من المؤكد أن تكون مصر أحد أهم المستفيدين من توقيع الاتفاق المبدئي لوقف إطلاق النار في قطاع غزّة، بعد عودة الملاحة في قناة السويس إلى طبيعتها، عقب توقف هجمات جماعة أنصار الله على السفن في البحر الأحمر؛ دعما وإسنادا للمقاومة الفلسطينية.
خلال العام الماضي بلغت خسائر قناة السويس حسب البيانات الرسمية حوالي 7 مليار دولار، بالإضافة إلى تراجع صادرات مصر البترولية بقيمة تتراوح بين 415.8 مليون دولار إلى 1.2 مليار دولار.
عانت مصر خلال العام المنقضي عجزا في ميزان المدفوعات بلغ 991.2 مليون دولار؛ وكان من الممكن أن يتجاوز العجز هذا الرقم؛ لولا أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج ارتفعت بنسبة 84.4% لتصل خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2024، إلى 23.7 مليار دولار. كما ارتفعت عائدات السياحة لعام 2024، بنسبة بلغت 8.2% محققة 6.6 مليار دولار، مقارنةً بمبلغ 6.3 مليار دولار خلال عام 2023، وكانت مصر قد استقبلت خلال العام المنقضي15.7 مليون سائح وفق البيانات رسمية، ما يُعدّ أعلى رقمٍ تحققه البلاد في تاريخها.
ستكون مصر أكثر المستفيدين أيضا من عملية إعمار غزة المتضمنة في المرحلة الثالثة من الاتفاق، والتي ستتراوح مدتها من ثلاث إلى خمس سنوات، وستتكلف حوالي 80 مليار دولار بحسب مؤسسة راند الأميركية، وستكون شركات المقاولات والإنشاءات المصرية وشركات مواد البناء، هي الأوفر حظا في عملية إعمار
غزَّة؛ لعدة أسباب منها أن مصر الأقرب للقطاع جغرافيًا، كما أن الشركات المصرية ذات خبرة كبيرة في هذا المجال، إذ زاولت أعمال الإعمار في العديد من الدول التي نكبت بالحروب مثل سورية ولبنان والعراق.
ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد المصري حالة من الرواج، بعد عودة الحركة في المعابر بين مصر وفلسطين إلى طبيعتها، فحسب نص الاتفاق في المرحلة الأولى: تدخل 600 شاحنة مساعدات (50 منها تحمل الوقود) إلى غزة يوميا، تخصص نصفها إلى شمال القطاع.
كما ستحصل الشركات المصرية، على حصة لابأس بها، في عمليات إزالة الركام الذي تقدّره الأمم المتحدة بأكثر من 42 مليون طن، ما يعادل 14 مرة كمية الأنقاض المتراكمة في غزة بين 2008 وبداية الحرب في أكتوبر 2023، كما أشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن إزالة هذه الكمية من الركام ستستغرق 14 عاما تقريبا، وستكون التكلفة حوالي 1.2 مليار دولار.
كانت مصر طرفا رئيسا في إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، إلى جانب قطر والولايات المتحدة.. أما أثناء الحرب الوحشية الصهيونية على القطاع والتي استمرت 468 يوما حتى19 يناير الحالي، بدء تنفيذ وقف إطلاق النار- فقد حاولت الإدارة المصرية وفق رؤيتها، وما تمليه عليها المصلحة الوطنية، وقف هذا العدوان الذي لم تعرف له البشرية مثيلا عبر تاريخها الطويل، ووفق العديد من المعطيات- فإن مصر لم تكن بعيدة عن دورها التاريخي تجاه القضية الفلسطينية؛ فليس كل ما تفعله مصر في هذا الصدد معلن ومتاح للكافة.
كانت مصر قد عقدت مؤتمرا للدول المانحة للمساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر، عقب العملية البربرية التي أسماها جيش الاحتلال بـ “الرصاص المصبوب” والتي بدأت أواخر ديسمبر 2008، واستطاعت مصر الحصول على تعهد من بعض الدول والهيئات الدولية بتوفير 4.5 مليار دولار، وفي ديسمبر المنقضي عقدت مصر مؤتمر القاهرة الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة، والتي أعلنت فيه أنها قدمت نحو٧٠% من المساعدات التي دخلت القطاع برا أثناء الحرب، وحوالي80% من إجمالي المساعدات، كما سهّلت إجراءات الشَحن الجوي والبحري والبري لاستقبال المعونات. كما استضافت مصر آلاف من الجرحى من الأشقاء الفلسطينيين، ووفرت لهم سبل العلاج والرعاية. ومن المتوقع أن تسعى مصر لعقد مؤتمر للدول المانحة للمساعدات والهيئات الدولية من أجل تسريع وتيرة الإعمار، في وقت قريب.
من المرجّح أن تشهد الفترة القادمة عملا دءوبا من المسئولين المصريين في هذا الاتجاه؛ سيكون من شأنه التعجيل برفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني البطل في قطاع غزة؛ كما أن الجهود الشعبية المصرية سيكون لها دور كبير في ذلك أيضا؛ لذلك نرى أن الفترة الزمنية التي سيستغرقها الإعمار ستكون أقصر مما يُتوقع لها؛ وسيكون الدور الأكبر في هذا الشأن لمصر، التي لن تدّخر وسعا على كافة المستويات الرسمية والشعبية؛ لإزالة آثار العدوان الصهيوني في القطاع.