راشمي روشان لال- كاتبة صحفية هندية
ترجمة وعرض :أحمد بركات
ربما سقطت بلدة باغوز، آخر معاقل «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في منطقة دير الزور بسوريا، لكن المعركة ضد التنظيم ستستمر لسنوات، ولن تحسم قبل تقديم إجابة ناجعة عن سؤال أخلاقي ينطوي على قدر كبير من الأهمية الاستراتيجية، وهو: ماذا ستقدم دول أوربا والولايات المتحدة لأسر مقاتلي تنظيم الدولة؟
هذا هو السؤال الذي تطرحه الكاتبة، راشمي روشان لال، رئيس التحرير السابق لصحيفةThe Sunday Times of India، التي عاشت وعملت في العديد من الدول في العقد الماضي، مثل أفغانستان والهند وتونس والإمارات والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة، وغيرها.
راشمي روشان لال
9400 طفل وامرأة
في بداية مقالها الذى حمل عنوان After Baghouz, What Do You Do with ISIS Families (بعد باغوز، ماذا ستفعلون مع أسر مقاتلي داعش؟) ، تبدأ الكاتبة بالتأكيد على الطبيعة العالمية لتنظيم الدولة، وأن «النساء والأطفال التابعين له ينتمون بشكل أو بآخر إلى 80 دولة». وقد أكد تقرير صادر عن «المركز الدولي لدراسة التطرف» (International Centre for the Study of Radicalization) في لندن – كما تشير لال – أن «41,490 مواطنا من مختلف دول العالم انضموا إلى «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام»؛ من بين هؤلاء 4761 امرأة و4640 طفلا» أي حوالى 9400 شخص
يضم هذا التقرير، الذي كتبته كل من «جوانا كوك»، كبير الباحثين بالمركز، و«جينا فيل»، الباحثة بالمركز، المتخصصتين في دراسة أوضاع النساء خلال ممارسات التطرف العنيف ومكافحة التطرف ومكافحة الإرهاب، أول مجموعة بيانات بهذا الحجم والتفصيل عن تنظيم الدولة الإسلامية. وفي فبراير الماضي عوَّل المدير التنفيذي للجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن على البيانات الواردة في التقرير للتأكيد على الحاجة الماسة إلى مقاربة دولية للتعامل مع النساء اللاتي ارتبطن بتنظيم الدولة، مثلما عوَّلت عليه «لال» كثيرا في مقالها
عروس داعش
ينصب جزء كبير من الجدل العام حول أسر مقاتلي تنظيم الدولة على قضية «شاميما بيجوم»، «المعروفة إعلاميا بـ«عروس تنظيم الدولة الإسلامية»، التي غادرت بريطانيا في عام 2015، وهي لا تزال طالبة في سنوات الدراسة، مولية وجهها شطر دولة الخلافة في سوريا لتتزوج من الهولندي الجهادي «ياجو ريدجيك» الذي تحبه كثيرا»، وهو ما دفع بحكومة المملكة المتحدة إلى تجريدها من جنسيتها البريطانية في فبراير الماضي. وفي 7 مارس الماضي، توفي رضيعها، «جاراه»، في مخيم الهول للاجئين في شمال شرق سوريا، مما أثار العديد من علامات الاستفهام المصحوبة بمشاعر إنسانية مفعمة بالألم في بريطانيا بشأن الطريقة الصحيحة للتعامل مع مقاتلي تنظيم الدولة «الذين ذاقوا مرارة الهزيمة في أرض بعيدة»، وزوجاتهم وأطفالهم.
شاميما بيجوم «عروس تنظيم الدولة»
في هذا السياق تؤكد كاتبة المقال أن «بيجوم» ليست البريطانية الوحيدة التي جردتها وزارة الداخلية في بلدها من جنسيتها لانضمامها إلى داعش؛ فقد حدث الشيء نفسه من قبل مع أختين بريطانيتين أيضا. وتفيد تقارير أن الأختين تعيشان حاليا في أحد مخيمات اللاجئين في سوريا، ولديهما خمسة أطفال.
وتشير «لال» إلى أن هؤلاء السبعة، إضافة إلى بيجوم، «يأتون ضمن آلاف النساء والأطفال الأجانب المرتبطين بتنظيم الدولة». وفي هذا السياق تنقل الكاتبة عن «جوانا كوك» صاحبة التقرير المهم بالإشتراك مع زميلتها «جينا فيل» والصادر عن المركز الدولى للتطرف الذى أشرنا إليه آنفا قولها، إن العالم الغربي يجب أن يعي حقيقة جوهرية، وهي «لا يمكننا ببساطة أن نتمنى بقاء هؤلاء النساء والأطفال بعيدا؛ إنهم يشكلون واقعا يتعين علينا التعامل معه». وتؤكد كوك: «إن ترك النساء المنتميات إلى تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا يمكن أن يصبح مصدر قلق للجيل القادم». وتضيف: «لا يزال عدد من هؤلاء النساء يعتنق أفكارا متطرفة، بينما تعاني أخريات من اكتئاب ما بعد الصدمة، بسبب خبرة الانضمام إلى هكذا تنظيم. وفي أثناء عملهن مع التنظيم أنجبت كثيرات منهن أطفالا؛ لذا فإن رفض عودتهن إلى بلادهن وعدم التعامل معهن بطريقة لائقة، سواء عن طريق إجراء تحقيقات قضائية بمقتضى القوانين المحلية، أو معالجتهن من التطرف، أو بأي طريقة أخرى لائقة تناسب كل قضية كحالة خاصة، سيبقي هؤلاء على الأرجح على الوضع الراهن، وسيؤثر ذلك على أطفالهن بصورة مباشرة».
يجب أيضا أن يبقى الأطفال المولودون، أو الذين شبوا منذ نعومة أظفارهم، في المناطق التي كانت خاضعة لهيمنة تنظيم الدولة محل اهتمام عالمي خاص ومكثف. «على الأقل هناك 566 طفلا ولدوا لأب أو أم (ما لم يكن كلاهما) أوربيين»، كما تقول كوك. هؤلاء الأطفال، الذين لا يحمل أكثرهم أية هوية باستثناء الانتماء إلى تنظيم الدولة الإرهابي، يعدون بهذه الطريقة بامتياز لتطرف مستقبلي، أو أي شكل من أشكال السلوك الأخرى المعادية للمجتمع.
وتناشد كوك: «هؤلاء الأطفال ضحايا بكل معنى الكلمة، ويحتاجون إلى أن يمد إليهم العالم يده كمواطنين في بلدانه، كما يجب دعمهم على أفضل نحو في أوطانهم؛ فآفاق مستقبلهم نصنعها اليوم بأيدينا».
وتحذر كوك وآخرون من أن البدائل «مؤلمة». فمنذ عام 2014، الذى مثل ذروة عمل آلة التجنيد الداعشية، أغرى تنظيم الدولة الغربيين بالانضمام إلى مدينته الفاضلة من خلال الإشارة إلى أنه لا يمكن اعتبار المسلمين الأوربيين والأمريكيين منتمين إلى بلدانهم الأصلية. ومن ثم فإن التجريد من الجنسية والمواطنة وغض الطرف عن تحمل المسئولية تجاه هؤلاء لا يعد سوى إثبات لا يقبل الجدل لدعاوى ودعاية التنظيم المتطرف. وسيخلق مشكلة تمتد تداعياتها إلى الجيل القادم.
صراع أجيال
وتشير راشمي لال إلى أنه في عام 2015، وصف الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، الحملة التي كانت تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة بأنها «صراع أجيال». وقال: «إن الأيديولوجيات لا تهزم بالبنادق، وإنما بأفكار أفضل، وبرؤى أكثر جاذبية وإقناعا». ولا شك أن إحدى أهم هذه الأفكار يجب أن يكون قبول تطبيق حكم القانون على المنتمين لتنظيم الدولة، وهو ما يعني قبول الدول الغربية لمواطنيها (السابقين) الذين قاتلوا ضمن صفوف هذا التنظيم المتطرف.
يمكن لهذه الدول أن تلاحقهم قضائيا، أو أن تعمل على إعادة تأهيلهم فكريا وتوعويا، بأي طريقة تراها مناسبة. لكن التخلي عنهم، وتركهم ببساطة في مناطق الصراع، مثل سوريا، سيشكل خطأ تاريخيا. وقد ذكر تقرير مجلس الأمن أن التعامل مع هؤلاء على هذا النحو سينطوي على مغامرة غير مأمونة العواقب، و«سيثقل كاهل المؤسسات القضائية وأماكن الاحتجاز بما لا تطيق». إضافة إلى ذلك- كما ورد في التقرير -سيكون لمعالجة النساء «اللاتي عشن في أقاليم كانت محتلة من قبل تنظيم الدولة آثار مهمة وعميقة».
وتخلص لال إلى أن «هذه الآثار ستكون بعيدة المدى، وستكون الاستجابة القائمة على المبادئ والقيم الأوربية هي الخيار الأمثل والأجدى».
*يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا