في محاولة تهدف إلى بحث الجزائر عن توقيع صفقات تسلح جديدة، توجه رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أول سعيد شنقريحة، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى بكين في زيارة تندرج في إطار محاولة الجزائر في تنويع شراكاتها العسكرية في اتجاه الصين، كمورد رئيس يُضاف إلى المورد التقليدي لإمدادات الأسلحة الروسية؛ من منظور التراجع الحاصل في الإمدادات العسكرية الروسية للجزائر، بتأثير من الحرب الروسية الأوكرانية.
هذا، بالإضافة إلى تزايد التحديات الخارجية عبر الحدود الجنوبية للجزائر، حيث منطقة الساحل الأفريقي بما تُمثله من ضغوطات عسكرية وأمنية. ولعل المسكوت عنه، ضمن العوامل الدافعة لزيارة شنقريحة إلى الصين، أن صفقات الأسلحة المتوقع عقدها مع بكين، يُمكن أن تُساهم في تقوية ملف انضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس”، خاصة بعد أن حظيت ثلاث دول عربية بالانضمام إلى المجموعة، هي مصر والإمارات والسعودية، في الوقت الذي أخفقت في الجزائر في نيل هذه الفرصة.
تتعدد العوامل الدافعة إلى زيارة رئيس أركان الجيش الجزائري للصين.. تلك التي يتمثل أهمها في ما يلي:
من هذه العوامل، تقوية ملف انضمام الجزائر إلى “بريكس”؛ إذ، أظهرت الجزائر رغبة متزايدة في الانضمام إلى تجمع بريكس، خاصة بعد انضمام ثلاث دول عربية إلى التجمع؛ هذا في الوقت الذي أخفقت فيه الجزائر في الانضمام، بعد تقديمها طلبًا رسميًا بذلك.
ومن ثم، يبدو أن الجزائر عن طريق صفقات السلاح مع بكين، تستهدف، إلى جانب الأبعاد الخاصة بالمجالات العسكرية والأمنية، محاولة تقوية ملف انضمامها إلى تجمع بريكس؛ حيث لم يخف الرئيس الجزائري، خلال زيارته إلى موسكو، منتصف يونيو الماضي، رغبة بلاده في الحصول على عضوية التجمع، وعَبَّر عن ذلك بالقول “الجزائر تريد التعجيل في دخول منظمة بريكس، والخروج من هيمنة الدولار والأورو، كون ذلك فيه فائدة لاقتصادنا”.
من هذه العوامل أيضا تزايد التحديات الخارجية عبر الحدود الجنوبية للجزائر؛ حيث تتبدى هذه التحديات في تزايد مخاطر الأوضاع في منطقة الساحل الأفريقي، فضلا عن منطقة غرب أفريقيا؛ بما يُمثل عاملًا مهمًا في التوجه الجزائري إلى الصين لإنجاز صفقات تسلح، في ظل تراجع الإمدادات الروسية؛ بل، وفي ظل أن كثيرا من الأسلحة الروسية في الترسانة الجزائرية، أصبحت “متجاوزة” بما يُبرر التوجه إلى أسلحة أكثر تطورًا تكونولوجيًا.
والملاحظ، أن مثل هذا التوجه يأتي في وقت تواجه فيه الجزائر العديد من التحديات العسكرية والأمنية، عبر الحدود الجنوبية لها، خاصة مع منطقة الساحل حيث تنشط الكثير من الجماعات الانفصالية وجماعات العنف والحركات الإرهابية، مما يُبرر المخاوف من إمكانية امتداد أنشطة تلك الجماعات والحركات إلى الداخل الجزائري.
من هذه العوامل كذلك، تراجع الإمدادات العسكرية الواردة من روسيا؛ فقد تحول الاعتماد التاريخي للجزائر على الإمدادات العسكرية الروسية إلى نقطة ضعف؛ إذ إن آثار الحرب الروسية الأوكرانية قد أعاقت قدرة موسكو على استمرار الإمداد العسكري للجزائر، خاصة ما يتعلق منها بالحصول على قطع الغيار والمكونات للمشتريات السابقة من الأسلحة، فضلا عن صعوبة إجراء عمليات، أو صفقات، شراء جديدة.
ومن ثم، وفي ظل البحث الجزائري عن بدائل للإمدادات العسكرية الروسية، أو على الأقل “رديف” لها وفي إطار ما يمكن أن يتوافر لها من حيث إنها “مستورد رئيس للسلاح”، يبدو التوجه الجزائري إلى الصين؛ خاصة أن بكين تبدو أكثر حرصا على سد الفجوة الحاصلة في الإمداد العسكري الروسي، ليس مع الجزائر فقط، ولكن مع غيرها من الدول أيضًا. هذا فضلا عن أن الصين ليس لها “اشتراطات خاصة” في مجال الصفقات العسكرية، أو الاقتصادية.
أضف إلى ذلك، من بين العوامل الدافعة إلى زيارة رئيس أركان الجيش الجزائري للصين، الضغوطات الغربية بسبب السلاح الروسي؛ حيث يُشير تصريح شنقريحة، أثناء زيارته للصين، في التأكيد على “ضرورة إعادة هيكلة التوزيع العالمي للقوة”، إلى الضغوطات التي تواجهها الجزائر، بسبب مشترياتها من السلاح الروسي؛ خاصة عندما أشار إلى “ضرورة مواجهة الهيمنة القائمة على الإقصاء ومحاولات فرض أجندات تقوض الخيارات السيادية للدول”.
وكما يبدو، فإن القوى الأوروبية، فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكية، تُبدي قدرًا من التحفظ بشأن قيام الجزائر بتزويد موسكو بضخ قوي للأموال في مُقابل صفقات الأسلحة الروسية، في الوقت الذي تحاول القوى الغربية فرض عقوبات على موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا. وقد تصاعدت التحفظات الغربية إلى مستوى الضغوطات، خاصة أنها تتواكب مع دراسة “معهد استوكهولم للأبحاث حول السلام” (سيبري)، نُشرت في مارس الماضي، التي أكدت على أن “الجزائر هي ثالث أكبر مستورد عالمي للسلاح الروسي بعد الهند والصين”.
ثم، هناك محاولة الجيش الجزائري في تنويع الشراكات العسكرية؛ إذ، تأتي زيارة شنقريحة للصين، في إطار شراء المعدات وصفقات التسلح؛ وذلك في محاولة لتقليل الاعتماد شبه الكامل على الإمدادات العسكرية الروسية، الذي يمتد إلى مرحلة الاتحاد السوفياتي السابق.
واللافت، أن المحاولة الجزائرية في تنويع الشراكات العسكرية، والاستعداد لتوقيع العديد من الصفقات مع الصين، للحصول على أسلحة جديدة، إنما تتزامن مع تخصيص الميزانية الأكبر في تاريخ الجزائر، ميزانية العام 2024، من حيث حجم الإنفاق العسكري؛ حيث زادت مُخصصات هذا الإنفاق بنسبة قدرها 25 % عن العام السابق، ليصل إلى حوالي 23 مليار دولار، بحسب تقرير نشرته صحيفة الشروق الجزائرية، في 12 نوفمبر الجاري، نقلًا عن مصادر عسكرية.
وأخيرًا، يأتي العامل الخاص بتمديد التعاون مع الصين للمجالات العسكرية؛ حيث تنظر الجزائر للصين باعتبارها القوة التمويلية، ذات المرونة في عدم فرض أية شروط إصلاحية أو سياسية على برامجها، وصفقاتها المختلفة سواء كانت عسكرية أو اقتصادية؛ وهو ما يُساعد الجزائر على تجنب مؤسسات الإقراض الدولية المدعومة من الغرب. هذا إضافة إلى ما تتميز به بكين من إمكانيات على مستوى تطوير منظومات الجيش الجزائري الدفاعية.
وبالتالي، تسعى الجزائر إلى توسيع آفاق التعاون مع بكين وتمديدها، لتشمل المجالات العسكرية؛ خاصة بعدما وصل التعاون بين الجانبين إلى مجال الفضاء، حيث أطلقت الجزائر أول قمر صناعي يحمل اسم “ألكوم سات”، من قاعدة فضائية في الصين، موجه للاتصالات اللاسلكية والبث الإذاعي والتليفزيوني والإنترنت، وذلك في عام 2017.
في هذا السياق، يُمكن القول بأن الحرب الروسية الأوكرانية قد أثارت نوعًا من الحيرة والارتباك لدى الجزائر، كما خلقت لغيرها من شركاء روسيا القدامى، بخصوص الإمدادات العسكرية للأسلحة الروسية، التي تراجعت نتيجة التركيز الروسي على الحرب في أوكرانيا؛ ولذلك، كان التوجه الجزائري إلى الصين كـ”قوة اقتصادية وعسكرية” دولية.
ورغم أن الجزائر لا تزال تتمتع بعلاقات إيجابية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض القوى الأوروبية، خصوصًا إيطاليا وألمانيا، إلا أن الصين تتميز بعدم وضع “اشتراطات خاصة” على الصفقات التي تعقدها مع أي طرف، مثل القوى الغربية؛ وهو ما يُمثل بالنسبة إلى الجزائر “محاولة توازن” في معادلة القوة مع الغرب الأوروبي المدعوم من واشنطن.