رؤى

الشيخ جراح.. ورمزية الصراع

عرض وترجمة: أحمد بركات

في مواجهات مع المحتجين الفلسطينيين على مدى الأيام الماضية في حي “الشيخ جراح” في القدس الشرقية، قامت الشرطة الإسرائيلية بإطلاق يد العنف والقمع ضد المتظاهرين وألقت بكميات كبيرة من المياه كريهة الرائحة والسوائل الضارة لتفريق المتظاهرين، حتى أن الرائحة الكريهة انتشرت في الشوارع المجاورة.

تطورات متصاعدة

في أعقاب ذلك، امتدت رمزية هذا المكان على نطاق أوسع. ففي غضون أسبوع واحد، أصبح حي “الشيخ جراح” مركز تفاقم التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين في القدس الشرقية. وجذب إلى قضيته الفلسطينيين ومناصريهم من جميع أنحاء العالم، بدءا من القيادة الفلسطينية في رام الله وغزة، ووصولا إلى المشرعين والمسؤولين في الأردن القريبة وواشنطن البعيدة.

ومن المقرر أن تصدر المحكمة العليا الإسرائيلية حكمها بشأن ما إذا كانت ستدعم إخلاء ست عائلات الفلسطينية من هذا الحي لصالح مستوطنين يهود أم سترفض الإخلاء؟

لكن النزاع القانوني المستمر عبر عقود من الزمان بشأن مصير بضع عشرات من الفلسطينيين، والذي يصفه المسؤولون الإسرائيليون بأنه مجرد “نزاع عقاري” استحال  مبررا  لجهد أكبر لطرد آلاف الفلسطينيين من مناطق استراتيجية في القدس الشرقية ولمواجهة مستعرة منذ عقود بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

فلسطين الشيخ جراحواندلعت المعارك في داخل المسجد الأقصى، حيث أمطر المصلون بعد مغادرتهم صلاة الجمعة الشرطة الإسرائيلية بوابل من الحجارة، وردت عليهم بقنابل صوتية ورصاص مطاطي، ما أدى إلى إصابة 150 فلسطينيا. وأظهرت مقاطع فيديو القنابل المتساقطة على أماكن الصلاة داخل المسجد.

وأثارت صور العنف الشرطي الإسرائيلي المفرط ضد الفلسطينيين انتقادات حادة من أعضاء متعاطفين في الكونجرس الأمريكي ومن الحكومة الأردنية التي كانت تسيطر على القدس الشرقية حتى عام 1967.

كما دفعت هذه الصور بالجناح المسلح في حركة حماس، التي تحكم قطاع غزة، إلى توعد إسرائيل بأن الحركة “لن تقف مكتوفة الأيدي”، وأن “العدو سيتكبد ثمنا فادحا” ما لم يتم وقف الإجراءات ضد سكان “الشيخ جراح”.

على الناحية الأخرى، يؤكد اليمين الإسرائيلي أن السكان الفلسطينيين متجاوزون، وأن الحي المقام إلى جانب “مقبرة سمعان العادل”، كان يهوديا حتى عام 1948.

وقد أعربت الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي عن قلقهما إزاء ما يجري. ودعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جالينا بورتر، الطرفين في بيان إلى “التزام الهدوء، وخفض حدة التوترات، وتجنب المواجهات العنيفة”.

فلسطين حي الشيخ جراحوحاولت الحكومة الإسرائيلية التقليل من شأن الصراع، حيث وصفته بأنه “شأن خاص بين العائلات العربية التي انتقلت إلى الحي في خمسينيات القرن الماضي، ومجموعات المستوطنين الذين قضت لهم المحاكم الإسرائيلية بأنهم الملاك القانونيون لهذه المنازل”.

وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان لها  إن “السلطة الفلسطينية والإرهابيين الفلسطينيين يعرضون نزاعا عقاريا بين أطراف خاصة كقضية قومية للتحريض على العنف في القدس”.

وشهد حي “الشيخ جراح” احتجاجات أسبوعية مصغرة على مدى سنوات، لكن الصراع تفجر خلال الأيام الماضية مع اقتراب موعد إصدار المحكمة العليا حكمها.

ويأتي التصعيد على خلفية تصاعد التوترات في القدس. ففي الشهر الماضي، فرضت الشرطة الإسرائيلية قيودا على التجمعات في ميدان عام في القدس الشرقية، ما وسع من نطاق الاحتجاجات والتظاهرات هناك. وبعد ذلك، نظم متطرفون يمينيون إسرائيليون مسيرة في وسط المدينة، ورددوا هتاف “الموت للعرب”، وسط هجمات من قبل جماعات يهودية وعربية.

وزاد تأجيل الانتخابات الفلسطينية مؤخرا من الإحباط العربي، وتفاقم التوتر بسبب فراغ السلطة في إسرائيل – التي لا توجد بها حكومة دائمة بعد انتخابات غير حاسمة في مارس – ونشوب عدة معارك بالأسلحة النارية في الضفة الغربية خلال الأيام الماضية.

فلسطين حي الشيخ جراحاستراتيجية للهيمنة اليهودية

ويعود الخلاف على حي “الشيخ جراح” إلى القرن التاسع عشر، عندما كانت فلسطين التاريخية تحت الحكم العثماني، حيث اشترى اثنان من الصناديق اليهودية جزءا من هذا الحي من ملاكه العرب في عام 1876.

وفي حرب 1948، استولت الأردن على المنطقة إلى جانب بقية القدس الشرقية، وبنت عشرات البيوت هناك لتسكين بعض من مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا مما أصبح إسرائيل.

وفي عام 1967، استولت إسرائيل على المنطقة، وضمت القدس الشرقية، وأعادت في وقت لاحق ملكية البيوت في حي “الشيخ جراح” إلى الصناديق اليهودية، التي باعتها إلى مجموعة من المستوطنين اليمينيين، والتي حاولت إخلاء السكان الفلسطينيين منذ ذلك الحين.

وتقدر حركة “السلام الآن” التي تروج لحل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني يسكنون حوالي 200 منزلا في مناطق استراتيجية بالقرب من المدينة القديمة يواجهون خطر الإخلاء، بينما يقبع 20 ألف منزل فلسطيني في جميع أنحاء المدينة تحت خطر الهدم.

ويقول الفلسطينيون والمدافعون عن حقوق الإنسان أن عمليات الإخلاء تمثل جزءا من استراتيجية أوسع لتعزيز الهيمنة اليهودية على القدس الشرقية، التي يأمل الفلسطينيون أن تكون عاصمة لدولة فلسطين في المستقبل.

فلسطين حي الشيخ جراحوتحدد الخطة العمرانية الرئيسية التي نشرتها السلطات في القدس في عام 2004 بوضوح هدفا يتمثل في إبقاء النسبة العربية من سكان المدينة عند 30%. وعلى أرض الواقع، ارتفعت هذه النسبة إلى ما يقرب من 40%.

واليوم يختلف قادة المدينة بشأن ما إذا كانت عمليات الإخلاء ترقى إلى مستوى استراتيجية تغيير ديموغرافي. في هذا السياق قال نائب رئيس البلدية، السيد كينغ، “بالطبع، إنها جزء من استراتيجية أكبر لتسكين طبقات من اليهود في جميع أنحاء القدس الشرقية”. وأضاف أن هذه السياسة “هي السبيل لضمان مستقبل القدس كعاصمة إسرائيلية للشعب اليهودي”.

ويعتبر الفلسطينيون ومناصروهم عمليات الإخلاء ـ إلى جانب القيود على تصاريح البناء، التي تجبر السكان الفلسطينيين في القدس إما على مغادرة المدينة، أو بناء مساكن غير قانونية تقبع طوال الوقت تحت خطر أوامر الهدم ـ شكلا من أشكال التطهير العرقي.

وقال متحدث باسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، روبرت كولفيل، إن عمليات الإخلاء “تمثل انتهاكا لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي” الذي يحظر النقل القسري للسكان من الأراضي المحتلة.

وفي حال قضت المحكمة لصالح  اليهود، يبقى السؤال عما سيحدث للسكان الفلسطينيين، الذين يمكن أن يواجهوا إجراءات الإخلاء في أقرب وقت. ويسمح القانون الإسرائيلي لليهود باستعادة ملكية الأراضي التي أخلوها في عام 1948، في حين ينكر هذا الحق على الفلسطينيين الذين فروا في نفس الحرب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باتريك كينجسلي ـ رئيس مكتب صحيفة نيويورك تايمز في القدس، ومؤلف كتاب The New Odyssey (الأوديسة الجديدة) عن أزمة اللاجئين الأوربيين، إلى جانب كتب أخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock