رؤى

الانتخابات التركية.. وتداعيات تراجع الحزب الحاكم

تعرض حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، لأسوأ هزيمة يتعرض لها في تاريخ حُكمه للبلاد، الذي يمتد إلى ما يزيد على عقدين من الزمان، منذ عام 2002؛ حيث حلَّ الحزب ثانيًا بعد حزب الشعب الجمهوري المُعارض. وقد تمكن الأخير، من تحقيق تقدم غير مسبوق في عموم تركيا، وفي أكبر البلديات، خلال الانتخابات المحلية التي أُجريت في 31 مارس الماضي؛ وهو ما يُعد، ليس فقط ضربة كبرى لحزب العدالة والتنمية الحاكم، ولكن أيضًا خُسارة شخصية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

واللافت، أن خُسارة أردوغان وحزبه لانتخابات البلديات، رغم فوزه بانتخابات الرئاسة والبرلمان، التي جرت في العام الماضي، 2023، جاءت بمثابة “زلزال سياسي” فاجأ الحزب الحاكم، ربما بدرجة لا تختلف في تأثيرها عن زلزال “كهرمان مرعش”، الذي ضرب تركيا في فبراير 2023.

حصل حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المُعارضة في تركيا، على نسبة 37.75 % من الأصوات، في انتخابات رئاسة البلديات، وأصبح الحزب الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات؛ ليتكرر المشهد الذي كان في عام 1977، أي منذ 47 عامًا، حيث حصل حزب الشعب الجمهوري حينذاك على 41 % من الأصوات، ليحل حزب العدالة والتنمية ثانيًا وقتها بحصوله على 35.9 %.

تكرار مثل هذا المشهد، بعد هذه الأعوام الطوال، وبعد أكثر من عقدين من حُكم حزب العدالة والتنمية، يعود إلى عددٍ من العوامل.. أهمها ما يلي:

أولًا: التراجع الحاصل في شعبية الرئيس والحزب الحاكم؛ إذ، رغم نجاح حزب العدالة والتنمية في الفوز الواضح بنتائج الانتخابات البرلمانية والتشريعية، التي جرت في مايو الماضي، 2023، إلا أن الرصيد التقليدي للحزب بالنسبة إلى الشارع التركي، قد تراجع بشكل ملحوظ؛ والأهم، هو تراجع شعبية الرئيس أردوغان، خاصة في المدن الكبرى التي تمكنت المعارضة من الفوز بها.

وكما يبدو، فقد استفاد مرشحو أحزاب المعارضة، في البلديات الكبرى، من تراجع شعبية الحزب الحاكم، خاصة في اسطنبول وأنقرة وبورصة، في تأمين الفوز في هذه البلديات. بل، إن الناخب التركي قد وجه تحذير سياسي شديد إلى حزب العدالة والتنمية، وإلى أردوغان شخصيًا، خاصة أن أكرم إمام أوغلو، الذي فاز بالاستمرار في رئاسة مدينة اسطنبول، استطاع “تنصيب” نفسه أقوى زعيم مُعارض في حقبة العدالة والتنمية.

ثانيًا: تصدع تحالف السلطة وتقدم حزب الشعب المعارض؛ حيث جاءت نتائج الانتخابات الأخيرة، للدلالة على مدى ما أصاب “تحالف الشعب”، وهو تحالف السلطة الحاكم الذي يقوده حزب العدالة والتنمية. وكما يبدو، فقد ظهرت بدايات التصدع في انسحاب حزب “الرفاه من جديد” من التحالف، وخوضه الاستحقاق الانتخابي مُنفردًا؛ بما ساهم في تقسيم أصوات الكتل الانتخابية بين العدالة والتنمية، وبين نظيره الأيديولوجي الرفاه.

في المقابل، كشفت النتائج المُعلنة عن تقدم ملحوظ لحزب الشعب الجمهوري؛ إذ، تمكن مرشحو الحزب من الفوز في 35 بلدية، من بينها البلديات الكبرى، مثل اسطنبول وأنقرة وبورصة، من أصل 81 بلدية في عموم تركيا، ليحصل على 37.75 % من إجمالي الأصوات؛ بينما جاء الحزب الحاكم في المرتبة الثانية بعد حصوله على 35.48 %.

ثالثًا: التراجع الحاد في مؤشرات الاقتصاد التركي؛ إذ، جاءت الأسباب الاقتصادية لتُمثل أحد محركات التصويت لأحزاب المعارضة التركية. فمع استمرار الأزمة الاقتصادية، وانهيار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، فضلًا عن ارتفاع نسبة التضخم وضعف القدرة الشرائية لكثير من المواطنين الأتراك، كانت كلها من بين أهم الأسباب في التراجع الحاصل في ترتيب الحزب الحاكم في الانتخابات البلدية.

ورغم تبني أنقرة سياسات نقدية جديدة، بعد انتخابات مايو 2023، إلا أن التحسن الاقتصادي في تركيا ما يزال محدودًا؛ وهو ما ظهر في ارتباك السياسات المالية للبنك المركزي التركي، إضافة إلى التعثر الحاصل في محادثات الحكومة التركية مع البنك الدولي، لمضاعفة قروضه إلى تركيا إلى 35 مليار دولار، للمساعدة في استقرار الاقتصاد، ومحاولة توفير سيولة مالية لمعاجلة آثار زلزال فبراير 2023.

إضافة إلى العومل الرئيسة التي ساهمت في خسارة أردوغان وحزبه، بما يؤكد على تراجع شعبية الرئيس والحزب الحاكم؛ فإن ثمة تداعيات مُتوقعة لهذا التراجع.. أهمها ما يلي:

من جانب، من المتوقع أن تساعد نتائج الانتخابات في دفع الرئيس التركي إلى تبني سياسات مُغايرة؛ إذ، ربما يعمل على تغيير سياساته الاقتصادية، وربما يلجأ إلى التصعيد في القضايا الخارجية في محاولة لاستعادة شعبيته؛ خاصة أن فوز المعارضة سوف يُعزز من نفوذ “إمام أوغلو” باعتباره منافسًا للرئيس “أردوغان”.

أضف إلى ذلك، من جانب آخر، أن خسارة الانتخابات سوف تُعرقل محاولات الرئيس التركي في تعديل الدستور؛ حيث إن فشل حزب العدالة والتنمية في استعادة اسطنبول وأنقرة، وعدم القدرة على تحقيق أداء قوي في صناديق الاقتراع، سيكون تأثيره سلبيًا على إمكانية إجراء تعديل دستوري، يُتيح لأردوغان الاستمرار في منصبه لما بعد عام 2028.

من جانب أخير، وبالرغم من أن الرئيس التركي يمتلك حرية الحركة في إدارة ملفات السياسة الخارجية، إلا أن فوز المعارضة في الانتخابات الأخيرة لابد أن يدفع أردوغان إلى إعادة النظر في عددٍ من هذه الملفات؛ خاصة أن عددًا من أحزاب المعارضة، وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري وحزب الرفاه، وغيرهما، يعترض على إدارة الرئيس بالشكل الذي بدا عليه في الآونة الأخيرة، وتحديدًا في الموقف من الانخراط في صرعات الإقليم، والعمليات العسكرية ضد الأكراد في شمال سوريا وشمال العراق. ولعل ذلك يتبدى بوضوح من خلال الدخول الكردي على خط المنافسة في الانتخابات البلدية، حيث دفع حزب المساواة الشعبية والديمقراطية، الجناح السياسي للأكراد، بمرشحين في كل من اسطنبول وإزمير وأنقرة.

في هذا السياق يمكن القول بأن الناخبين الأتراك صوّتوا عقابًيا ضد حزب العدالة والتنمية، وضد أردوجان أيضًا؛ إذ، تُمثل نتائج هذه الانتخابات أسوأ هزيمة للحزب الحاكم والرئيس، بعد أكثر من عقدين من الزمان. هذا، فضلًا عن أن هذا “العقاب” يؤكد على أن المعارضة ما تزال تُمثل قوة سياسية متنامية، وأن أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية اسطنبول، أصبح أهم منافس للرئيس أردوغان في المستقبل. بل، يبدو أن هذه النتائج قد تكون مؤشرًا على تغير المشهد السياسي المنقسم في البلاد.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock