستورد دول الاتحاد الأوروبي 20 في المئة من غازها و16 في المئة من نفطها من روسيا”.

وقال إن “تواصلنا في عام 2000 أتاح الفرصة للتأثير عليه (بوتين)، وعلى هؤلاء المحيطين به خلال فترة مهمة ومؤثرة”.

جورج روبرتسون، الأمين العام للناتو، يفحص سلاحا روسيا خلال زيارته لأحد الألوية العسكرية في موسكو خلال زيارته لروسيا في 30 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2003. ورافق سيرجي إيفانوف وزير الدفاع الروسي (على اليمين) روبرتسون خلال الزيارة.
جورج روبرتسون، الأمين العام للناتو، يفحص سلاحا روسيا خلال زيارته لأحد الألوية العسكرية في موسكو خلال زيارته لروسيا في 30 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2003. ورافق سيرجي إيفانوف وزير الدفاع الروسي (على اليمين) روبرتسون خلال الزيارة.

وبعد أن ضرب مثالا “بالتقدم في خطة الإصلاح الاقتصادي” في روسيا، انتهى تقييم الخارجية البريطانية إلى أن اتصال بريطانيا مع بوتين “يمكن أيضا أن يكون كابحا للسلوك السلبي وترياقا ضد تأثير المتشددين على بوتين وأي نزعات سلطوية قد تكون لديه”.

غير أن التقييم نفسه شدد على أن التواصل مع بوتين سيكون “نقديا” و”يؤخذ بشكل جدي .. ويستند إلى معايير واضحة”. وشملت هذه المعايير “تحقيق تقدم بشأن تعزيز حكم القانون أو تطوير نظام قانوني منصف وفعال ومستقل”، وضمان “الحريات المدنية والحريات الشخصية، وخاصة (حرية) وسائل الإعلام” في روسيا.

وشملت الخطة البريطانية المقترحة “الاستمرار في التواصل مع كل أطياف المجتمع، عبر المساعدة في مجال التعليم، وإعادة التدريب، وبناء الديمقراطية، ومؤسسات البث (الإذاعي والتليفزيوني) والمؤسسات التجارية، وغيرها”.

وتوقعت أن هذا “سوف يساعد عملية التخلص من النظام السوفيتي البطيئة، ويشجع على ظهور المجتمع الذي نريده” في روسيا.

“انحدار روسيا”

وتشير وثائق أخرى للخارجية البريطانية إلى اقتناعها بأن هناك “حاجة إلى معاملة روسيا باعتبارها قوة عظيمة، لأنها تظل، رغم ضعفها، واحدة من الدول القليلة القادرة على أن تفسد طبيعة النظام السياسي الدولي”.

ومع هذا الاعتراف بروسيا كقوة عظيمة “ستكون هناك أوقات تتصارع فيها مصالح الولايات المتحدة وروسيا، وأوقات أخرى تتوافق فيها هذه المصالح”.

وفي تقرير آخر عن الطرح البريطاني بشأن روسيا خلال المباحثات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، نصحت الخارجية البريطانية بالتأكيد على تصور لندن بأن روسيا “ستبقى شريكا صعبا”. غير أنها تصر على “متابعة التواصل معها مع مقاومة المحاولات الروسية دق الأسافين” بين الدول الغربية.

وأضافت أن 2000 كان “عاما ناجحا اتسم بالاستقرار والتماسك بالنسبة لبوتين”.

ونصحت بأن يكون “الاختبار الرئيسي” للرئيس الروسي هو “إن كان سوف يستغل الفرصة أم لا للمضي في الإصلاح الليبرالي، بما في ذلك الإصلاح الاقتصادي، أو إن كانت النزعات السلطوية ستصبح أكثر وضوحا أم لا”.

وعن روسيا، قال سويرس إن لدى الأمريكيين “شكوكا متزايدة بشأن نوايا بوتين بعد الإجراءات ضد أقطاب الإعلام وترويع جيران روسيا”.

وتوقع مستشار بلير للسياسة الخارجية أن يكون الملف الروسي “أقل أهمية في السياسة الأمريكية، الأمر الذي يعكس انحدار روسيا”.

وأضاف سويرس أنه مع ذلك “يجري التخطيط لقمة بوش/بوتين في أواخر هذا العام”.

وهذا ما حدث بالفعل، إذ عقدت القمة في سلوفينيا يوم 16 يونيو/حزيران عام 2001. ورغم اتفاق الزعيمين على بدء حوار موسع بشأن العديد من القضايا، ظل البلدان مختلفين بشأن القضايا الدفاعية.

وأبلغ سويرس رئيسه بأن فريق بوش “لم يثر مسألة توسيع الناتو” لأنهم “جميعا يركزون على أحداث عام 2001″، العام الأول لبوش في السلطة.

غير أنه قال إن “كل العاملين في الرئاسة الأمريكية والباحثين في مراكز الدراسات الجمهورية الذين التقيت بهم أجمعوا على أن الأمر (توسيع الناتو) سوف يمضي قدما العام القادم”، أي عام 2002.

وهذا، بالفعل، ما اتفق عليه في قمة براغ التاريخية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، بمناقشة وزراء خارجية دول الحلف طلبات انضمام تسع دول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock