اختارت الحملة الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة التي بدأت من 25 نوفمبر الجاري وتستمر حتى 10 ديسمبر المقبل، أن تركز هذا العام على ما تتعرض له المرأة من عنف في أماكن العمل، تواكبا مع سعي منظمة العمل الدولية على إصدار اتفاقية لمناهضة العنف والتحرش في أماكن العمل خلال العام 2019، تركز على تقنين إجراءات مواجهة العنف بجميع أشكاله من بدنى ونفسي واقتصادي وجنسي في القطاعين المنظم وغير المنظم.
مشروع الاتفاقية لا يقتصر على تناول العنف داخل بيئة العمل فحسب، بل يمتد إلى أثر العنف في الأسرة على اداء النساء داخل العمل، وأيضا العنف الذي تتعرض له النساء في طريق الذهاب والعودة من العمل، ويتضمن مشروع الاتفاقية عددا من التدابير لمواجهة العنف من شانها فرض مسئوليات على جميع الجهات المعنية.
وتجدر الإشارة هنا إلى مسح التكلفة الإقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي، الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء وصندوق الأمم المتحدة للسكان والمجلس القومي للمرأة، والذى رصد تعرض ما يقارب نحو 140 ألف امرأة في مصر للعنف جسديا ونفسيا وجنسيا في أماكن العمل من العينة التي اشتملها المسح في القطاع المنظم وغير المنظم.
تمييز صارخ
وبينما تناضل المرأة المصرية لكسر طوق هذه المعاناة، تلاحقها مختلف صور التمييز على أساس الجنس، كإعلانات “للذكور فقط” أو “سكرتيرة حسنة المظهر”، فضلا عن التضييق على تعيين النساء في وظائف معينة كما هو الحال في قطاع التشييد والبناء والصناعات الهندسية أو القضاء. ولا تزال أكثر مجالات عمل النساء منحصرة في تلك المرتبطة بأدوار الرعاية التى تقوم بها داخل المنزل، فيما يتركز عملها خارج المنزل في قطاعات التعليم والتمريض والجهاز الإدارى للدولة.
ومن المفارقة أنه في قطاعات مثل صناعة الأدوية والمواد الغذائية والغزل والنسيج تعمل النساء كعاملات على خطوط الإنتاج والوظائف الإدارية، بينما يحظى الذكور بالمناصب الإشرافية وتخصصات الهندسة، بزعم أن تللك الوظائف تتطلب سمات شخصية معينة وقدرات بدنية لا تتوفر في النساء. كما ترفض جهات عمل عديدة تشغيل النساء في أعمال ميدانية بزعم أنها لا تتحمل أعباء مثل هذه الأعمال، ما يعكس تقسيم غير عادل للعمل على أساس النوع يحط من شأن النساء وقدرتهن تحت مبررات واهية لتهرب جهات العمل من مسؤولياتها الأساسية في توفير بيئة عمل تلتزم قواعد التوظيف وفقا لتكافؤ الفرص.
وهي نفس النظرة التى تجعل جهات العمل ترفض تشغيل النساء لعدم التزامها بما نص عليه القانون من توفير دور الحضانة وساعة للرضاعة وإجازات الوضع ورعاية الطفل، ولا يقتصر الأمر هنا على القطاع الخاص، بل أن أغلب الجهات الحكومية لا تلتزم بتوفير دور الحضانة للعاملات تهربا من التزاماتها تجاه المرأة العاملة.
وفي حين اعترف الكثير من دول العالم بحق عمال وعاملات المنازل كمهنة تم تقنيننها وتوفير الحماية القانونية لها وفقا لاتفاقيات منظمة العمل الدولية، لا يزال القانون المصري لا يعترف بها كمهنة، كما لا يعترف بالعاملات في الزراعة مثل جني المحاصيل وتسوية الأراضي الزراعية، حيث لا ينطبق عليهن أحكام تشغيل النساء لكونهن عمالة موسمية لا تربطها علاقة تعاقدية منتظمة مع جهة العمل.
كما تتسع الفجوة في الأجور لصالح الرجال، وتشير ارقام الجهاز المركزي للتعبية العامة والاحصاء لعام 2015 إلى ارتفاع نسبة الرجال الذين يعملون بأجر نقدى إلى 59,2% مقابل 39.2% للنساء، فيما بلغت نسبة من يعملون لدى الأسرة بدون أجر 30,4% للنساء مقابل 5,1% للرجال، وترتفع هذه النسبة في الريف لتصل 46,6% للنساء مقابل 7% للرجال، بينما الفجوة النوعية في القطاع الخاص لصالح الذكور فيزيد دخلهم عن الإناث بنسبة 17.7%.
وتتمثل خطورة التمييز في آثاره المباشرة التي تحرم النساء من حقوق اساسية وأصيلة، فضلا عن تكريس صورة سائدة عن أن النساء غير قادرات على قيادة العمل أو إدارة شئون الأسرة، لتحصر دورها في الرعاية داخل الأسرة، باعتبار وجودها في المجال العام استثناء، بما فى ذلك أماكن العمل.
حلول عاجلة
في ضوء ما سبق تبدو الحاجة ملحة لوقفة جادة لإعادة تقسيم الأدوار بين الرجال والنساء في المجال الخاص والعام وما يستتبعه من تغيير في الصورة الذهنية عن القدرات والصفات الشخصية للنساء والرجال، مع تقنين حق النساء في العمل دون تمييز، وإقرار حقهن في تولي المناصب القيادية وشغل جميع مجالات العمل ومنها القضاء.
ويتطلب ذلك تفعيل وحدات تكافؤ الفرص داخل الوزارات المختلفة وتأهيل القائمين عليها ومنحها صلاحيات محددة لدعم حقوق النساء القانونية، مع إنشاء وحدات مماثلة في القطاع الخاص وانتهاج سياسات واضحة ومعلنة للحماية من العنف والتمييز ومراجعة التشريعات ونظم العمل بما يكفل القضاء على العنف والتمييز ضد النساء.
وتجدر الإشارة هنا إلى اضطرار بعض النساء مؤخرا للعمل في مهن غير تقليدية تحت ضغط العوز والاحتياج للعمل أو بدافع إثبات قدرة المرأة على خوض العمل في كافة المجالات، كما رأينا في نماذج نساء يعملن سائقات تاكسي أو عربات نقل أو في مصانع الطوب والمحاجر وغيرها من المهن التى كانت تصنف باعتبارها “مهن للرجال فقط ” كاسرة بذلك حجج القوة البدنية.