منوعات

معسكرات الاعتقال الأمريكية.. صفحة سوداء فى التاريخ الأمريكي(1-2)

أثارت النائبة الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي، ألكساندريا أوكاسيو – كورتيز، عاصفة من الانتقادات في معسكري اليسار واليمين، ووسائل الإعلام الكبرى، بعد أن وصفت مراكز احتجاز اللاجئين بالولايات المتحدة بأنها «معسكرات اعتقال». وقد رفضت كورتيز التراجع عن هذا الوصف، واتهمت إدارة الرئيس دونالد ترامب بالاحتجاز القسري للمهاجرين الذين لا يحملون أوراقا ثبوتية في أماكن «يتعرضون  فيها لمعاملة وحشية ويعيشون في ظروف غير إنسانية تفضي بهم إلى الموت».

وفي إحدى تغريداتها استدعت كورتيز صفحات من التاريخ، حيث سبق للولايات المتحدة أن أقامت معسكرات اعتقال «عندما قمنا باحتجاز مواطنين يابانيين أثناء الحرب العالمية الثانية… إنه تاريخنا المشين الذي نعمد إلى تجاهله» 

في هذا السياق، يقدم موقع «أصوات أونلاين» عرضاً وترجمة لمقال بعنوان A Brief History of US Concentration Camps للكاتب الأمريكي بريت ويلكنز، المتخصص في قضايا العدالة الاجتماعية. 

ممر الدموع

يكتب بريت ويلكنز: قبل نصف قرن من قيام الرئيس الأمريكي أندرو جاكسون بتوقيع قانون «نقل الهنود» في عام 1830، كان حاكم فيرجينا الشاب، توماس جيفرسون، قد اعتمد المذبحة والتطهير العرقي كحلين لما أطلق عليه لاحقا «مشكلة الهنود». ففي عام 1780، كتب جيفرسون «إذا أردنا أن نشن حملة ضد هؤلاء الهنود، فإن الهدف المقترح يجب أن يكون إبادتهم، أو على أقل تقدير تهجيرهم خلف بحيرات نهر إلينوي» رغم ذلك، لم تستخدم «مستودعات الهجرة» كجزء من السياسة الأمريكية الرسمية لنقل الهنود إلا في عهد الرئيس جاكسون. فتحت تهديد السلاح، تم نقل عشرات الآلاف من هنود الشيروكي والموسكوجي والسيمينول والتشيكاسو والتشوكتاو والبونكا والينيباجو، وغيرهم من السكان الأصليين إلى معسكرات اعتقال في ألاباما وتينيسي، حيث أدى التكدس وعدم توافر نظام صحي إلى تفشي العديد من الأمراض، مثل الحصبة والكوليرا والسعال الديكي والدوسنتاريا وحمى التيفود، التي حصدت أرواحهم بلا هوادة، بينما تكفل نقص الماء والغذاء بالقضاء على البقية الباقية منهم.

نتيجة بحث الصور عن هنود الشيروكي

وإضافة إلى الموت داخل هذه المعسكرات، شهدت مسيرات الموت، التي بلغت في بعض الأحيان ألف ميل – بما في ذلك عملية التهجير التي أطلق عليها «ممر الدموع» (Trail of Tears)، وتمثل واحدة من أحلك الصفحات في التاريخ الأمريكي – سقوط آلاف الرجال والنساء والأطفال تحت وطأة البرد والجوع والمرض. وقد وصف الرئيس جاكسون هذه المذابح بـ «السياسة الخيرة» لأن الأمريكيين الأصليين «لا يمتلكون الذكاء، أو القدرات الصناعية، أو العادات الأخلاقية، أو حتى الرغبة في التطور». وأضاف جاكسون – الذي يعتبره دونالد ترامب رئيسه المفضل ومثله الأعلى– في خطابه أمام أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب في 3 ديسمبر 1833 – «لسنا بحاجة إلى تقييم أسباب دونية هؤلاء… يجب عليهم أن يرضخوا لقوى الظروف والاختفاء الطويل». 

State of the Union Address: Andrew Jackson (December 3, 1833)

المسير الطويل

بعد عقود، عندما تمكنت قبائل السيوكس وغيرها من السكان الأصليين من التصدي للغزو الأبيض، وعمليات الاستيلاء على أراضيهم، طالب حاكم مينيسوتا، ألكسندر رامسي، بمزيد من المذابح وعمليات التطهير العرقي ضد الهنود الحمر. ففي عام 1862 أعلن رامسي أنه «يجب استئصال شأفة هنود السيوكس، أو اقتيادهم إلى الأبد إلى ما وراء حدود الولاية»، كما أعلن عن مكافأة قدرها 200 دولار «لكل من يقدم فروة رأس هندي يحاول الهرب أو المقاومة» في هذا السياق، تم إجبار 1700 امرأة وطفل وعجوز من سكان داكوتا الأصليين على مسير طويل وشاق إلى معسكرات اعتقال تم بناؤها في موقع ديني مقدس، لكن كثيرين لم يتمكنوا من إكمال الرحلة حتى النهاية. ويؤكد جيم أندرسون، أحد الزعماء القبليين في ميندوتا داكوتا، أنه «أثناء هذا المسير، مات كثيرون من أقربائنا… قتلهم مستوطنون أثناء مرورهم بالمدن الصغيرة، وانتُزع الرضع انتزاعا من أحضان أمهاتهم وقتلوا أمام أعينهن، كما قتلت النساء إما رميا بالرصاص أو بالحراب. وتكفلت أعاصير الشتاء والمرض والجوع بإهلاك الناجين من هذه المذابح قبل حلول الربيع».

MN “Concentration Camp” Survivors’ Relatives Remember 150 Years Later

 

وبعد عامين، أجبر أحد جنرالات الحرب الأهلية وقاتل الهنود الشهير، القائد جيمس هنري كارلتون، 10 آلاف من أبناء قبيلة «نافاجو» على السير مسافة 300 ميل (480 كيلو متر) في دياجير الشتاء من موطنهم الأصلي في منطقة «فور كورنرز» إلى أحد معسكرات الاعتقال في مدينة «فورت سومنر» بولاية «نيو مكسيكو». جاء ذلك في أعقاب إحدى عمليات الأرض المحروقة التي حاول فيها كيت كارسون، أحد سكان الحدود المعروفين، إبادة شعب «نافاجو»، وهو ما أودى بحياة مئات منهم، واستعباد الباقين من قبل المستوطنين البيض فيما أطلق عليه «المسير الطويل» (The Long walk). أما من نجا من مسيرة الموت، وتمكن من الوصول إلى مدينة «فورت سومنر»، فقد وقع تحت تحت وطأة  الجوع، وعدم توافر الحطب اللازم للتدفئة والطهي في شتاء الغرب الأمريكي القارس، وتحت وطأة تفشي الأمراض والأوبئة. وشملت أعمال القهر ضد شعب «نافاجا» حرمانهم من صلواتهم واحتفالاتهم الروحية وأغانيهم الطقوسية. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 1500 شخص قد لقوا حتفهم أثناء احتجازهم في «فورت سومنر»، أغلبهم من الرضع والأطفال.  

   

معسكرات الهاربين

في هذه الأثناء، كان «جيش الاتحاد» (جيش الولايات المتحدة الأمريكية في فترة الحرب الأهلية) يشن حملات اعتقال ضد العبيد المحررين في جميع أنحاء ولايات الجنوب الأمريكي، ويجبرهم على القيام بأعمال شاقة في «معسكرات الهاربين» (Contraband Camps) التي كانت تعاني من تفشي الأمراض، حيث كان يُنظر إلى العبيد الهاربين والمحررين باعتبارهم ممتلكات أعداء تم الاستيلاء عليها. وقد أثبت جيمس ييتمان، عضو «اللجنة الصحية الغربية» (Western Sanitary Commission) في تقريره الذي كتبه عقب زيارته أحد هذه المعسكرات في مدينة ناتشيز بولاية مسيسيبي في عام 1863 «تكتظ المعسكرات بالأمراض والمعاناة والفقر المدقع في كل شيء»، وأضاف «لا يوجد بيت واحد في البيوت التي قمت بمعاينتها إلا وقد خيم عليه شبح الموت… لقي 75 فردا حتفهم في يوم واحد… عاد بعضهم طوعا إلى أسيادهم من فرط المعاناة التي يلقونها في هذه المراكز». وفي أحد مراكز الاحتجاز في مدينة «يونجز بوينت» بولاية لويزيانا، أورد ييتمان في تقريره أنه «تخيم على المكان أشباح المرض والموت المخيفة»، حيث يلقى 30 – 50 فردا حتفهم يوميا بسبب المرض أو الجوع. وكان أحد المعسكرات بالقرب من مدينة «ناتشيز» يضم 4000 لاجئ أسود في صيف عام 1863، لم يبق سوى نصفهم بحلول الخريف، وكان أغلب الضحايا من الأطفال الذين أصبيوا بالجدري والحصبة.

(يتبع)

             

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock