رؤى

تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان (1 – 2).. كيف يتمدد داعش على حساب طالبان؟

أنطونيو جيوستوزي- جامعة كينجز كوليدج

ترجمة وعرض أحمد بركات

بحلول مارس 2019، كان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) قد تم القضاء عليه بصورة شبه نهائية، ولم يبق منه سوى عدة آلاف من العناصر المسلحة في شرق سوريا. لكن بالنظر إلى مدى انتشار التنظيم، فإن زواله سيُخلف عواقب تتجاوز بكثير حدود منطقة الشرق الأوسط.

في هذا السياق، يمثل كتاب أنطونيو جيوستوزي The Islamic State in Khorasan: Afghanistan, Pakistan and the New Central Asian Jihad (الدولة الإسلامية في خراسان: أفغانستان وباكستان والجهاد الجديد في آسيا الوسطى) (2018) إسهاماً مهماً جاء في وقته لمعرفة كيف يمكن أن تؤدي هزيمة التنظيم إلى تعميق حالة عدم الاستقرار في أفغانستان وأجزاء من باكستان، وهي المناطق التي تمدد فيها التنظيم منذ عام 2015.

اقرأ أيضا:

من وحش مرعب إلى جماعة متمردة: سقطت داعش ولم تُهزم

مع إعلان قيام دولة الخلافة في عام 2014، كان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي في شرق سوريا وغرب العراق، ويبسط سلطانه على ما يقرب من 8 ملايين نسمة من سكان المنطقة، ويسعى للتمدد في مزيد من الأقاليم. ومع توافد آلاف المقاتلين الأجانب للانضمام لصفوف التنظيم، كان داعش  يتحول إلى شبكة جهادية عالمية. وفي يناير 2015، أعلن التنظيم في العراق والشام تأسيس «تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان»، وهو الاسم التاريخي لمنطقة آسيا الوسطى، الذي استخدمه التنظيم للإشارة إلى الإقليم الذي يشمل كلا من أفغانستان وباكستان، وجميع جمهوريات آسيا الوسطى في حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي، والهند وروسيا.

تمدد داعش في أفغانستان وباكستان

واستنادا لنحو 121 لقاء حواريا تم إجراؤها مع مسلحين تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان ،وجهاديين آخرين وعدد من العناصر الفاعلة في أفغانستان، يقدم كتاب «الدولة الإسلامية في خراسان»، الصادر عن مطابع هيرست في لندن، صورة مفصلة للموقف السياسي بالغ التعقيد في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان، ويمثل عملا غير مسبوق في دراسة «تجربة تصدير الاضطرابات».

لقد عمل جيوستوزي، الأستاذ الزائر بكلية كينجز كوليدج في لندن والخبير في الحركات الإسلامية، ومعاوناه من أفغانستان وباكستان (اللذان لم يذكر اسميهما) في بيئة غير آمنة، وهو ما جعل من جمع البيانات عملية بالغة الخطورة، لكنها تمخضت في النهاية عن رؤية عميقة للحقائق الموجودة على الأرض. وللتحقق من مصداقية البيانات التي تم جمعها، وتجنب الاعتماد على سجلات وهمية مضخمة – كما أفاد المسلحون – قام الباحثون بإحالة كثير من هذه البيانات إلى مصادر أخرى عديدة، ليقارنوا بينها وبين تلك التي حصلوا عليها من  الفصائل المتصارعة؛ وهو ما أدى في النهاية إلى تقديم صورة دقيقة ومفصلة لصراع القوى المعقد في هذه البقعة الساخنة من العالم، حيث «تتشابك خيوط صراعات طائفية وإقليمية وقبلية».

يعمد جيوستوزي، – الذي سبق له تأليف، أو تحرير، عشرة كتب حول قضايا الصراعات التي تنشأ عن وجود تيارات إسلامية راديكالية – من خلال هذا الكتاب إلى سبر أغوار طبيعة «تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان» وأهدافه واستراتيجياته وتطوره في بيئة آهلة فعليا بالعديد من التنظيمات الجهادية، خاصة بعد أن نفت تقارير استخباراتية وأمنية أي وجود لهذا التنظيم في عام 2014، واعتبرت الإعلان عنه من قبل «التنظيم المركزي» في العراق والشام – كما يسميه جيوستوزي في هذا الكتاب – مجرد عمل دعائي، إلى أن أثبت التنظيم في عام 2015 حضوره القوي في أفغانستان وباكستان، – على أقل تقدير-.

أكثر من مجرد حركة محلية

يشتبك الكتاب عبر تسعة فصول، بخلاف مقدمة وأربعة ملاحق، مع الكثير من القضايا الجدلية المتعلقة بالتنظيم، مثل مصادر تمويله وعلاقته بالحكومات المحلية وتفاعلاته مع الجماعات والحركات الفاعلة الأخرى. ويؤكد جيوستوزي أن القيادة المركزية في العراق والشام قامت باستثمار موارد مالية ضخمة لإنشاء هذا الفرع في خراسان، مما يجعله «أكثر من مجرد حركة محلية تحمل اسم «تنظيم الدولة» لتحقيق أهداف خاصة بها»، كما أفادت بعض التقارير. ويخلص جيوستوزي إلى أنه «بالرغم من النضال الذي خاضته القيادة المركزية من أجل تنفيذ مشروعها، إلا أنها تمر حاليا بفترة تحول استراتيجي صوب مقاربة أكثر واقعية».

يعرض الفصل الأول من الكتاب لكيفية تأسيس «الدولة الإسلامية في خراسان» في بيئة تعاني من حالة معقدة من التشرذم والانقسامات. ومع اندلاع الحرب الأهلية في سوريا في عام 2011 شرعت حركتا «طالبان الأفغانية والباكستانية» و«تنظيم القاعدة» في القيام بعمليات حشد موسعة. وكوسيلة لإظهار دعمهم للجهاد العالمي، قاموا جميعا بإرسال ما لا يقل عن 500 مقاتل إلى سوريا في عام 2012. ويؤكد جيوستوزي في هذا الصدد أن عمليات تجنيد وحشد مسلحين من أفغانستان لم تواجه أي صعوبات، وذلك بفضل انتشار شائعات في ذلك الوقت عن قيام طالبان الأفغانية والباكستانية بتوقيع اتفاق سلام مع حكومتيهما. ولا تزال هذه القضية تشكل خط صدع جوهري في العلاقة بين الدولة الإسلامية وطالبان، حيث تتهم الأولى الثانية بأنه تم استغلالها من قبل العدو.

في الفصول الثلاثة التالية، يقدم جيوستوزي صورة مفصلة لهيكلة «تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان»، وأهدافه واستراتيجياته. فبرغم ما اتسمت به الفترة الأولى من وجود هذا التنظيم من تعاون وثيق مع جهاديين محليين، إلا أن الهدف النهائي للتنظيم كان يتمثل في واقع الأمر في إلغاء الوجود الطالباني واحتكار القوة.

داعش يتفوق على طالبان

في هذا السياق، ترصد هذه الفصول الأحداث شهرا بشهر، كما ترصد الوضع في جميع المناطق داخل افغانستان وفي أجزاء من باكستان. حيث يقارن المؤلف بين تنظيم الدولة في خراسان من جانب وطالبان من جانب آخر، من حيث البنية التنظيمية والدوافع الأيديولوجية والطائفية، بينما يسلط الفصل الخامس الضوء على دوافع دعم تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان. ويؤكد جيوستوزي أنه برغم أن خطاب معاداة إيران والشيعة الذي تبناه تنظيم الدولة في خراسان لم يجد صدى واسعا لدى السكان المحليين الذين كان أغلبهم ينتمون إلى طالبان في السابق، إلا أنه «لم يكن مهما حقا بالنسبة إليهم اسم التنظيم الذي ينتمون إليه، إذ كانوا يريدون – على نحو غامض – أن يقاتلوا من أجل ما يمكنهم أن يؤمنوا به على أنه ’قضية عادلة‘».

وبوجه عام، كان تنظيم «داعش» في خراسان أكثر جاذبية بالنسبة للسكان المحليين بفضل هيكلته التنظيمية الأكثر كفاءة وانضباطه العسكري الأكثر إحكاما، حيث لعبت الولاءات القبلية دورا أقل في هذه المرحلة مما كانت عليه في العهد الطالباني، وجاء التعيين في المناصب على أساس الكفاءة والاستحقاق وليس على أساس العلاقات والمكانة القبلية. إضافة إلى ذلك، تمكن تنظيم الدولة في خراسان من توفير إمكانيات أفضل ورواتب شهرية أعلى وأكثر انتظاما ،تراوحت بين 400 إلى 800 دولار أمريكي للمقاتلين المحليين و1500 إلى 2000 دولار للجهاديين الذين تم إرسالهم إلى العراق. كما تلقت أسر من قتلوا فى الحروب والصراعات مكافآة قدرها 15 ألف دولار دفعة واحدة لكل أسرة.

على الجانب الآخر، كانت حركة طالبان تدفع لمقاتليها رواتب شهرية قدرها 100 دولار فقط. ويُرجع الكاتب قدرة تنظيم الدولة على توفير رواتب مغرية إلى اقتصاده القوي؛ ففي عام 2015 – على سبيل المثال – بلغ معدل تمويل تنظيم الدولة في خراسان للفرد الواحد 10 أضعاف نظيره في طالبان. كما بدت قيادته أكثر استقلالا عن التنظيم المركزي في العراق وسوريا، رغم تمسكها بقوة باستمرار الارتباط به، على الأقل للمحافظة على توافد المدربين العرب إلى خراسان لتدريب المقاتلين المحليين. إضافة إلى ذلك، لم يواجه التنظيم أي صعوبات في تجنيد مزيد من العناصر حيث «كان يطرق أبوابه في كل شهر من 1000 إلى 2000 متطوع يطمحون إلى الانضمام إليه»؛ وهو ما منح التنظيم الفرصة دائما لانتقاء العناصر الأفضل.

(يتبع)

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock