رؤى

دوافع وتحديات.. تعريفات ترامب الجمركية ضد الصين

منذ توليه منصبه، أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استعداده لاستخدام التعريفات الجمركية، كأداة ضغط على الصين في مختلف القضايا الاقتصادية والجيوسياسية. وقد أشار ترامب إلى الفائض التجاري الضخم للصين مع الولايات المتحدة، الذي غالبا ما يتجاوز مئات المليارات من  الدولارات سنويا.

ولم يكتف الرئيس الأمريكي بذلك، بل أعرب عن رغبته في أن تشتري الصين مزيدا من السلع الأمريكية، لتقليص هذه الفجوة. وبالرغم من أن البيت الأبيض قد فرض على الصين تعريفات جمركية، بنسبة 10%، في 28 يناير الماضي؛ فإنه لا يبدو أن أيًا من  الجانبين، الأمريكي والصيني، مستعد للانزلاق إلى حرب تجارية شاملة. فالصين التي تواجه تحديات اقتصادية جسيمة، أبدت اهتمامها بالتفاوض مع ترامب، الذي أشار بدوره إلى استعداده للحوار، عبر تأجيل معظم التعريفات الجمركية التي كان قد وعد بها ضد الصين.

ومن هنا يثور التساؤل، حول دوافع ترامب في استخدام التعريفات الجمركية؛ أداة ضغط ضد الصين؟

دوافع ترامب

استخدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التعريفات الجمركية أداة ضغط على الصين، يُمثِّل خطوة مثيرة للجدل وحاسمة في إعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية، بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.

من جهة، هناك محاولة تقليص العجز التجاري؛ فمن خلال فرض التعريفات الجمركية، يسعى ترامب إلى معالجة الخلل التجاري مع الصين. وكما يبدو، فإن تقليص العجز هو الهدف الرئيس من هذه التعريفات على السلع الصينية. فقد وجّه ترامب انتقادات متكررة إلى الصين بسبب الفائض التجاري الكبير الذي تتمتع به على حساب الولايات المتحدة، مُؤكدا أن الصادرات الصينية تفوق بشكل كبير الواردات من الولايات المتحدة. واعتبر أن هذا الوضع غير مقبول اقتصاديا، وأن التعريفات ستعيد التوازن.

من جهة أخرى، هناك محاولة إعادة التفاوض على العلاقات الاقتصادية؛ حيث يرى ترامب أن العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين بحاجة إلى إعادة هيكلة. واعتبر أن الصين استفادت بشكل غير عادل من العولمة، واستفادت من القواعد الدولية للتجارة على حساب الولايات المتحدة. ومن ثم، فإن فرض التعريفات الجمركية يُمثل جزءا من استراتيجية أوسع، تهدف إلى إجبار الصين على التفاوض، وإعادة ترتيب العلاقة الاقتصادية بين البلدين بما يخدم المصالح الأمريكية.

من جهة أخيرة، هناك تحفيز إعادة التصنيع في أمريكا؛ فمن خلال رفع تكلفة السلع الصينية عبر التعريفات الجمركية، يبدو أن الهدف هو تحفيز الشركات الأمريكية على إعادة التصنيع داخل الولايات المتحدة؛ حيث إن الكثير من الشركات الأمريكية كانت قد نقلت مصانعها إلى الصين، بسبب العمالة الرخيصة والتكاليف المنخفضة. لذا تهدف التعريفات إلى جعل البضائع الصينية أكثر تكلفة، وبالتالي جعل التصنيع داخل الولايات المتحدة أكثر تنافسية.

تحديات واقعية

لا يبدو أن استخدام التعريفات ضد الصين هو لأغراض اقتصادية، بل هو أيضا جزء من استراتيجية أوسع لإظهار القوة الأمريكية في السياسة الخارجية. إذ يريد ترامب إثبات أن الولايات المتحدة ليست ضعيفة أمام خصم مثل الصين، وأنها مستعدة لاتخاذ خطوات قوية لحماية مصالحها.

إلا أن هذه الخطوة سوف تواجهها عدة تحديات واقعية.. أهمها:

من جانب، هناك التأثير على الاقتصاد الأمريكي نفسه؛ إذ في حين تهدف التعريفات الجمركية إلى إلحاق الضرر بالاقتصاد الصيني، إلا أن الكثير من الشركات الأمريكية؛ تعتمد على المنتجات الصينية، خاصة في القطاعات الصناعية والتكنولوجية. وارتفاع تكلفة هذه السلع نتيجة التعريفات، سوف يؤثر على الشركات والمستهلكين الأمريكيين بشكل مباشر، حيث يمكن أن تشهد الأسعار ارتفاعا وتتعرض سلاسل الإمداد للاضطرابات.

من جانب آخر، هناك التأثير على الاقتصاد العالمي؛ فتصاعد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين، سيكون له تأثير على الاقتصاد العالمي ككل. سلاسل الإمداد العالمية سوف تتأثر بشكل كبير، حيث تعتمد العديد من الصناعات على الأجزاء والمواد الأولية من الصين أو الولايات المتحدة. هذا فضلا عن إمكانية أن يتسبب التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة، في زعزعة الأسواق المالية وزيادة عدم اليقين الاقتصادي، ما قد يدفع العديد من الشركات إلى تأجيل أو إلغاء خطط الاستثمار.

من جانب أخير، هناك التأثير على العلاقات الدولية؛ حيث إن التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين سيؤثر على علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها التجاريين. بعض الحلفاء الأوروبيين والأسيويين.. ستتصاعد لديهم المخاوف من تأثير التوتر التجاري على الاقتصاد العالمي، خاصةً أن هذا التوتر هو بين أكبر اقتصادين في العالم.

اقتراح الصين

وكما يبدو، تستعد بكين لتقديم عرض لتفادي زيادات أكبر في التعريفة الجمركية والقيود التكنولوجية، التي قد تفرضها إدارة الرئيس ترامب، بما يعكس رغبتها في استئناف محادثات تجارية جديدة. جاء ذلك عبر وزارة التجارة الصينية، التي دعت إلى “الحوار الصريح” بين الجانبين.

وفي إطار استعداداتها للمفاوضات، يُركز الاقتراح الصيني على استعادة اتفاقية تجارية، كانت قد وقعتها بكين مع إدارة ترامب الأولى، في أوائل عام 2020، لكنها فشلت في تنفيذها. وكانت الصين قد تعهدت بزيادة مشترياتها من السلع الأمريكية بقيمة 200 مليار دولار، على مدار عامين (2020 -2021)، بما في ذلك المنتجات الزراعية والطاقة والخدمات. ورغم أن تنفيذ الاتفاقية واجه تحديات، خاصةً مع اضطرابات التجارة الدولية التي أحدثتها جائحة كورونا، سعت الصين في اقتراحها الأولي إلى إعادة الالتزام بهذه الأهداف التجارية.

بناءً على ذلك، تستعد الصين الآن للتفاوض مع إدارة ترامب، حول المجالات التي يمكنها شراء مزيد من المنتجات الأميركية فيها. وتشمل الأجزاء الأخرى من خطة الصين عرضا لزيادة الاستثمارات في الولايات المتحدة، وخاصةً في قطاعات مثل بطاريات السيارات الكهربائية.

وبالتالي، يبدو أن الاقتراح الأولي للصين لاستعادة الاتفاقية التجارية للمرحلة الأولى، التي وقعتها مع إدارة ترامب، هو محاولة لاستئناف الحوار التجاري بين البلدين، والحفاظ على العلاقات الاقتصادية القوية رغم التوترات الجيوسياسية. ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه هذه الخطوة، بما في ذلك التغيرات في السياسة الأمريكية، إلا أن الصين تأمل في استخدام الاتفاقية كوسيلة لتجنب التصعيد التجاري وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

في هذا الإطار..

يمكن القول بأن سياسة التعريفات الجمركية التي يحاول الرئيس ترامب انتهاجها تجاه الصين، هي محاولة لمعالجة الخلل التجاري بين بلاده والصين. وبالرغم من أن هذه السياسة ربما تنجح في فرض ضغوط كبيرة على الصين، إلا أنها سوف تواجهها تحديات هائلة. والأهم أن الحرب التجارية تُظهر كيف أن العلاقات الاقتصادية بين الدول الكبرى معقدة ومترابطة، وأن أي تغيير فيها يمكن أن يكون له تداعيات كبيرة على الساحة الجيوسياسية الدولية.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock