في أول جولة أفريقية له، زار وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عدة دول أفريقية؛ بدأها بجيبوتي وأعقبها بكينيا وأنغولا. وقد التقى أوستن في جيبوتي، بالرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، ثم الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، حيث تركزت المباحثات مع كل من الرئيسين على “تأكيد التزام الولايات المتحدة بتعزيز الشراكات، وجهود مكافحة الإرهاب”، بحسب بيان البنتاغون.
واللافت، أن زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى أفريقيا، تأتي “السادسة” في ترتيب زيارات المسئولين الأمريكيين، إلى دول القارة الأفريقية؛ منذ أن نُصِّب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة، في 20 يناير 2021، ومن ثم تأتي زيارة وزير الدفاع الأمريكي، في إطار محاولة الولايات المتحدة تعزيز الشراكة الأمريكية، وإعادة بلورة الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بأفريقيا؛ فضلا عن تأكيد التواجد الأمريكي ومواجهة تنامي النفوذ الصيني والروسي، على الساحة الأفريقية.
في إطار محاولة تعزيز دور الولايات المتحدة في أفريقيا.. تأتي زيارة الوزير لويد أوستن مُستندة إلى أكثر من دافع، خاصة في هذا التوقيت.. لعل أهمها يتمثل في الآتي:
أولا: مواجهة العنف ودعم الأمن الإقليمي؛ حيث اعترف مسئول الدفاع الأمريكي، بأن التحديات التي تُشكِّلها “حركة الشباب” في القرن الأفريقي، هي مشكلة صعبة “وتتطلب تعاونا مستداما بين الولايات المتحدة وشركائها في شرق أفريقيا” بما في ذلك كينيا وجيبوتي. إذ تقوم الولايات المتحدة -منذ سنوات- بدعم القوات الصومالية؛ فضلا عن أنها تحتفظ بقاعدة في جيبوتي هي معسكر ليمونيير، التي أشار أوستن إليها باعتبارها “حاسمة لمكافحة التطرف ودعم الأمن الإقليمي”.
كان أوستن قد أدلى بهذه التصريحات عقب لقائه بالرئيس الصومالي في جيبوتي؛ لبحث سُبل مواجهة حركة الشباب الإرهابية؛ التي تُعتبر أكبر الحركات المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة في أفريقيا. ويأتي لقاء أوستن مع شيخ محمود، في أعقاب طلب الحكومة الصومالية تعليق سحب الدفعة الثانية، من قوات بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال.
ثانيا: إعادة بلورة الاستراتيجية الأمريكية في أفريقيا؛ فمنذ أن أطلق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه أفريقيا جنوب الصحراء، في 8 أغسطس 2022، في بريتوريا عاصمة جنوب أفريقيا؛ تحاول الولايات المتحدة تأكيد وجودها كقوى عظمى، داخل القارة السمراء، وتحسين علاقاتها الدبلوماسية مع الحكومات الأفريقية، والمؤسسات الإقليمية في القارة، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي.
والملاحظ، أن إدارة بايدن، على النقيض تماما من إدارة دونالد ترامب، إذ تسعى إلى تعزيز الشراكة الأمريكية مع الدول الأفريقية؛ بشكل تحاول فيه التأكيد على الشراكة، وليس بوصفها بديلا منافسا لروسيا أو الصين. ولعل ذلك يتبدى بوضوح من خلال جولات المسئولين الأمريكيين رفيعي المستوى، في عديد من الدول الأفريقية؛ مثل: جيل بايدن قرينة الرئيس الأمريكي، والسفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-جرينفيلد، ووزيرة الخزانة جانيت يلين، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن؛ وكذلك، كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي؛ ثم، آخر هذه الزيارات جولة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، إلى كل من جيبوتي وكينيا، ثم أنغولا.
ثالثا: تأكيد التواجد ومنافسة القوى الكبرى؛ إذ تسعى إدارة الرئيس بايدن إلى محاولة الانخراط الفعال في شئون القارة الأفريقية، من خلال لعب دور في حلحلة أزمات القارة المتفاقمة، خاصة في شرق أفريقيا، وما تفرضه من تداعيات لها تأثير سلبي على المصالح الأمريكية، ومن ثم ليس من قبيل المصادفة أن تبدأ جولة وزير الدفاع الأمريكي بدولة جيبوتي، خاصة في إطار التوجه الصيني إليها، في محاولة لإقامة قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، وإن كان الهدف المُعلن للصين هو قاعدة للإمداد اللوجيستي.. وليس الأغراض العسكرية.
ومن الواضح -عبر تلك الاستراتيجية الجديدة- سعي الولايات المتحدة إلى كسب مزيد من النفوذ، في مواجهة التمدد الذي تبدو عليه القوى الدولية الكبرى، روسيا والصين؛ حيث تُعد الصين وفقا لبيانات الهيئة العامة للجمارك، أكبر شريك تجاري للقارة السمراء؛ حيث أظهرت البيانات أن التجارة بين الصين وأفريقيا قد وصلت إلى 254.3 مليار دولار، في عام 2021، بزيادة 35.3 % سنويا. ولعل هذا النشاط التجاري الكبير للصين في أفريقيا، كان أحد الدوافع لإطلاق الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه أفريقيا.
رابعًا: التقارب عبر تأكيد الجذور الأفريقية؛ ففي الوقت الذي تحاول فيه واشنطن إظهار تواجدها الأفريقي شريكا وليس بديلا منافسا لروسيا أو الصين؛ تحاول أيضا إعادة رسم الصورة الأمريكية من خلال تقديم بعض من أهم مسئولي إدارة الرئيس بايدن، من ذوي البشرة السمراء، الذين هم من الأصول الأفريقية.
فإضافة إلى لويد أوستن -أول وزير دفاع أمريكي من أصول أفريقية- فقد روّجت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، لنفسها بأنها ذات أصول وجذور أفريقية في زامبيا. ففي أثناء جولتها الأفريقية، خلال الفترة 26 مارس – 2 أبريل 2023، وفي محاولة لإضفاء البعد الأفريقي، والتعاون المتجذر بين الولايات المتحدة والقارة الأفريقية، زارت هاريس جدها، الذي كان قد عمل في زامبيا.
في هذا السياق، يمكن القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية، عبر “مُقاربة جديدة” نحو أفريقيا، تحاول إثبات أنها الشريك الأكبر للقارة، وذلك من خلال الجولات المتعاقبة للمسئولين الأمريكيين إلى دولها. ومن المرجح، خلال الفترة المقبلة، أن يتزايد النشاط الأمريكي على الساحة الأفريقية، في محاولة لإعادة بناء نفوذ واشنطن الأفريقي، خاصة بعدما خسرت زمام المبادرة لصالح منافسيها الرئيسيين في أفريقيا، الصين ورسيا.
وفي هذا الإطار، من المتوقع أن تزداد حدة التنافس الدولي في القارة الأفريقية، وذلك في عديد من مناطق القارة، خاصة منطقة شرق أفريقيا، والقرن الأفريقي؛ حيث تبدو دلالة الاهتمام الأمريكي بهذه المنطقة عبر زيارة وزير الدفاع لويد أوستن.