رؤى

تداخلات السياسة والاقتصاد.. ظلال كثيفة في خريف مضطرب!

تسارعت وتيرة الأحداث السياسية والاقتصادية بعد إعلان مصر في 26 سبتمبر المنقضي، عن موعد الاستحقاق الرئاسي الذي سيبدأ مطلع ديسمبر المُقبل؛ وسط ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة تمر بها مصر؛ بعد انخفاض قيمة الجنيه لأكثر من النصف منذ مارس الماضي، ووصول التضخم إلى معدلات غير مسبوقة – بلغ 36.8 % في يونيو الماضي على أساس سنوي- وزيادة حجم الفجوة الدولارية إلى ((11 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة، مع ارتفاع الاحتياجات التمويلية للبلاد إلى (24) مليار دولار إلى نهاية السنة المالية. مع تواصل عجز الحكومة المصرية عن توفير احتياجاتها الأساسية من العملات الأجنبية، رغم بدئها في تطبيق برنامج بيع أصول الدولة الذي تطمح من خلاله إلى جمع حوالي (5) مليارات دولار بانقضاء العام المالي الحالي نهاية يونيو 2024.

كانت الإدارة الأمريكية قد أعلنت منتصف الشهر الماضي عن اعتزامها حجب (85) مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر؛ على خلفية انتقادات وجهتها للحكومة المصرية بشأن ملف حقوق الإنسان الذي خُصص له نحو ((320 مليون دولار، من إجمالي المعونة السنوية التي تبلغ (1.3) مليار دولار.

وفي تطور سريع أعلن السيناتور بن كاردين، الرئيس الجديد للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، الأربعاء الماضي مطالبته بحجب المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، بسبب ما وصفه بانتهاكات حقوق الإنسان، وتردي أوضاع الحريات في البلاد.

وفيما وصف بالتدخل السافر في الشأن الداخلي المصري؛ أصدر البرلمان الأوروبي بيانا وجّه فيه انتقادات شديدة للحكومة المصرية؛ مطالبا إياها بدعم سيادة القانون وحرية التعبير والإفراج عن من وصفهم بالسجناء السياسيين، ووقف التضييق على المعارضة خاصة مرشحي الاستحقاق الرئاسي المقبل… ما آثار موجة من الغضب على أكثر من صعيد، حيث أدان البيان مجلس النواب المصري في بيان له دعا فيه البرلمان الأوروبي إلى النظر لانتهاكات حقوق الإنسان في القارة الأوروبية، بينما أعلن البرلمان العربي عن إدانته للتدخل السافر من قبل البرلمان الأوروبي في شأن داخلي مصري.

كانت مؤسسة “موديز إنفستورز سيرفيس” قد أعلنت أمس الخميس أنها خفّضت التصنيف الائتماني لمصر؛ درجة واحدة وغيرت نظرتها إلى مستقرة.. ليصبح تصنيف إصدارات الحكومة المصرية طويلة الأجل، بالعملتين الأجنبية والمحلية “Caa1” بعد أن كان “B3”.

وقال محللو المؤسسة أن “مصر تفتقد إلى أي حافز إيجابي في المدى القريب، ما يجعلنا لا نحبذ مركزها الائتماني”.

ويقع التصنيف الجديد في المرتبة السابعة بالدرجة غير الاستثمارية لـ”موديز”، ويفصله عن أعلى تصنيف للوكالة 16 درجة. وأشارت المؤسسة أن هذا التصنيف “يعكس تدهور قدرة مصر على سداد ديونها، واستمرار نقص العملة الأجنبية مقابل الزيادة المستمرة في مدفوعات خدمة الديون الخارجية على مدى العامين القادمين، وسط محدودية الخيارات السياسية لإعادة التوازن إلى الاقتصاد دون تفاقم المخاطر الاجتماعية”.

لكن “موديز” أبقت على نظرتها المستقبلية لمصر، مستقرة وذلك استنادا إلى مؤشرات إيجابية بشأن قدرة مصر على تنفيذ برامج الإصلاح المالي مع إطلاق استراتيجية بيع الأصول، واستمرار دعم صندوق النقد الدولي مع تجاوب أكبر للحكومة المصرية في تنفيذ شروط الصندوق، بالإضافة إلى الدعم المالي الخليجي المنتظر.. بعد تراجعه كثيرا في الفترة الأخيرة.

صندوق النقد الدولي
صندوق النقد الدولي

بالتزامن مع ذلك تبنّى المصرف الأمريكي “مورغان ستانلي” موقفا متشائما إزاء مصر، مُلمِحا إلى “زيادة المخاطر” المُحدقة بالاقتصاد المصري في الأشهر المقبلة.

كما خفّض “مورغان ستانلي” نظرته لأدوات الدين الحكومية لمصر من موقف “الحياد” إلى “عدم التحبيذ”، وبحسب موقع الشرق بلومبيرج؛ فإن قرار البنك جاء جزءا من تقرير عدل فيه المصرف الأمريكي، عن تفضيل ديون الأسواق الناشئة ذات المخاطر المرتفعة والعوائد السخية على الأوراق المالية ذات الدرجة الاستثمارية، موضحا أن ارتفاع عوائد السندات الأميركية المعدلة حسب التضخم قلّص المزايا النسبية للأصول الخطرة.

وقال استراتيجيو بنك “مورغان ستانلي” إن الانتخابات الرئاسية الوشيكة في شهر ديسمبر ستضعف قدرة مصر على مواصلة تنفيذ الإصلاحات، بما في ذلك الانتقال إلى نظام مرونة أسعار الصرف، وهو شرط رئيس في برنامج صندوق النقد الدولي لمواصلة تنفيذ برنامج القرض الذي لم تحصل منه مصر إلا على الدفعة الأولى فقط، من إجمالي قيمة القرض البالغة ((3 مليارات دولار.. بعد إرجاء مراجعتي مارس وسبتمبر إلى أجل غير مسمى.

كانت كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي قد حذّرت  الحكومة المصرية من استنزاف احتياطات النقد الأجنبي البالغة (35) مليار دولار- بمحاولات الابتعاد عن خفض جديد لقيمة الجنيه المصري الذي تراه غورغييفا أمرا بالغ الأهمية؛ لاستكمال خطوات تصحيح وضع الاقتصاد المصري الذي وصفته بالمتأزم.. مع العلم أن الخفض حدث ثلاث مرات منذ فبراير 2022؛ دون أي تحسّنٍ ملموس.

ومن المقرر أن تحضر مصر اجتماعات صندوق النقد الدولي في الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر الحالي في مراكش.. مع انخفاض احتمالات حدوث انفراجة سريعة في المباحثات مع الصندوق حسب مؤسسة “فونتوبيل” لتمسُّك المؤسسة الدولية بتنفيذ الشروط التي تراها ضرورية في نجاح حزمة الإصلاحات، في حين ترى مصر أن تنفيذ تلك الشروط، وعلى رأسها سعر صرف مرن للجنيه؛ سيؤدي إلى أعباء إضافية على الطبقات المتوسطة والفقيرة لن تستطيع تحمُّلها.

تحتاج مصر في تلك الفترة المليئة بالتحديات إلى فتح كافة الأفاق لتقديم الحلول لحلحة الأزمة الراهنة التي تزيد تفاقما يوما بعد يوم؛ ويبدو أن تقديم موعد الاستحقاق الرئاسي لم يكن إيجابيا بالدرجة الكافية في رأي البعض، وما زال التمترس خلف رؤى قد ثبت عدم نجاعتها وجدواها- يقف سدا منيعا أمام حدوث انفراجة حقيقية في الوضع المتأزم الذي يدفع الأمور دفعا نحو تبعات خطيرة لن ينجو من تحمُّل عواقبها أحد.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock