رؤى

زهرة المدائن (13): القدس.. والاحتلال الإسرائيلي

دأب منظرو الحركة الصهيونية منذ منتصف القرن 19 الماضي، على التأكيد لليهود في مختلف أنحاء العالم – أن هدف الصهيونية هو احتلال القدس وجعلها عاصمة إسرائيل.

وكان استيطان القدس من أهم ركائز الدعوة لدى زعماء الحركة الصهيونية، الذين كانوا يرددون أمام بسطاء اليهود في العالم باستمرار.. أحد مزاعم اليهودية التي تقول: “إن أقدامنا كانت تقف عند أبوابك يا قدس، يا قدس التي بقيت موحدة”.

الحروب العربية الإسرائيلية

حينما انتهت الحرب “العربية ـ الإسرائيلية” (عام 1948)، تمكنت القوات الإسرائيلية من تحقيق نصف ذلك الحلم الصهيوني. فقد احتلت ما نسبته 66.2 بالمائة من المساحة الكلية لمدينة القدس. ولكن البلدة القديمة وما فيها من مقدسات، ظلت في أيدي العرب.

ثم جاءت حرب عام 1967، لتتمكن القوات الإسرائيلية من أحكام قبضتها على الجزء المتبقي من المدينة؛ بل تمكنت من إحكام قبضتها على كامل الأرض العربية الفلسطينية، ناهيك عن الأراضي العربية الأخرى سيناء، والجولان.. وبعد ثلاثة أيام فقط من الاعتداء الإسرائيلي، كان الحاخام “شلومو غارين” حاخام الجيش الإسرائيلي حينذاك؛ يقف على رأس ثلة من الجيش بالقرب من الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف (حائط المبكى) ويقيم شعائر الصلاة اليهودية، معلنًا في ختامها “إن حلم الأجيال اليهودية قد تحقق، فالقدس لليهود ولن يتراجعوا عنها وهي عاصمتهم الأبدية”.

النكبة
النكبة

وفعلًا، جاءت الإجراءات الإسرائيلية في مدينة القدس، منذ ذلك الحين، لتؤكد هذه المقولة.

إذ بعد احتلال القدس كلها بأيام في 11/6/1967، عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعًا لبحث ضم القدس إلى إسرائيل، وتوالت اجتماعاتها إلى أن تقدمت للكنيست في 27/6/1967، بمشروع قرار لضم مدينة القدس. وفي اليوم نفسه وافق الكنيست على قرار الضم، وجرى إلحاق القدس العربية بإسرائيل سياسيًا وإداريًا بموجب القرار رقم 2046.. وفي اليوم التالي، أصدرت الحكومة الإسرائيلية ما سُمي: “أمر القانون والنظام رقم 1 لسنة 1967” وأخضعت بموجبه منطقة تنظيم مدينة القدس للقوانين والنظم الإدارية الإسرائيلية.

فإذا ما تابعنا بعض الخطوات الإسرائيلية التي تتعلق باحتلال مدينة القدس، لنا أن نلاحظ: إن إسرائيل، منذ احتلالها المدينة، قد أظهرت نواياها وأهدافها المرسومة في ما قبل هذا التاريخ بنصف قرن من الزمان علي الأقل، وفي مقدمتها: محاولة تدمير المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان مكانه.

القدس والممارسات الإسرائيلية

كان الحلم الإسرائيلي/ الصهيوني ولا يزال، يتمثل في العثور على أية آثار لهذا الهيكل، فتقوم ببنائه من جديد، ويكون بمثابة كعبة اليهود في العالم. و قد سعت إسرائيل في هذا الاتجاه منذ استيلائها على المدينة إلى تشويه وتدمير المعالم الإسلامية، وذلك تطبيقًا للمبدأ القائل: “إذا ما أردت قتل روح شعب، فيجب تدمير حضارته وبنيانه الثقافي”.

وكما تشير “الموسوعة الفلسطينية، 1984″، فقد استولت إسرائيل على حي المغاربة وهدمته، وهدمت إلى جواره مسجدين كانا يخدمان سكانه. كما أصدر وزير المالية الإسرائيلي قرارًا بمصادرة مساحة واسعة ملاصقة للمسجد الأقصى، واعتبارها أملاكًا إسرائيلية (اشتملت هذه المساحة على خمسة مساجد، وأربع مدارس، ومركزين ثقافيين إسلاميين هما زاوية “أبي مدين الغوث”، والزاوية “الفخرية”).

الاستيلاء على القدس عام 67
الاستيلاء على القدس عام 67

ولم تتوقف الإجراءات والممارسات الإسرائيلية عند هذا الحد بل هدمت أربعة عشر مبني تاريخيًا وإسلاميًا في 14 يونيو 1969، بواسطة الجرافات  وصادرت في العشرين من الشهر نفسه سبعة عشر مبني منها: المدرسة التنكرية في باب السلسلة، والتي استعملتها مقرًا للجيش الإسرائيلي.

بل، استمرت المحاولات الإسرائيلية في الكشف عن جانبين كاملين من الحرم الشريف، ويشكلان المنصة الضخمة التي يقوم فوقها المسجدان من ناحية الركن الجنوبي الغربي، بالقرب من حائط المبكى القائم الآن؛ وحتى بوابة القبائل في الطرف الشمالي الشرقي، حيث يوجد على امتداد تلك المسافة التي تبلغ ثلاثة أرباع كيلو متر، الأوقاف الدينية والتي تضم المدارس ومساحات تكايا، فضلًا عن مئات العرب الذين يعيشون في تلك الأماكن.

وفي أغسطس من عام 1969، كانت الطامة الكبرى.. إذ تعرض المسجد الأقصى إلى عملية إحراق علي يد صهيوني متطرف، حيث تباطأت سلطات الاحتلال الإسرائيلية في عملية إطفاء الحريق، مما سبب أضرارًا بالغة بالمسجد الأقصى. فقد التهمت النيران الجناح الجنوبي الشرقي منه، وقضت تمامًا على المنبر المُطعم بالعاج الذي أقيم في عهد صلاح الدين الأيوبي، ناهيك على الأضرار التي أصابت سقف المسجد.

القدس والأهداف الإسرائيلية

وضمن الممارسات الإسرائيلية، تأتي إباحة إقامة الصلوات اليهودية داخل الحرم الشريف .. وكنوع من التوثيق التاريخي، نذكر ما يلي:

في 30 أغسطس 1970، قامت السلطات الإسرائيلية بمصادرة الأراضي الفلسطينية التي تقع حول مدينة القدس وقراها مثل قرى الرام وقلنديا وبيت حنينا في الشمال من القدس، وقرى النبي صموئيل وبيت أكسا في الغرب، وقرى بيت صفاتا وصور وباهر في الجنوب؛ وذلك تحقيقًا لأهدافها التوسعية الرامية إلى إقامة القدس الكبرى.

أيضًا، لم تتوقف إسرائيل عند هذا الحد.. فقد أخذت سلطات الاحتلال الإسرائيلية في زيادة أعمالها من خلال عرض البروفيسور “يامين مزار” مدير الحفريات الإسرائيلية، على “موشي دايان” وزير الدفاع الإسرائيلي في 2/8/1971، شرحًا تفصيليًا عن الحفريات التي تتم بالقرب من الحائط الجنوبي للقدس. وكان دايان قد أعطي توجيهاته وتوصياته بضرورة عدم التأخير في عمل الحفريات، حيث قال: “يجب العمل على كشف وإعادة ترميم كافة ما يتعلق بأيام الهيكل الثاني، وأُفضل أن أرى السور كما كان في عهد الهيكل الثاني”.

أسعار القدس

وفي 12 أغسطس 1980، قام الكولونيل “وارن” بفتح النفق الواصل بين سور القدس الغربي وسبيل قايتباي. وكانت النية الإسرائيلية هي الاستمرار في حفر الخندق المتجه نحو الصخرة المشرفة؛ ولولا أن دائرة الأوقاف الإسلامية أقفلته بجدار أسمنتي، لكانت الحكومة الإسرائيلية قد تمكنت من الوصول لأهدافها حول هذا النفق.

ومرة أخرى، لم تقف المحاولات الإسرائيلية عند هذا الحد.. ففي يناير 1984، حاولت مجموعة إرهابية تدمير الأقصى؛ ولما افتضح أمر تلك المجموعة.. هرعت الشرطة الإسرائيلية إلى المكان، وألقت القبض على عضوين من رابطة الدفاع اليهودي المتطرفة التي يتزعمها الحاخام “مائير كاهانا” ثم أطلقت سراحهما، وسرعان ما برأت ساحتهما من التهمة التي وجهت إليهما.

ويوضح أمران اثنان القصد الإسرائيلي في ما يخص مدينة القدس: الأول هو إقرار الكنيست الإسرائيلي في 30/7/1980، أي بعد ثلاثة عشر عامًا من إجراءات الضم، ماسُمي “القانون الأساسي للقدس الموحدة” الذي نص على اعتبار “مدينة القدس بشطريها عاصمة موحدة لإسرائيل ومقرًا لرئاسة الدولة والحكومة والكنيست والمحكمة العليا”.

الثاني مشروع القدس الكبرى وهو المشروع الذي يستهدف كما هو واضح ليس فقط التهويد النهائي للمدينة، وتدمير طابعها الحضاري، وتحويل العرب في إطارها إلى أقلية هزيلة؛ ولكن أيضًا الاستمرار في احتلال الضفة الغربية، وخلق حقائق بشرية وجغرافية جديدة حول المدينة وفي قلب الضفة… يتبع.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock