صدرت هذه الدراسةInside the Caliphate’s Classroom: Textbooks, Guidance Literature and Indoctrination Methods of the Islamic State (داخل فصول دولة الخلافة: الكتب الدراسية، والأدبيات الإرشادية، ومناهج التلقين في فصول الدولة الإسلامية) في أغسطس 2016 عن “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى “للباحث يعقوب أوليدورت، المتخصص في دراسة التاريخ الإسلامي وتاريخ الشرق الأوسط الحديث، والذي تتركز بحوثه حول الأحزاب السياسية السلفية وبخاصة تنظيم الدولة الإسلامية.
تنقسم الدراسة إلى ثلاثة محاور رئيسة، بخلاف مقدمة وخاتمة وتوصيات. يتناول المحور الأول جهود دار النشر التابعة لتنظيم الدولة “مكتبة الهمة” في نشر أدبياته، بينما يسبر المحور الثاني أغوار الكتب الدراسية في مدارس تنظيم الدولة، أما المحور الثالث فيبحث الأدبيات الأخرى التي تصدر عن التنظيم للمسلمين “العاديين”. وتختتم الدراسة بملاحق تضم مختارات من الكتب الدراسية الداعشية وصور أغلفتها وقاموسا للمصطلحات التي يستخدمها التنظيم في أدبياته.
تكمن أهمية الدراسة في أنها أول دراسة منهجية تسبر أغوار الكتب العربية الصادرة عن تنظيم الدولة بعد إعلان قيام دولة الخلافة في 20 يونيو 2014، خاصة الكتب الدراسية المعتمدة من قبل التنظيم لتدريسها في فصول الدولة الدراسية منذ انطلاق الفصل الدراسي الأول في أكتوبر 2015، وهو ما يتيح التعرف على منهجية عمل التنظيم وبنيته الداخلية واستراتيجياته. كما يكشف تتبع الدراسة للتواريخ التي تحملها هذه الإصدارات عن التطور الحركي والعملياتي للتنظيم، وذهنية القارئ الذي تخاطبه، والقالب الفكري والاجتماعي الذي تريد وضعه فيه. ويقدم بحث هذه الكتب أيضا خدمة جليلة لصانع القرار السياسي والاستراتيجي بشأن كيفية مواجهة التنظيم، والتعاطي مع القضايا الشائكة المتعلقة بإقبال الأفراد على القيام بعمليات انتحارية من أجل خدمة قضاياه.
تكشف الكتب الدراسية وسائر المطبوعات الصادرة عن تنظيم الدولة عن مقاربة منهجية واعية لكيفية تقديم المادة العلمية”.
“تنقسم الكتب الدراسية إلى قسمين: علوم شرعية (القرآن، والعقيدة، والفقه والحديث)، ومعارف عامة (الإعداد البدني، والرياضيات، والقواعد)”.
“يقوم تنظيم الدولة بـ”سلفنة” العلوم الشرعية من خلال طرح رؤية أصولية سنية للعقيدة، كما يقوم بـ”دعشنة” المعارف العامة بما يخدم حزمة أهدافه الأربعة”.
“تبرز الكتب الدراسية أهمية دولة الخلافة والدور المحوري للجهاد والانتصارات الميدانية في حركة التاريخ الإسلامي”.
“الكتاب المدرسي في مادة القرآن وتفسيره يناقش بطريقة انتقائية الآيات الخاصة بالأحكام الإسلامية، ولا يستشهد بأي من كتب التفسير”.
“جاء نشر الكتب الدراسية في نهاية عام 2015 في أعقاب عام أجرت فيه وزارة التربية والتعليم التابعة للتنظيم إصلاحات في مناهجها التعليمية، فيما أطلق عليه أيمن التميمي “فترة انتقالية”.. وجاءت هذه الإصلاحات بدورها في أعقاب تعليمات أصدرها التنظيم في مدينة الرقة بحظر تدريس بعض المواد (الموسيقى، والرسم، والتربية الرياضية، والفلسفة)”.
“أكد التنظيم على ضرورة اجتثاث الانتماءات والموضوعات القومية ]من مناهج التعليم[ … لأن هذا يمثل انتهاكا للإسلام الأصولي الذي يعتنقه التنظيم وسائر الحركات السلفية”.
“يذهب الأطفال إلى معسكرات تدريب في الرقة وأماكن أخرى حيث يتعلمون قطع الرأس على دمي شقراوات، ويتدربون على استخدام الأسلحة النارية”.
مقارنة مع الكتب السعودية
“سارع بعض المحللين إلى بلورة أسباب تطرف الدولة الإسلامية في التأثير الديني السعودي من منطلق التزامهما المشترك بالتوجه السلفي، واستخدام داعش للكتب الدراسية الدينية السعودية في الأقاليم الخاضعة لحكمها قبل أن يصبح لها مناهجها الخاصة”.
“يوضح البرنامج التعليمي ]الذي تطلق عليه الدراسة “الدعشنة” كيفية قيام التنظيم بإعادة توجيه المواد الدراسية الخارجة عن دائرة المواد الدينية، مثل التاريخ والرياضيات والحاسب الآلي، لدعم قضيته، وحيثما تتاح له الفرصة، يقوم بتدريب الأطفال على القتال من أجل هذه القضية”.
“بينما يمثل التطرف، أو عدم التسامح الديني، سمة أساسية في الفكر السلفي، على نحو ما تعكسه الكتب الدراسية السعودية والداعشية على السواء، تبقى المناهج الداعشية قاتلة بصورة فريدة حيث يتم تدريس العلوم غير الشرعية بطريقة تخدم الأهداف الأيديولوجية للتنظيم.. وهذا ما يميزها ليس فقط عن سائر الجماعات السلفية، وإنما عن غيرها من الجماعات الجهادية أيضا”.
“في افتتاحية أحد الكتب الدراسية عن كيفية استخدام كود برمجة يسمى “Scratch” يؤكد مؤلفو الكتاب أن “تنظيم الدولة يأخذ على عاتقه هدف تدريب جيل من المقاتلين قادر على القيام بعمليات البرمجة، ليس فقط من أجل استخدامها، وإنما من أجل تطوير تقنيات حديثة لاستخدامها في السلم والحرب، لأن دول الاستبداد الوثني في المنطقة ]الدول العربية[ قد حولت أبناء المسلمين إلى مجرد مستهلكين لمنتجات ]الغرب[“.
“إن القول بأن تنظيم الدولة يعزز التطرف الديني قولا اختزاليا لا يفي بفهم ما يسعى التنظيم إلى تحقيقه على الأرض، لا سيما عبر ما يتم تدريسه؛ حيث يتسم الإنتاج المنهجي، من خلال عملية “دعشنة””جيل من المجاهدين” يحمل قضية تنظيم الدولة، بأنه إنتاج نوعي وغير مسبوق”.
من “السلفنة” إلى “الدعشنة”
“تهدف المناهج التي يتم تدريسها في فصول الدولة الإسلامية إلى “سلفنة” الإسلام و”دعشنة” المجتمع. يتعلق الهدف الأول بالعلوم الشرعية، بينما يتعلق الهدف الثاني بالعلوم الأخرى”.
“تعتبر داعش الديمقراطية والقومية والوطنية من قبيل الوثنية السياسية”.
“على هذا الأساس، فإن كتب الجغرافيا لا تتضمن حدود الدول القومية، وإنما تركز على الجغرافيا الطبيعة”.
ملامح “السلفنة”
لا يعرض كتاب الفقه لمدارس الفقه السني الأربعة، وينفذ مباشرة إلى النصوص الدلالية الواردة في القرآن والأحاديث النبوية.. لا يذكر القرآن وتفسيره ]أيضا[ لا يذكر كتب التفسير التراثية التي أوضحت السياقات التاريخية لنزول الآيات ومعانيها… يرجع هذا إلى أن كثيرا من مفسري القرآن القدامى والمحدثين – بمن فيهم سيد قطب – يؤمنون بما يعتبره السلفيون آراء ثيولوجية منحرفة”.
ملامح “الدعشنة”
“لاستكمال صورتها العالمية، ولوضع عملية التلقين في خدمة قائمة أولوياتها، يؤطر تنظيم الدولة الإسلامية لهذا المشروع “التسليفي” كجزء من برنامج لدعشنة المجتمع”.
يتجلى برنامج الدعشنة -أكثر ما يتجلى- في مقدمة جميع الكتب الدراسية ]التي تعرب صراحة عن أهدافها، ومناهجها[.
]يتجلى ذلك أيضا في توظيف[ الصور، خاصة صور “علم التنظيم”، والصور التي تؤكد على منهجية العنف مثل صور البنادق في نهاية كل فصل في كتاب الأدب العربي، وصور تركيب الأسلحة النارية في كتاب الإعداد البدني، وغيرها من الصور التي تؤكد أن المواطن في الدولة الإسلامية هو أيضا – وبالضرورة – مقاتل في سبيلها”.
“يقر تنظيم الدولة أيضا في مدارسه كتاب السياسة الشرعية… للتأسيس لرؤية حتمية للتاريخ الذي يبلغ أوج حركته في دولة الخلافة التي يؤسس لها التنظيم”.
“يقدم كتاب الأدب العربي نموذجا جيدا لقدرة تنظيم الدولة على التأطير للمحتوى الأقل ارتباطا بأهدافه بطريقة تدعم مشروعه”.
“باختصار، يحول التنظيم الكتب الدراسية إلى استراتيجية تلقين منهجي ] لأفكاره وسياساته[“.
التوصيات
“يمكن أن يستمد صانعو السياسات أفكارا مهمة من الإنتاج الفكري لتنظيم الدولة بشأن كيفية عمل التنظيم في منطقة الشرق الأوسط، واجتذاب عناصر من خارجه”.
“يعتبر التنظيم الأفكار جزءا محوريا من برنامجه لبناء ما يعتبره أول دولة إسلامية حقيقية منذ زمن النبوة”.
“]من هنا يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية أن[ تستفيد من المنصات التعليمية القائمة والجديدة لتحقيق أهداف تربوية، وذلك عن طريق تزويد المناطق ]التي تم تحريرها من قوات تنظيم الدولة[ بكتب دراسية وتطبيقات على الهواتف المحمولة، وفيديوهات وغيرها من المنصات الإلكترونية والافتراضية لإعادة بناء المجتمعات المحلية”.
“تكمن جاذبية دعوة تنظيم الدولة في وعده بإقامة يوتوبيا إسلامية سنية في المناطق التي مزقتها الحروب]العراق وسوريا[، ومن ثم يمكن الاستعانة بأتباع تنظيم الدولة السابقين الذين تحرروا من وهم دولته الدينية لتسليط الضوء على الممارسات القمعية للتنظيم”.