*نيللي لحود – زميل أول في «برنامج الأمن الدولي» التابع لمركز بحوث «نيو أمريكا»
*عرض وترجمة: أحمد بركات
استعادت القوات الخاصة الأمريكية آلاف الرسائل التي تم تبادلها بين أعضاء تنظيم القاعدة أثناء الغارة التي قُتل على إثرها أسامة بن لادن زعيم التنظيم في مايو 2011. وكان أغلب هذه الرسائل ينتهي بعبارة «إحرقها بعد قراءتها».
كما عثرت القوات الأمريكية أيضا على وثيقة من 220 صفحة، مكتوبة بخط اليد، وصفتها المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)- على نحو غير دقيق – بأنها «أوراق ابن لادن». فقد كان الجزء الأكبر من هذه الوثيقة عبارة عن نسخة بخط اليد لتفاصيل النقاشات التي دارت بين أعضاء أسرة ابن لادن خلال الشهرين الأخيرين من حياته.
تقدم هذه النسخة معلومات مهمة وغزيرة عن إسهامات الأسرة – خاصة النساء – في العمل الجهادي، وتحديدا في صياغة البيانات العامة لزعيم القاعدة. إذ تظهر الوثيقة أن «سهام»، الزوجة الثالثة لابن لادن، وبنتيها «مريم» و«سمية»، كن الأكثر مشاركة في الاضطلاع بهذا النوع من الأعمال. ومن ذلك، ما أوردته الوثيقة عن مطالبة «بن لادن» لثلاثتهن بالبدء في «التفكير في صياغة البيان العام» الذي كان يريد إصداره بشأن الربيع العربي، و«جمع الأفكار» التي يجب تضمينها فيه.
توضح الوثيقة أن «سمية» دفعت أباها إلى التفكير في ’استراتيجية‘ للتعامل مع الوضع الجديد الذي فرضه الربيع العربي، وما إذا كان من شأنه أن يقوض حاجة المسلمين إلى الجهاد. وبعد صفحتين، نقرأ ما يبدو على الأرجح أنه أفكار «مريم»، التي خطت في الغالب هذه الوثيقة بيدها، عن «الرؤية الجديدة» لتنظيم القاعدة التي كان أبوها يخطط لإعلانها في الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
بن لادن وزوجاته الأربع
تزوج أسامة بن لادن أربع نساء، هن «نجوى»، و«خيرية»، و«سهام» و«أمل»، بخلاف خامسة كان قد طلقها. وقد غادرت نجوى أفغانستان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ببضعة أيام إلى سوريا، لكن الأخريات كن معه عند مقتله في منطقة «بوت آباد»، في باكستان. كما فرت زوجته الثانية، خيرية – التي تحمل الدكتوراة، وعملت بتعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المملكة العربية السعودية قبل زواجها منه في عام 1985 – أيضا من أفغانستان في عام 2001، وقد أخذت معها ابنها «حمزة» وستة آخرين من أبناء ابن لادن من نجوى إلى إيران، حيث تم اعتقالهم جميعا هناك.
وفي عام 2010، أُطلق سراح خيرية وحمزة، اللذين اتجها إلى منطقة وزيرستان، في شمال غرب باكستان، حيث كان تنظيم القاعدة يعمل آنذاك في تلك المنطقة، لكنه كان يخضع لمراقبة صارمة من قبل الطائرات المسيرة الأمريكية. وقد استغرق الأمر فترة غير قصيرة قبل تدبير ممر آمن لخيرية للحاق بزوجها في مجمعه السكني المعروف باسم «وزيرستان هافيلي» (كان يطلق عليه باللغة الأردوية ’وزيرستان حويلي‘، أي ’قصر وزيرستان‘) في أبوت آباد.
وعندما عرف ابن لادن بوصول خيرية إلى وزيرستان، أرسل إليها عددا من الخطابات، أرفقها، في إحدى المناسبات، بـ «هدية متواضعة لحمايتك من البرد»، وفي أخرى بـ «تمر مجفف من وطننا». كما أرسل إليها «كل ما لدي على جهاز الحاسوب الخاص بي حتى يمكنك المشاركة في إعداد البيانات العامة التي نجهز لإصدارها بمناسبة الذكرى العاشرة للهجمات المباركة على نيويورك وواشنطن».
كان «بن لادن» يريد من زوجته «خيرية» أن تحقق أقصى استفادة من «القيمة الإعلامية لهجمات 11 سبتمبر لإحياء ذكرى انتصارات المسلمين». وأخبرها في أحد خطاباته بأنه أرسل أموالا إلى «الأخ المتواجد طرفك لشراء جهاز ’لاب توب‘، وملحقاته، ووحدات USB حتى يمكنك مراسلتي عليها، بما في ذلك أي كتابات أو اقتراحات أخرى تريدين إيصالها إلي، مثل الأفكار التي يجب أن أضمنها في البيانات العامة».
وفي 11 فبراير، وصلت خيرية إلى أبوت آباد في نفس اليوم الذي أعلن فيه عن تنحي الرئيس المصري آنذاك، حسني مبارك، «الديكتاتور الأسوأ على الإطلاق»، كما وصفته خيرية في رسالة لابنها، الذي كان لا يزال في وزيرستان. ربما لا يكون مثيرا للدهشة – بالنظر إلى وصولها مؤخرا في فترة الربيع العربي – قلة إسهامات خيرية في صياغة البيانات العامة، رغم أن بعض مقترحاتها مسجلة في الوثيقة المطولة التي سجلت فيها نقاشات الأسرة.
الزوجة الثالثة ودروها في التنظيم
أما بالنسبة لزوجة أسامة بن لادن الثالثة، «سهام بنت عبدالله بن حسين»، فقد قبلت طلبه الزواج منها بشرط أن تستكمل دراستها، وبالفعل حصلت «أم خالد» على درجة الدكتوراة في قواعد اللغة العربية بعد زواجهما. وتحوي أوراق أبوت آباد رسائلها إلى زوجات جهاديين آخرين لتعزيتهن في وفاة أزواجهن أو أبنائهن، ولحثهن على الصبر والثبات، قائلة لهن: «أتضرع إلى الله العلي القدير أن يثبت الجهاديين،حتى يتمكنوا من كسر عنق الكفرة والطواغيت». كما كتبت سهام عددا من الرسائل إلى زوج ابنتها، «عبدالله الحلبي»، بعد موت ابنتها خديجة أثناء ولادتها ابنها الرابع في عام 2007، و كانت سهام تعتبر خديجة «أول شهيدة» في عائلة ابن لادن. وقد تضمنت إحدى رسائلها قصيدة تؤكد فيها أن خديجة كانت لها بمثابة الأخت والصديقة ورفيقة الدرب، وتمنت لو أنها كانت تستطيع أن تلدها مرة أخرى. كما طلبت من الحلبي أن يخبر أقاربها في المدينة بالمملكة العربية السعودية بموت خديجة، وبأن «الدماء قد أريقت في عائلتنا»، كما حملت في إحدى قصائدها على الرجال الذين تقاعسوا وجبنوا عن القتال تاركين النساء والأطفال في هيجاء الميادين.
وتوضح رسائل «سهام» أنها قضت ساعات طوال في صياغة البيانات العامة لزوجها. فقد ذكرت في بداية إحدى رسائلها إلى خديجة: «أكتب لك هذه الرسالة على عجل، فأنا مشغولة مع أبيك في إعداد بيان عام». كما قالت في رسالة إلى زوج ابنتها: «كنت مشغولة في صياغة بيانات عامة حتى شعرت بالإنهاك وغلبني النعاس».
كانت سهام على دراية كاملة بأنشطة شركاء زوجها في وزيرستان، لكنها لم تتواصل معهم مباشرة، حيث كان تنظيم القاعدة يسمح للنساء بالكتابة إلى أزواجهن والمحارم من أقاربهم (كالأب، أو الأخ، أو الابن) فقط. ومن ثم كانت سهام ترسل التعليمات إلى قادة التنظيم في وزيرستان عن طريق زوج ابنتها، الحلبي. وفي إحدى الرسائل، أكدت على ضرورة أن يبعث زوجها برسالة عن «التهديد الإيراني»، ومحنة عائلته هناك، إلى أخيه، بكر، في المملكة السعودية. وقد حاولت سهام مرارا إشراك عائلتها في السعودية في المساعدة في ترتيب إطلاق سراح «أبناء ابن لادن من إيران». وأعطت الحلبي أرقام هواتف إخوانها، وطلبت منهم أن يستخدموا نفوذهم من أجل ذلك ما استطاعوا.
كذلك تبرعت سهام بمهرها للجهاد الأفغاني، ويبدو أنها استمرت في تمويل الجهاد من أبوت آباد. وفي عام 2005، كتبت إلى خديجة لتحثها على الكتابة إلى خالها «بخطك»، و«أخبريه أنني في حاجة ماسة إلى 100 ألف يورو من مالي الذي أودعته عنده».
السيد زكريا السادة شقيق أمل زوجة زعيم القاعدة أسامة بند لادن بصحبة أبناءه
زوجة بن لادن اليمنية
أما الزوجة الرابعة لابن لادن، أمل أحمد السادة، فهي يمنية، تزوجته في عام 2000 عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها، ولم تقطع شوطا طويلا في التعليم الرسمي مثل زوجاته الأخريات. ولا تذكر أوراق أبوت آباد أي شيء تقريبا عن السادة، إذ لم تفلح القوات الأمريكية في استرداد أي كتابات منها أو عنها. رغم ذلك فقد ورد ذكر أبنائها مرارا، وبدرجة كبيرة من المودة في رسائل خيرية وسهام. وقد تولت ابنتها الكبرى «صفية» مهمة تعليم ابن خديجة في المنزل بعد وفاة أمه.
لم يكن لدى مريم وسمية – ابنتا سهام، والأكثر مساعدة لأبيهما – وقتا لمراسلة أعضاء العائلة، حيث كانتا مشغولتين بدرجة كبيرة بصياغة البيانات العامة، وغالبا ما اعتذرت أمهما إلى أقاربها نيابة عنهما عن هذا الانشغال. وتسهب خطابات خيرية إلى حمزة في مديحهما على عملهما نيابة عن أبيهما.
وقد عثر ضمن إحدى الوثائق التي وجدت في المجمع على خطاب كتبته سمية، وهي في الثالثة عشرة من عمرها، إلى خديجة التي لم تكن قد رأتها منذ خمس سنوات. في هذه الرسالة تؤكد سمية لأختها «أن آلام الفراق التي تكابدناها هي ضريبة يدفعها المسلم الحق»، مذكرة إياها بعدد من الرموز التاريخية الإسلامية التي ذاقت ويلات السجن والاغتراب في سبيل نصرة دعوتها. كما ذكّرتها أيضا بأن الجهاديين «لا يزالون يقاسون صنوف العذاب في سجون الطواغيت في معظم أنحاء العالم»، وأن «مشكلتنا يا أختاه لا تكاد تُذكر أمام ما يلاقونه من محن». كما تمنت أن يكبر ابن خديجة حتى يصير جهاديا لأنه «أشرف طريق يمكن أن يسلكه».
كما تورد الوثيقة أيضا أن سمية، وهي ابنة التاسعة عشرة، أخبرت أباها أن «الناس ينتظرون موقفك من التدخل الغربي في ليبيا». وقد كان النقاش بين سمية وأبيها آنذاك يدور حول ردة فعل «بن لادن» على الربيع العربي، وما جرى في ليبيا، حيث يقول بن لادن ردا عليها: «إن الليبيين حساسون للنقد، ولديهم تعصب يشبه ذلك الموجود بين القبائل»، ويضيف: «فالليبيون في شرق ليبيا شيء، والليبيون في غربها شيء آخر، والتعصب بين الفريقين شديد… لم أر شيئا مثل ذلك من قبل… يجب أن نتوخى الحذر في مناقشاتنا مع الإخوة في ليبيا».
(يُتبع)
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا