مع اقتراب الخامس والعشرين من يناير، تبرز مرة أخرى مظاهر الانقسام في المجتمع حول الثورة، كما يتضح التناقض في الخطاب الرسمى حيالها.
لايزال الدستور المصرى ينص على أن ثورتى يناير ويونيو «امتدادٌ للمسيرة الثورية للوطنية المصرية وتوكيدٌ للعروة الوثقى بين الشعب المصرى وجيشه الوطنى»، ولا تزال الدولة تحتفل بهما رسميًّا، ولا تزال الثورتان أساسَ شرعية الحكم الراهن.
مع ذلك، فإن مظاهر أخرى تشير إلى أن مؤسسات الدولة تناصب ثورة يناير العداء، أو تعتبرها نقطة سوداء في تاريخنا المعاصر. الإعلام التابع للدولة لا يقدمها إلا بوصفها مؤامرة دعمتها قوى أجنبية، والتجاهل يزيد عامًا بعد عام لحقيقة نزول الملايين في الشوارع والميادين، والأصوات التي اقترنت بها اختفت من الساحة إلا مَن كان منها مستعدًا للمشاركة في تشويه ذكراها، وكثيرٌ من شباب وكهول ثورة يناير ملاحقون من السلطات، بل متهمون بدعم جماعة الإخوان المسلمين، حتى من كان منهم في مقدمة ثورة ٣٠ يونيو التي أطاحت بالحكم الإخوانى.
الدولة، في تقديرى، تخطئ بمناصبتها العداء لثورة يناير، ليس فقط لأنها تنكر حقيقة ما جرى، وإنما أيضا لأنها تتجاهل بذلك مشاعر الملايين الذين شاركوا فيها أو انحازوا لمطالبها، وتفقد دعم أجيال من الشباب الذين يعتبرونها لحظةً مضيئةً مهما تعرضت للتشويه الإعلامى وتعرّض المدافعون عنها للملاحقة. وهذا الانقسام في المجتمع، خاصة بين الأجيال، هو آخر ما يحتاجه البلد.
الثورة كانت تعبيرًا عفويًّا ونبيلًا عن غضب الملايين ضد نظام الحكم، وتطلعهم لمستقبل يسوده العدل والحرية والكرامة الإنسانية، أيًّا كانت النتائج التي أفضت إليها والأخطاء التي ارتُكبت باسمها. لم يخطئ الشباب المحتج حينما سعى لتغيير الحكم- الحكم لا الدولة- ولا باحتلال الميادين للتعبير عن تمسكه بالحرية والعدالة الاجتماعية، ولا بالترحيب بالقوات المسلحة حينما نزلت لحماية الشعب والمؤسسات، وقد استحق عن جدارة تحية الشهداء التي عبر بها المجلس العسكرى عن التحام الشعب والجيش في مشهد لن يُنسى.
ولكن توالت الأخطاء لأسباب عديدة لا متسع للخوض فيها هنا. خطأ إهدار العدالة في ملاحقة ومحاسبة النظام السابق والتنازل عن حقوق المتهمين على نحو لانزال نعانى من تبعاته، وخطأ تجاهل تردى الأوضاع الاقتصادية بسرعة شديدة ودفع الناس لكراهية الثورة وما جلبته من ركود وتعطل للعمل والإنتاج. وخطأ الاستهانة بتأثير غياب الأمن على المجتمع والآثار الفعلية والنفسية المترتبة على شهور ممتدة من الفوضى والعنف. وخطأ تجاهل استعداد التيار الإخوانى للانفراد بجنى ثمار الثورة والعمل على تغيير طبيعة البلد.. كل هذا يمكن أن يكون محلًا لجدال قد يمتد لسنوات وعقود، ولكنه لا يغير من حقيقة مشاركة الملايين في حلم التغيير واستعدادهم للتضحية من أجله.
إذا كنا نريد اصطفافًا وطنيًّا نواجه به تحديات الداخل والخارج- وهى كثيرة- فلابد من التصالح مع ثورة يناير، مع قيمتها التاريخية، ومع الطموحات التي عبرت عنها، ومع الجماهير التي شاركت فيها، وأن نعترف أيضا بأخطائها لكى نستوعبها ونتجاوزها. وهذا التصالح المطلوب مع الثورة ليس من جانب الدولة وحدها بل من جانب المجتمع عمومًا، حتى من أضيروا منها، ماليًّا واقتصاديًّا أم سياسيًّا وإعلاميًّا، لأن «ضم صفوف المجتمع والتوافق على الحد الأدنى من التاريخ المشترك وطى صفحات الخلاف» هو ما يمنح الدول القوة الداخلية، والتكاتف في مواجهة التحديات، والاستعداد لبناء مستقبل مشترك.
نقلا عن: المصري اليوم