بول روجرز- الأستاذ بجامعة برادفورد -إنجلترا
ترجمة وعرض: أحمد بركات
في يوم 28 فبراير الماضي، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على العالم معلنا بزهو: «لقد تمكنا من اجتياح دولة الخلافة الإسلامية بنسبة 100 في المائة، وبغض النظر عن أن هذه العبارة ليست دقيقة تماما، إلا أن الرئيس الأمريكي كان يشير إلى الأراضي التي كان «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) يسيطر عليها في كل من سوريا والعراق.
والآن تؤكد قيادة البنتاجون في إفريقيا (أفريكوم) أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يقوم حاليا بالفعل بإعادة بناء نفسه في منطقة غرب إفريقيا، إلى حد إنشاء دولة خلافة جديدة. ربما لا تزال هذه الدولة أصغر بكثير من دولته الشرق أوسطية الغابرة، لكن تقارير مهمة وعديدة تعقد مقارنات مثيرة للقلق.
لم تتحدد الملامح الأصيلة لتنظيم الدولة الإسلامية في الفترة بين عامي 2011 و 2014، حيث كان التنظيم يتألف من شتات من بقايا «تنظيم القاعدة في العراق»، ويحاول الاستفادة من حالة الفوضى التي كانت تعصف بسوريا وحالة اليأس التي كانت تسيطر على الجيش العراقي، ليبسط التنظيم هيمنته على مساحة من الأرض تمتد من الرقة في شمال سوريا إلى الموصل في العراق، وفي أوج توهجه، سيطر تنظيم الدولة على مساحة من الأرض تعادل مساحة المملكة المتحدة، ويبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة.
ولم تختلف منهجية النظام الداعشي في الحكم في كثير عن منهجية نظام طالبان في أفغانستان التي مزقتها الحروب أيضا في منتصف تسعينيات القرن الماضي.. «إنها منهجية تجمع بين القسوة والتماسك في مجابهة الفوضى التي خلفتها الحروب»، كما يصفها بول روجرز، الأستاذ بقسم دراسات السلام في جامعة برادفورد بإنجلترا.، والذي يقول في مقال له بعنوان ‘Defeated’ ISIS has set up a new «Jihadist proto-state» in West Africa (تنظيم الدولة الإسلامية ’المهزوم‘ أقام دولة جهادية جديدة في غرب إفريقيا) أن الفارق بين طالبان وداعش هو أن «دولة الخلافة الإسلامية استعانت بفريق من التكنوقراط العراقيين الذين كانوا يتمتعون بخبرات واسعة في إدارة الخدمات العامة تحت حكم صدام حسين في عراق ما قبل الحرب». وكانت «سلطة التحالف الأمريكي المؤقتة» قد استبعدت كثيرين من هؤلاء التكنوقراط في عام 2003 بسبب انتمائهم إلى حزب البعث، ومن ثم فقد كانوا على استعداد لخوض تجربة جديدة مع تنظيم الدولة الإسلامية.
وعلى مدى سنوات قليلة، استمرت دولة الخلافة، وكانت رمزا مهما لمنهجية تنظيم الدولة في الحكم. فبينما أسس تنظيم القاعدة حكمه من خلال الإطاحة بأنظمة قائمة، اختار تنظيم الدولة الإسلامية الاستيلاء على أراضي في دولتين وتأسيس نسخته الخاصة من حكم ’الجنود في الميدان‘. لم يتمكن نموذج الحكم الداعشي من البقاء طويلا بعد أن أنشأت الولايات المتحدة تحالفا عسكريا جديدا في عام 2014 وخاضت حربا جوية على مدى أربع سنوات قتلت خلالها 60 ألفا من أنصار تنظيم الدولة، ومكنت القوات العراقية والكردية وغيرهما من الإطاحة بدولة الخلافة.
غرب أفريقيا.. أرض خصبة
وعود على بدء، يؤكد روجرز أن إدارة الرئيس ترامب افترضت – خطأ – هزيمة العدو بفضل هذه الحرب الجوية، برغم أن داعش واصل نشاطاته بعدها في كل من سوريا والعراق، ولا يزال يحتفظ بعلاقات وثيقة مع جماعات مماثلة في مصر وليبيا واليمن وسريلانكا وأفغانستان، فضلا عن الدور الذي لعبه في عملية الاجتياح الاستثنائي لمدينة «ماراوي» في جنوب الفلبين في عام 2017، والاستيلاء عليها لمدة أربعة أشهر وتدميرها بالكامل. والآن “يذهب تنظيم الدولة إلى أبعد من ذلك بكثير”. فعلى مدى العقد الماضي، شهد عدد من الدول في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل حركات تمرد إسلاموية، شملت كلا من مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر وغيرها. وكانت أقوى هذه الحركات وأكثرها تنظيما واستدامة وتطورا حركة «بوكو حرام» في شمال نيجيريا ، وقد مثلت هذه الحركة إشكالية كبرى للحكومة في أبوجا خاصة في ظل قدرتها على استقطاب وتجنيد عناصر جديدة من عشرات الآلاف من الشباب الذين اجتازوا على الأقل مرحلة التعليم الأساسي، لكن فرصهم في المستقبل محدودة، أو ربما معدومة.
على نطاق أصغر، حدث هذا أيضا في دول أخرى عبر الساحل الإفريقي، وكان رد الفعل الأكثر شيوعا إزاء ذلك هو القمع العسكري، حيث استخدمت الولايات المتحدة وفرنسا ودول غربية أخرى قوات خاصة ومروحيات هجومية وطائرات مسيرة، إضافة إلى تدريب وتسليح الجيوش المحلية.
كان التقدم ضد المتمردين بطيئا، إلى درجة دفعت بإدارة الرئيس ترامب إلى سحب بعض قواتها، تمهيدا لإعادتها إلى أرض الوطن، تمشيا مع ما أعلنه الرئيس الأمريكى عن كراهيته للحروب الصغيرة في الأماكن النائية، و لم تكن هذه الاستراتيجية الجديدة محل ترحيب أو قبول من قبل قوات «الأفريكوم»، وقد أفاد تقرير صادر عن مجموعة بحثية تابعة لجامعة أكسفورد أن الجنرال ماركوس هيكس، قائد العمليات الخاصة الأمريكية في إفريقيا، أعلن صراحة: «سأخبركم في ذلك الوقت بأننا لا نحقق أي انتصارات».
واستشهد تقرير جامعة أكسفورد أيضا بما كتبته الصحفية المخضرمة، روث ماكلين، حول أسباب نجاح التيارات الإسلامية في بوركينا فاسو، حيث كتبت: “تعرضت المناطق الأكثر فقرا في البلاد في الشمال والشرق لإهمال شديد، حيث لم توفر الحكومة الحد الأدنى من الخدمات الصحية والتعليم وفرص العمل، فضلا عن انهيار البنية التحتية. ونتيجة لذلك، حمل المواطنون المحليون السلاح وعملوا تحت لواء جماعات مسلحة تعهدت بتوفير مزيد من الخدمات وتحسين الأوضاع، وبالفعل أنجزت هذه الجماعات ما تعهدت به”. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى عدم ذهاب 150 ألف مواطن بوركينافي في سن التعليم إلى مدارسهم ، ونزوح 100 ألف فرد من بيوتهم بسبب تفشي أعمال العنف.
الفرع الجديد
على بعد 1500 كيلو متر إلى الشرق، في منطقة شبه قاحلة تمتد من شمال شرق نيجيريا إلى داخل تشاد والنيجر، تؤكد قوات «الأفريكوم» عبر تقاريرها الدورية أن تنظيم الدولة الإسلامية قد بدأ فعليا وضع أقدامه بقوة، وأنه اتخذ خطوات فعلية لبناء دولة خلافة جديدة. وبحسب صحيفة «ستارز أند سترايبس»، التي تصدر عن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، فقد نجح مسلحو داعش في غرب إفريقيا في بسط سلطتهم وأصبحت لهم اليد الطولى، وشرعوا في تأسيس دولتهم الجديدة في شمال نيجيريا، حيث تتعرض القوات الحكومية لسيل من الهجمات، كما يؤكد مسئولون عسكريون ومحللون أمنيون أمريكيون.
وتضيف الصحيفة أن تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا يواصل شن هجمات عالية المستوى وضعت الجيش النيجيري «تحت ضغوط هائلة»، وفقا للقيادة الأمريكية الإفريقية ومقرها شتوتجارت.
وتتمثل إحدى مخاوف «أفريكوم» في أن الانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية سيؤدي حتما إلى تدفق التمويلات والمقاتلين والأسلحة وغير ذلك من المساعدات من الجماعات الأخرى التي أعلنت ولاءها للتنظيم.
وترسم «مجموعة الأزمات الدولية» المستقلة صورة مشابهة في تقرير صدر مؤخرا تؤكد فيه أن تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا قد أسس نفسه ككيان منفصل عن الحكومة النيجيرية والجماعات الأخرى شبه العسكرية، وأنه يحظى بقدر من ثقة السكان المحليين، وتضيف: «إنه يقوم بحفر الآبار، وتوفير الخدمات الأمنية لمنع عمليات سرقة الماشية، وتقديم بعض الخدمات الصحية، والقبض أحيانا على بعض عناصره التي تتجاوز في حق المدنيين». ويفرض التنظيم الضرائب لكنه يقدم خدمات في المقابل. ونتيجة لذلك ازدادت عمليات التجنيد وتضاعف الدعم الشعبي إلى حد أنه – وفقا لـ «مجموعة الأزمة الدولية» – «صارت الدولة الجهادية حقيقة على الأرض».
وتشير تقديرات «أفريكوم» إلى أن حجم القوة العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا يبلغ 3500 إلى 5000 مقاتل، وأنهم «اجتاحوا عشرات القواعد التابعة للجيش النيجيري وقتلوا مئات الجنود» على مدى التسعة شهور الأخيرة. وتستشهد «مجموعة الأزمة الدولية» بما ورد في تقارير ماكلين من بوركينا فاسو بأنه «كلما رسخ تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا جذوره على نحو أعمق في تربة المجتمعات المهملة في شمال شرق نيجيريا، فإن إزاحته ستكون أكثر صعوبة». ويختتم روجرز مقاله قائلا: «لقد مضى على أحداث 11 سبتمبر ما يقرب من 18 عاما، لكن الحرب لم تضع أوزارها بعد».
*يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية لمقال «بول روجرز» من هنا: ?