رؤى

الأقليات الدينية في الهند تواجه شبح الإبادة

عرض وترجمة: أحمد بركات

في عيد الميلاد، عندما احتشد المحتفلون في شارع “بارك ستريت” الأنيق في مدينة “كولكاتا” وعقدت كاتدرائية القديس “بول” قداس منتصف الليل، منعت حكومة رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” منظمة “الإرساليات الخيرية” التي أسستها الأم “تريزا” من تلقي تمويلات أجنبية.

يأتي هذا الإجراء ضمن استراتيجية مستمرة تتبناها الحكومة لاستخدام “قانون تنظيم المساهمات الأجنبية” لتقويض التمويل الخارجي للمنظمات غير الحكومية، التي تصفها بأنَّها منظمات “خطيرة”.. وفي حالة “الإرساليات الخيرية” بررت وزارة الداخلية الهندية هذا الإجراء باتهام المنظمة بممارسة التبشير.

وقع قرار تقييد التمويلات الحاصة بمنظمة “الإرساليات الخيرية” كالصاعقة على المسيحيين الذين تعرَّضوا لهجومٍ ضارٍ على شخوصهم ودور عبادتهم في جميع أرجاء البلاد، ما شكَّل جزءا من موجة تعصبٍ وعنفٍ مفاجئةٍ ضد الأقليات الدينية.

ففي “أجرا” موطن تاج محل، أحرق أعضاء “بارجرانج دال” وهي مجموعة تابعة لحزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم تماثيل سانتا كلوز، بدعوى أنَّ التبشيريين استخدموا عطلة عيد الميلاد لتحويل أفراد من ديانات أخرى إلى المسيحية.

وفي ولاية “آسام” التي تضم أقلية مسيحية ضخمة، اقتحم هندوس متعصبون الكنيسة المشيخية، وأوقفوا الصلوات. وفي ولاية “هاريانا” قامت جماعات هندوسية بتدمير تمثال يسوع المسيح.

حريق تماثيل سانتا كلوز في الهند
حريق تماثيل سانتا كلوز في الهند

ليس من شك في أنَّ جزءا من مسئولية هذا المناخ العدواني المتفاقم يقع على عاتق “مودي” وحزب “بهاراتيا” الهندوسي القومي، فيما يقع جزء آخر على عاتق السياسيين وممثلي الشعب.

ففي عيد الميلاد، دعا النائب “تيجاسفي سوريا” عن حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم إلى تدشين حركة أطلق عليها “جهار وابسي” والتي تعني حرفيا “العودة إلى الوطن” للضغط على المسيحيين والمسلمين للتحول عن دينهم.

وتحت وطأة الانتقادات الحادة، اضطر “سوريا” لاحقا إلى سحب بيانه “بهدوء” إلا أنَّ موقفه لم يكن مجرد حادث عابر، ولم يأت بمعزل عن مناخ متشدد، حيث ظلت هذه الفكرة لفترة طويلة موضع قبول “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” الجناح المسلح في حزب “بهاراتيا جاناتا”.

كما أنَّ خطاب الكراهية بلغ ذروته حتى قبل أن يعرب “سوريا” عن مشاعره؛ ففي 17 و18 ديسمبر، تجمَّع رهبان ونشطاء هندوس في بلدة “هاريدوار” وهي موقع للحج عند الهندوس، فيما أطلقوا عليه “اجتماع الكراهية” حيث دعا “ياتي نارسينغاناند” –أحد المتحدثين البارزين، والمثيرين للجدل في آن– بجلاء لشن هجمات ضد الأقليات الدينية وأماكن عبادتها.

وقال “نارسينغاناند” إنَّ “السيوف لا تلمع إلا في ساحات القتال” مضيفا أنَّ “هذه المعركة سينتصر فيها من يحملون السلاح الأفضل”. والأسوأ من ذلك، أنَّ أحد منظمي تلك الفعالية، قد وجَّه الدعوة إلى الجيش والسياسيين والهندوس الهنود؛ لاستنساخ الحملة التي تستهدف مسلمي “الروهينجا” في “ميانمار” ومن ثم تدشين حملة إبادة جماعية هندية.

الاعتداء على الكنائس في الهند
الاعتداء على الكنائس في الهند

وشهد عام 2021 زيادة لافتة في معدلات خطابات الكراهية والاعتداء البدني ضد الأقليات وأماكن العبادة الخاصَّة بهم. فعلى مدى الشهور التسعة الأولى من العام، كان هناك (300) حادثة عنف، على أقل تقدير، موجَّهة ضد الأقليات الدينية في جميع أنحاء البلاد.

ولكنَّ العقوبات لم تطل سوى عددٍ قليلٍ جدا من مرتكبي هذه الجرائم.. ورغم أنَّ السلطات قامت برفع قضية استخدام خطاب كراهية ضد أحد المتحدثين في اجتماع “هاريدوار” ولم تكشف عن أسماء الباقين، إلا أنَّها لم تنفذ أي عمليات اعتقال حتى الآن.

في هذه الأثناء.. تابعت حكومات الولايات استخدام القوانين التي تبرِّر هذا التعصب؛ ففي 23 ديسمبر أقرَّ مجلس نواب ولاية “كارناتاكا” مشروع قانون حماية حق حرية المعتقد، والذي تمَّت صياغته لمنع التحول من الهندوسية إلى أي دين آخر. ويمكن أن يؤدي انتهاك هذا القانون إلى دفع غرامات طائلة، أو حتى الحبس.

وبرغم أنَّ هذا القانون لا يشير بأي حال من الأحوال إلى المسيحية أو الإسلام، على وجه التحديد، إلا أنَّه يُضمن ذلك بوضوح عن طريق جعل التحول الديني أمرا مكلفا للغاية. وحتى لو رفض مجلس الشيوخ مشروع القانون، حيث يمثل حزب “بهاراتيا جاناتا” أقلية، فإنَّ مجلس النواب بإمكانه تمريره بأغلبية بسيطة.

ولم تُدِنْ الحكومة الوطنية في الهند خطاب الكراهية أو مهاجمة الأقليات الدينية. كما لم يُعلِّق “مودي” أو وزير داخليته “أميت شاه” المسئول عن تطبيق القانون وحفظ النظام في البلاد، على هذه التطورات المزعجة التي شهدتها البلاد مؤخرا.

لكنَّ “مودي” غرد على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” عشية عيد الميلاد،  ليتمنَّى للمواطنين “عيد ميلاد سعيدا” مضيفا: “نحن نتذكر التعاليم النبيلة للسيد المسيح” فيما يشبه المفارقة السوداء.

وبرغم المناشدات التي وجهها القادة الدينيون ونشطاء المجتمع المدني، وقف “مودي” و”شاه” من دون أن يحركوا ساكنا؛ فيما تشهد البلاد ارتفاعا مطردا في المضايقات والعنف القائمين على خلفية ودوافع دينية.

وفي خضم الفشل الذريع للأحزاب السياسية الهندية للحشد ضد أزمة الأقليات، برز أحد الأصوات القليلة المعنية بهذا الشأن. ففي أعقاب اجتماع “هاريدوار” كتب 76 محاميا بارزا إلى وزير العدل الهندي “إن. في. رامانا” لحث المحكمة العليا على اتخاذ الإجراء القانوني اللازم ضد خطاب الكراهية. ويبقى ما إذا كانت المحكمة ستأخذ بهذا الاجراء –بناء على هذا الالتماس– سؤالا مفتوحا.

ومع بزوغ فجر عام جديد، يبقى مصير التعددية الدينية في الهند على المحك. فقد يكون “مودي” بسبب تعصّبه، في طريقه لتحقيق نبوءة “محمد علي جناح” مؤسس باكستان، الذي أكَّد بقوة أنَّ الهندوس والمسلمين يشكِّلون دولتين متمايزتين، ما يحول دون تعايشهما. كما سخرت حكومته –  –آنذاك– من فكرة الهند التي تتسع لجميع الأديان.

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock