أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أنه لا ينوي فرض اقتراحه بخصوص “تهجير الفلسطينيين”، من قطاع غزة إلى مصر والأردن، وأنه سيكتفي بالتوصية به – تساؤلات حول ما إذا كان هذا التحول، إنما هو مؤشر على إمكانية أن يلقى الاقتراح مصير خطة شبيهة، كان ترامب قد طرحها بنهاية ولايته الرئاسية الأولى، وعُرِفت حينذاك باسم “صفقة القرن”.
وكان ترامب قد كرر في تصريحات متتالية مقترحه حول تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، في الأسبوع الأخير من يناير الماضي (أيام 25، 27، 30، 31).
واللافت، أن موقف ترامب الجديد، أو بالأحرى تراجعه عن فرض خطته، جاء في ظل تحضيرات لعقد قمة عربية طارئة في 4 مارس 2025، وهي قمة دعت إليها مصر؛ لبحث تصور متكامل بشأن إعمار غزة دون تهجير سكانها.
فهل تلقى خطة ترامب في “تهجير الفلسطينيين”، من قطاع غزة إلى مصر والأردن، نفس مصير خطته السابقة “صفقة القرن”؟
فكرة التهجير
مع نهاية ولايته الرئاسية الأولى، كشف دونالد ترامب، عن “صفقة القرن” وهي خطة تسوية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تضمنت بنودا تهدف إلى إعادة تشكيل العلاقات السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية، لإدماج إسرائيل فيها. ومع أن الخطة لاقت رفضا واسعا من الفلسطينيين وعدد من الدول العربية، إلا أنها أثارت تساؤلات حول مستقبل القضية الفلسطينية، خاصةً في ظل دعم إدارة ترامب القوي لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية.
وفي ظل هذا الدعم المتكرر، تأتي فكرة “تهجير الفلسطينيين” من أراضيهم؛ وهي الفكرة التي تعود إلى جذور تاريخية عميقة، حيث ظهرت مرارا في خطط سياسية منذ النكبة عام 1948. تلك المحاولات لم تتوقف عبر العقود الماضية، سواء في شكل مباشر أو ضمني، من خلال الضغط المستمر على الفلسطينيين للهجرة نتيجة الظروف القاسية المفروضة عليهم. ولكن بالنسبة لخطة ترامب الجديدة التي ترتبط بتهجير الفلسطينيين من غزة، يمكن القول إنها تأتي في سياق مختلف.
إن ترامب في خطته تلك، حاول أن يلعب على وتر الظروف التي يمر بها الفلسطينييون في القطاع. قطاع غزة يعتبر من أكثر المناطق اكتظاظا في العالم، ويعاني من ظروف إنسانية واقتصادية خانقة بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر منذ سنوات طويلة. في هذا الإطار، ربما يُقدَّم “التهجير” بوصفه حلا للمأزق الذي يعانيه القطاع.
ردود الأفعال
كما كان الحال مع “صفقة القرن”، لم تلقَ فكرة “تهجير الفلسطينيين” ترحيبا من الدول العربية أو من الأطراف الفلسطينية. ففي حين أن “صفقة القرن” تضمنت تنازلات كبرى في حقوق الفلسطينيين، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتجاهل قضية اللاجئين، فإن خطة التهجير الجديدة قد تُعتبر أيضا محاولة للتخلص من مشكلة قطاع غزة عبر نقل عبئها إلى دول الجوار، مصر والأردن.
على الجانب الفلسطيني، جاءت ردود فعل الفلسطينيين حادة وحازمة ضد أي محاولة لفرض تهجير قسري، خاصةً أن مثل هذه الخطط تتعارض مع الحق الطبيعي في العودة والبقاء في أراضيهم. على غرار “صفقة القرن”، اعتبر الفلسطينيون هذه الخطة استمرارا للسياسات التي تتجاهل حقوقهم الوطنية والإنسانية.
أما مصر والأردن اللتان تحتلان موقعًا جغرافيًا حساسا بالنسبة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فهما لن تقبلا استضافة أعداد كبيرة من الفلسطينيين من قطاع غزة. مصر، على وجه الخصوص، ما تزال متمسكة بسيادتها على سيناء وترفض أي مشاريع قد تعيد تسكين الفلسطينيين فيها، كما هو الحال مع أي محاولات مشابهة في الأردن الذي يخشى من تغيير في التوازن الديمغرافي على أراضيه.
أما الحسابات الإسرائيلية فهي تلتقي عند اعتبار أن هذه الخطة تُمثل محاولة لرفع الضغط عن إسرائيل، من خلال تصدير المشكلة إلى دول الجوار. إسرائيل لطالما نظرت إلى قطاع غزة بوصفه عبئا، ولهذا قد تسعى عبر دعم خطط التهجير إلى تخفيف التوترات الأمنية والسياسية، التي تفرضها السيطرة على قطاع مليء بالاضطرابات. ومع ذلك، حتى في إسرائيل، قد يكون هناك تباين في المواقف حول هذه الخطة؛ فهناك من يرى أن تهجير الفلسطينيين من غزة لا يضمن تحقيق السلام المستدام للداخل الإسرائيلي، بل قد يزيد من التعقيدات الإقليمية والدولية في المستقبل.
مصير الخطة
على غرار “صفقة القرن”، من المرجح أن تلقى خطة ترامب الجديدة حول تهجير الفلسطينيين مصيرا مشابها. الرفض العربي، بالإضافة إلى رفض الفلسطينيين الحاسم، سيجعل من تنفيذ هذه الخطة أمرا صعب التحقيق.. بل، مستحيلا.
أضف إلى ذلك، أن افتقار هذه الخطة إلى دعم دولي، وتحديدا من جانب القوى الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، سوف يؤدي إلى إفشالها. وعلينا يجب أن نتذكر أن “صفقة القرن” واجهت معارضة شديدة من القوى الدولية ولم تُنفذ، رغم الدعم الإسرائيلي والأمريكي لها.
هذا، فضلا عن أن مصر والأردن لن تقبلا أن تكونا في وضع تتحملان فيه عبء التهجير الفلسطيني، خاصةً في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المعقدة التي تواجهها الدولتان. إن استقرار هذه الدول لا يحتمل مثل هذا التحول الديمغرافي الكبير.
في هذا الإطار.. يمكن القول إن خطة ترامب حول تهجير الفلسطينيين، في الوقت الذي أثارت تساؤلات حول مستقبل القضية الفلسطينية، خاصةً في ظل دعم إدارة ترامب القوي لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية.. إلا أنها -في الوقت نفسه- ليست إلا استكمالا لنهج سياسي أثبت فشله في التعامل مع القضية الفلسطينية. مثل “صفقة القرن”، تواجه هذه الخطة رفضا فلسطينيا وعربيا ودوليا، وسيكون من الصعب على إدارة ترامب أو أي جهة أخرى، فرض مثل هذه الحلول القسرية على الشعوب.
الموقف الفلسطيني الرافض للتهجير والتمسك بحق العودة، بالإضافة إلى الرفض المصري والأردني في استيعاب لاجئين جدد، سيجعل من هذه الخطة مجرد حلم سياسي يصطدم بالواقع. ومثلما انهارت “صفقة القرن”، فإن أي محاولة جديدة لتهجير الفلسطينيين ستلقى نفس المصير في ظل غياب الحلول العادلة والشاملة التي تراعي حقوق الفلسطينيين وكرامتهم.