مختارات

الجولان ومأزق إسرائيل في سوريا

قبل شهرين فقط، وبالتحديد عندما فرضت أحداث إدلب السورية نفسها بقوة عقب إعلان الجيش السوري مدعوماً بالحلفاء الروسي والإيرانيين تصفية ما أسماه “آخر بؤر الإرهاب” في سوريا عسكرياً، وما أثاره هذا الإعلان من ردود فعل أمريكية وأوروبية ساخنة هددت بالتدخل العسكري ضد الجيش السوري وحلفائه إذا هو استخدم الأسلحة الكيماوية، كانت “إسرائيل” تراقب تلك الأحداث وتدقق في مناطق الخطر على الأمن “الإسرائيلي”، وكان تركيزها على مصدرين للتهديد من داخل سوريا يرتبطان ببعضهما البعض.

 وكما أفاد “عاموس يادلين” رئيس الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية” الأسبق في مقال نشره وقتها في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فإن هذان المصدران هما أولاً معركة إدلب المرتقبة (في ذلك الحين)، وثانياً الخطر الكامن في الجنوب السوري وبالتحديد في جبهة الجولان على الأمن “الإسرائيلي” جراء الطموح الإيراني لتثبيت وجود في هذه المنطقة مدعوماً بالميليشيات الحليفة وعلى الأخص “حزب الله”.

وسط هذا الانشغال “الإسرائيلي” بهذين المصدرين للتهديد تراجعت أوزان الأخطار المحتملة من الجبهة الجنوبية التي باتت محصورة الآن في قطاع غزة، نتيجة ما اعتبرته مشاريع احتواء لتلك الأخطار سواء عبر ما هو مطروح من مشروعات للتهدئة “الإسرائيلية” مع حركة “حماس” أو من مشروعات المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحركة “حماس”، لكن قادة الكيان صدموا بما جرى من أحداث شهدها قطاع غزة مؤخراً (مواجهات الأربعين ساعة مع المقاومة الفلسطينية في القطاع 11/11- 13/11/2018) التي أحدثت صدمة هائلة على القيادات السياسية والعسكرية أفقدت هاتين القيادتين القدرة على تنفيذ ما طالب به غلاة المتشددين في الحكومة خاصة وزير الحرب أفيجدور ليبرمان زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” ووزير التعليم نفتالي بينيت زعيم حزب “البيت اليهودي” باجتياح قطاع غزة وقطع رأسه لاسترداد “القدرة الإسرائيلية على الردع” التي كسرتها المقاومة الفلسطينية.

وإذا كانت الحكومة “الإسرائيلية” المصغرة “الكابينيت” قد اضطرت إلى قبول خيار التهدئة وضحت بوزير الحرب ليبرمان في محاولة منها لتجاوز الأزمة الساخنة في غزة إما لعجز عسكري عن تنفيذ مهام الاجتياح وإما خشية الثمن السياسي والمعنوي الذي يمكن أن تدفعه لهذا الاجتياح، فإنها تبدو عاجزة أيضاً عن تأمين جبهة الجولان بعد تداعي التوافق الروسي- “الإسرائيلي” في سوريا ضمن أزمة سقوط الطائرة “إيليوشن – 20” الروسية التي حمَّلت موسكو تل أبيب مسؤولية سقوطها.

من هنا يجئ تجديد الاهتمام “الإسرائيلي” بالجولان، لتحييده كمصدر للخطر على الأمن “الإسرائيلي” من خلال الإسراف في توظيف الموقف الأمريكي الجديد الخاص بالجولان، الذي صوتت فيه الولايات المتحدة للمرة الأولى ضد مشروع القرار السنوي الذي يصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يرفض ويستنكر احتلال “إسرائيل” للجولان وفرض سيطرتها عليها منذ احتلالها عام 1967 وإعلان ضمها بقرار من حكومة مناحم بيجين اليمينية عام 1981 .

كانت العادة قد جرت أن تصوت الولايات المتحدة مع كل دول العالم إما بالتأييد أو الامتناع عن التصويت، لكنها هذه المرة صوتت مع “إسرائيل” ضد مشروع القرار الذي أيدته 151 دولة في حين امتنعت 14 دولة عن التصويت. المبررات التي قدمتها نيكي هايلي رئيسة الوفد الأمريكي بالأمم المتحدة لهذا التصويت حفزت الحكومة “الإسرائيلية” لوضع خطة تحرك جديدة بخصوص الجولان على النحو الذي عبِّر عنه جلعاد أردان وزير الأمن العام بقوله أن “التحرك الآن” مهم للغاية، مضيفاً أن “ما من عاقل يرى أنه يجب إعطاؤها (الجولان) للأسد وإيران”. وكانت نيكي هايلي قد وصفت ذلك القرار الذي يدين الاحتلال “الإسرائيلي” للجولان ويرفض شرعيته بأنه “قرار متحيز بوضوح ضد إسرائيل، كما أن الفظائع التي لا يزال يرتكبها النظام السوري تثبت أنه ليس أهلاً لحكم أحد”.

التحرك “الإسرائيلي” كما عبر عنه أكثر من مسؤول “إسرائيلي” يأتي في اتجاهين:

الاتجاه الأول: الحصول على اعتراف دولي بضم “إسرائيل” لهضبة الجولان على نحو ما أكد بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة. وهنا يتحدث “الإسرائيليون” لتمرير هذا الطلب، بضرورة فرض الاعتبارات التي أقنعت الإدارة الأمريكية بخصوص القدس (ضمها وجعلها عاصمة للكيان) لجعلها سارية على الجولان، إضافة إلى اعتبارات أخرى يسوِّقها “الإسرائيليون” هي في الأصل مزاعم وأكاذيب ليست لها أية علاقة من قريب أو من بعيد بالقانون الدولي.

الاتجاه الثاني: منع أي وجود للجيش السوري في جبهة الجنوب لمنع أي اختراق من إيران أو من “حزب الله” لهذه الجبهة، ما يعني فرض السيطرة والسيادة الأمنية “الإسرائيلية” المباشرة على ما بقى من الجولان تحت السيادة السورية.

هذا الاتجاه يعني رفض المطلب “الإسرائيلي” التقليدي الذي أعلنته حكومة نتنياهو وطالبت روسيا الالتزام به عقب نجاح الجيش السوري في فرض سيطرته على الجبهة الجنوبية وتطهيرها من المنظمات الإرهابية، وهو أن تلتزم روسيا وسوريا باتفاق فصل القوات بين “إسرائيل” وسوريا الموقع عام 1974، لأن هذا الاتفاق، وفقاً لرأي أصحاب هذه الدعوة، سيسمح بعودة الجيش السوري إلى خطوط التماس مجدداً، ما يعني أن القوات الإيرانية وقوات “حزب الله” يمكن أن تتواجد على الحدود مع “إسرائيل” مرتدية زي القوات السورية، وهذا خطر لا يجب السماح به كما يقول عاموس غلبوع في صحيفة “معاريف” “إذا كنا نأتي لنقول علناً أن كل ما نريده هو أن يحترم السوريون اتفاق الفصل فإننا نكون عملياً نسمح للإيرانيين بالمرابطة على جدارنا في هضبة الجولان. أليس واضحاً لكل طفل بأن السوريين سيقسمون بأنه لا يوجد في جيشهم أي مقاتل شيعي من الميليشيات الإيرانية وسيشيرون إلى أن الجميع يلبسون بزات الجيش السوري!!”. الحل عندهم هو: ألا يدخل الجيش السوري إلى هضبة الجولان، عبر تفاهم روسي- أمريكي من أجل المصلحة الأمنية “الإسرائيلية”.

والسؤال المهم بهذا الخصوص هو إذا كان هذا هو المخطط “الإسرائيلي” فما هو موقف سوريا وروسيا؟ وهل يمكن أن يتجدد التوافق الروسي- “الإسرائيلي” ويمكِّن “إسرائيل” من تمديد سيطرتها على الجنوب السوري وما تبقى من الجولان ثمناً لتمرير المشروع الروسي في سوريا؟ ثم ما هو موقف إيران و”حزب الله”؟ أسئلة تؤكد مدى التعقيدات التي تواجه “إسرائيل” في المستقبل الجديد لسوريا.

نقلا عن “الخليج” الإماراتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock