دار الكتب

«الزوايا الخفية» في حياة شكسبير.. حيل الإفلات من صراع السلطة (2 – 2)

يأخذ كتاب Tyrant: Shakespeare on Politics (المستبد: شكسبير والسياسة) في بدايته شكل المقالة الصحفية التي تستلهم دروسا من شكسبير، عشية انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2016، لكنه يترك الفرصة بعد ذلك للقارئ ليتسلهم بنفسه دروسه وعبره.

 دونالد ترامب

في مقالة بعنوانTyrant: Shakespeare on power by Stephen Greenblatt, review: What Shakespeare’s Plays can tell us about Trump (مراجعة كتاب “المستبد: شكسبير والسياسة” للكاتب ستيفن جرينبلات، ماذا يمكن أن تخبرنا مسرحيات شكسبير عن ترامب) يطرح الكاتب بصحيفة Independent البريطانية، ألاسدير لييز، سؤالا مهما حول علاقة ما كتبه شكسبير عن الاستبداد السياسي قبل مئات الأعوام بالوضع السياسي الراهن في الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل حكم الرئيس دونالد ترامب.

ألاسدير لييز

يبرِز هذا السؤال بعدا محوريا في كتاب ستيفن جرينبلات عن المنظور الشكسبيري للاستبداد. فجرينبلاد هو أحد خبراء جامعة هارفارد في الدراسات الشكسبيرية، وهو أيضا أحد مؤسسي تيار “التاريخانية الجديدة”، الذي يؤمن بدائرية التاريخ وتكرار حوادثه برغم اختلاف الشخوص والأسماء.

ربما لم يذكر جرينبلاد اسم الرئيس ترامب مطلقا في كتابه، لكن الكتاب بوجه عام لا يخلو من بعض المقارنات التي تنطوي على مفارقات تاريخية (على سبيل المثال، يقارن جرينبلات بين حادثة قطع رأس الملكة ماري، ملكة الاسكتلنديين، ومقتل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة).

كان شكسبير مضطرا طوال الوقت إلى أن يتحدث عن الاستبداد من وراء ستار رمزي مخافة التعرض لبطش السلطة الذي قد يصل إلى قطع رأسه بتهمة الخيانة؛ فقد كانت إنجلترا الملكة إليزابيث مسكونة بشبح الإرهاب الروماني الكاثوليكي حد الهوس، وهو ما جعلها تحجب الأفق أمام أي صوت سياسي أو ديني مخالف. رغم ذلك، جاءت استراتيجيات جرينبلات في سبر أغوار هذه الرمزية وتفكيكها صريحة ومباشرة وعميقة في آن.

خرج كتاب “المستبد: شكسبير والسياسة” من رحم مقالة كتبها ستيفن جرينبلات في صحيفة New York Times قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2016. وفي أعقاب الانتخابات، أكد جرينبلات أنه صارت لديه دوافع كثيرة للاستفاضة في تناول هذه الفكرة وتحويلها إلى كتاب، بعد أن أكدت نتائج الانتخابات “أسوأ مخاوفه”.

تقدم نماذج الاستبداد التي يركز عليها الكتاب (ريتشارد الثالث، والملك لير، وماكبث، وكوريولانوس، وغيرهم) – من وجهة نظر كاتب صحيفة “الإندبندنت”، ألاسدير ليز – قائمة مكتملة بالسمات التي تنطوي عليها شخصية الرئيس ترامب، مثل النرجسية والاندفاع والفظاظة وعدم الكفاءة، كما أن جميعهم “يبيعون الأكاذيب، ويتحالفون – مثل كوريولانوس – مع قوى خارجية”.

رغم ذلك، وبينما يبدو هذا القياس جذابا، إلا أنه لا يزال أقل جاذبية من الأفكار، وربما الوساوس – على الأقل من وجهة نظر ليز – الأخرى التي هيمنت على عقل جرينبلات، واستغرقته بطول الكتاب وعرضه. من بين هذه الأفكار دور الجماهير في صعود المستبد، و”الممكنون” الانتهازيون والمخادعون الملازمون لبلاط صاحب السلطة، وحالة السخط التي تلازم المستبد فور خروجه من السلطة.

ففي عبارة يمكن تطبيقها بالقدر ذاته على التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي (Brexit) يؤكد جرينبلات على تواطؤ الجماهير الذين “يجدون سعادة غامرة في التنفيس عن عدائهم المكبوت، وفي السخرية السوداء من كل ما يدور حولهم، وفي الحديث الفج عما يتعين عدم الخوض فيه”. فالجماهير – لفترة من الزمن – تشارك المستبد “إزدراءه الطروب” للمصلحة العامة؛ “شيء ما في دواخلنا يستمتع بكل لحظة من صعوده المريع إلى السلطة”، يؤكد جرينبلات في الفصل الخامس، الذي يحمل عنوان Enablers (الممكنون).

وفي الفصل الثالث الذي يحمل عنوان Fraudulent Populism (الشعبوية الخادعة) – يحوم شبح ستيف بانون – المستشار السابق للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب – حول جميع تأملات وتحليلات جرينبلات لشخصية الديماجوجي الشعبوي، جاك كيد، في مسرحية Henry VI (هنري السادس)، الذي يقود عمليات التحريض على الفوضى من أجل إسقاط النخبة السياسية.

ففي الجزء الثاني من المسرحية، يعلن أحد أعوان كيد في إحدى خطبه: “إن أول ما يجب علينا القيام به هو قتل جميع المحامين”. كما ينظر كيد إلى نفسه باعتباره “’المكنسة‘ التي يجب أن تنظف البلاط الملكي مما علق به من أدران”، وهو ما يستدعي في ذهن ليز رؤية بانون اليمينية البديلة حول تدمير المؤسسات.

ستيف بانون

رغم ذلك – كما يؤكد جرينبلات – كان شكسبير أحد الأثرياء المنتمين إلى الطبقة الحاكمة، وكان محافظا ذا ميول ديمقراطية، لكنه لم يكن لديه أي نزوع إلى الفوضى، بل كان يعبر دائما عن إيمانه الراسخ بأن المواطن فوق الثورة. إنه الإيمان الذي يتناغم مع إدعاءات بعض المحللين البارزين لسياسات ترامب، وعلى رأسهم المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي، الذي أكد أن “الطريقة المثلى لإسقاط ترامب يجب أن تمر عبر بوابة إرادة الشعب، وليس عبر صدمة توجيه الاتهامات”.

جيمس كومي

ويختم ليز بالتأكيد على أن كتاب “المستبد”، يعرض لأهمية المنظور الشكسبيري بقدر ما يقدم تحيليلا لرذائل سياسات ترامب. “لقد ظل صوت شكسبير يدوي عبر الأزمان، وكسائر الأمور الإنسانية يحسن بنا أن نسمعه الآن”.

النص الأصلي لمقالة ألاسدير ليز

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock