فن

اعلانات رمضان…. بين استغلال الدراما واستثمار النجوم

في عام 2009 وعقب عرض مسلسل “المصراوية ” آخر أعمال الراحل “اسامة أنور عكاشة ” قال عكاشة  بالحرف الواحد: “كل الأهداف التي كانت الدولة تسعى إليها تتلاشى، ففكرة نشأة القنوات المتخصصة، كان الهدف منها إنتاج وتقديم الأعمال المتخصصة، والأعمال التي تريد الدولة تقديمها دون عائد، لكن حاليا قناة النيل للدراما مثلا تجرى وراء الإعلانات، والحكومة نزلت السوق ووزارة الإعلام لم تعد وزارة إعلام ولكنها تحولت لوزارة الإعلان بالـ«نون»، وأصبحت مسلسلات رمضان إعلانات متعاصة دراما، وأصبحت الدراما فى خدمة الإعلان، وكل ما النجم يجيب إعلانات كل ما المسلسل بتاعه يبقى ناجح بغض النظر عن أى شيء “

جاءت تلك التصريحات لتكشف عن أزمة حادة كانت قد نشأت بين “عكاشة ” عميد الدراما المصرية وبين المسؤولين فى التلفزيون المصري بعد أن رفض الكاتب الراحل التعاقد مع التلفزيون على مسلسل “المصراوية ” نتيجة اصرار المسؤولين على قطع الأحداث وإذاعة إعلانات وكان هذا أمرا جديدا على الأعمال الفنية فى التلفزيون المصر مما دفع “عكاشة ” إلى انتاج المسلسل عبر شركة خاصة وإذاعته عبر تلفزيون دبى ووقتها أكدت  مصادر عديدة أن “عكاشة ”  بكى بشدة عندما تم اذاعة اولى حلقات المسلسل – في عرضه الأول – بعيدا  عن شاشات تلفزيون بلاده.

نتذكر تلك الواقعة ونحن نتابع الدراما الرمضانية لهذا العام وقد ابتلعتها مساحات الإعلانات بشكل أصبح يمثل حاجزا حقيقيا  دون  متابعة المشاهد لها ولا شك أن الإعلان في ظل العالم المفتوح واقتصاد البحث عن ربح حتى من خلال الفن …

أسامة أنور عكاشة
أسامة أنور عكاشة

صناعة الفن.. وسوق الإعلان

الاعلان صناعة تحتاج إلى تسويق لكي تستمر عجلة الإنتاج تدور لكن الواقع أن الدراما التلفزيونية خاصة فى شهر رمضان أصبحت مجرد وسيط فني يحمل فوق كتفه الإعلان وليس العكس ممل أدى إلى الإضرار بصناعة الدراما وتغيرت معايير جودتها ومقياس أجر صناعها ليصبح المعيار هو قدرة العمل  على جذب الإعلانات لا بقدر الجودة والقيمة التي يقدمها  للمشاهد.

بالإضافة إلى أن بعض الإعلانات قد أصبح عبئا على العمل الفني وعبئا على المشاهد الذي يفقد تركيزه تماما ومع استمرار زيادة مساحة الإعلان داخل الأعمال الفنية سوف يضطر المشاهد إلى الهرب نحو وسائل أخرى اقل زحاما أو الانصراف تماما عن متابعة دراما رمضان خاصة وأن الغالبية العظمي من الإعلانات المقدمة لا تستهدف ضمن جمهورها  ملايين المشاهدين من متوسطي ومحدودي الدخل.

الاعلان … وسيلة لتحليل المجتمع

لن نجد وسيلة لرصد أوضاع المجتمع المصري الثقافية والاجتماعية وبالطبع الاقتصادية أكثر دقة من الإعلانات التلفزيونية، خاصة فى شهر رمضان.

في منتصف التسعينيات بدأت ظاهرة الاستعانة بنجوم الفن والرياضة لتقديم اعلانات تسويقية وكانت مشاركتهم محدودة للغاية فى الوقت الذي كان للإعلان نجومه ومع الوقت بدأ يزحف عدد أكبر من مشاهير المجتمع نحو سوق الإعلانات تزايد هذا مع تراجع صناعة السينما فى السنوات الماضية ورغبة هؤلاء المشاهير فى تحقيق عائد مالي بغض النظر عما يقدمونه بينما رفض عدد  من نجوم الفن  المشاركة في التسويق الإعلاني من بينهم الراحل ” عزت العلايلي ” صاحب عبارة ” لا أقبل أن أتحول إلى سلعة تقوم بالتسويق لسلعة ومؤخرا صار كثيرون من  نجوم الفن أكثر حضورا على شاشات التلفزيون ليس عبر أعمالهم الفنية لكن  عبر الإعلان وتقديم البرامج التلفزيونية والحضور كضيوف – بالقطع مقابل أجر – فى برامج يقدمها زملاؤهم لقد  تغيرت الأوضاع  في زمن العولمة والشركات العابرة للقارات مع الألفية الجديدة  حيث تسيد الاعلان واحتل مساحة أكبر في حياة البشر.

عزت العلايلي
عزت العلايلي

وصار محتوى الإعلان الرمضاني معروفا سلفا لدى المشاهد حيث ينقسم إلى إعلانات عن مدن جديدة ليس للغالية العظمي من المشاهدين علاقة بها ولا يملكون ترف مجرد التفكير فى إمتلاك , وحدات سكنية بها  ونوع ثانى من الإعلانات تقدمها شركات الاتصالات بمختلف أنواعها ونوع ثالث يناشد المشاهد التبرع لأعمال خيرية تعالج أو تكسو أو تقدم الطعام لفقراء المصريين وبين هذا وذاك مسافة شاسعة فى البشر والأحلام ولان رمضان يمثل موسما للدراما التلفزيونية وترتفع خلاله نسب المشاهدة فقد تحول أيضا إلى موسم إعلاني شديد الكثافة تتسابق خلاله الشركات فى عرض منتجاتها ويذكر أن عوائد الإعلانات خلال شهر رمضان 2021 بلغت أكثر من 3مليار جنيه لصالح القنوات التي تعرض مسلسلات رمضان وللأسف جاء هذا على حساب المشاهد الذي أصبح فريسة لسيطرة الإعلان على الأعمال الفنية بشكل أفسد قدرته على المتابعة.

وشهد فن الإعلان تطورا كبيرا من حيث الإنتاج والإبهار وأيضا الاستعانة بكبار نجوم مصر والعالم في كل المجالات الفنية و الرياضية ولم يعد هؤلاء يجدون أي غضاضة أوأو يبدون أي  تردد حيال تسويق أي سلعة شريطه أن يحافظ  النجم منهم على قيمة أجره ومقابله المادي.

تطور الإعلان

لم يعد الإعلان مجرد فكرة يقدمها فنان للترويج لسلعة أو خدمة بل تطور الأمر وأصبح بعض مشاهير الفن والرياضة يكتفون بالظهور وتقديم عمل فنى يحفل بالغناء والاستعراض و لا يوجد بكلماته  ما يشير إلى تسويق للمنتج وتقوم الشركة المعلنة  بوضع علامتها التجارية  وذكر اسمها في نهاية الإعلان وهذا ما حدث مع محمد منير وعمرو دياب ومؤخرا شريهان ويمثل هذا النوع  من الإعلان شكلا مختلفا ومغايرا عن الشكل المستقر منذ أن قدم الراحل حسن عابدين حملة إعلانية لشركة مشروبات غازية شهيرة وربما كانت  تلك هي البداية الحقيقة لتغول مشاهير الفن على سوق الإعلانات وتراجع نجوم ونجمات هذا النوع من الفنون لصالح مشاهير النجوم وأصبحت شركات الإنتاج تتسابق في التعاقد مع نجوم الفن الأكثر بريقا وانتشارا واستثمار نجاحهم الفني للتسويق لمنتجات أو خدمات بعينها  لكن رغم أن  صناع الإعلانات أصبحوا أكثر حرفية فى ابتكار أفكار جديدة ومبهرة إلا أن هذا التفوق لا يبرر لدى المشاهد إفساد متابعته للأعمال التي يفضلها.

مخاطر الوضع الحالي

نحن إذن أمام معضلة شديدة التعقيد فرضتها ثقافة العولمة ورسخت لها قيم السوق الحر وساهم في نموها دخول نجوم يحبهم الناس ويتابعونهم  .. هذه  المشكلة لها جانبان  رئيسيان بالإضافة إلى بعدها الاجتماعي الخطير

الجانب الأول أن يؤدى هذا التوحش  الصارخ للإعلان  إلى هروب المشاهد من أمام شاشات التلفزيون ولجوئه إلى المنصات الرقمية الإلكترونية وهذا ما بدأ  يُلَاحظ بالفعل وقد يدفع مسؤولي القنوات الفضائية مع الوقت ومع زيادة أعداد الهاربين من جحيم الهيمنة الإعلانية إلى تغيير أسلوب عرض الإعلان داخل الأعمال الفنية.

الجانب الثاني يكمن في هيمنة الإعلان على  طبيعة الأعمال المقدمة والنجوم المشاركين فيها لارتباط إذاعتها بقدرتها على حصد الإعلان أُناء عرضها وهذا قد لا يتوفر للوجوه الجديدة في كل مفردات العمل الفني وأيضا لن يسمح لشركات إنتاج متواضعة أو جديدة أن تخوض المنافسة الرمضانية مما يؤدى  إلى مخاطر عديدة  على مستقبل سوق الإنتاج الفني المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock