روحٌ على منضدة
وماذا سيتبقى مني إذن ؟
أخذتم خمس قِرَبٍ من الدماء
دهنتم بها وجوهكم
لما كنتم تزحفون خلفَ الحكايات الداكنة
و عدة شرايين
كي تربطوا الشيطان من ساقيْهِ كلما تمرد أو صرخ
وعظاماً تضربون بها على وجه الميت
علَّهُ يعودُ يركضُ في البرِّية..
ما الذي سيبقى إذن يا أخوتي؟
لساني الذي اعتاد على الرعشة حتى نشفَ
وفركتهُ الطفلةُ وغسلت يديها ونامت
أم عيوني التي كان العمى يصطادها كل بهجةٍ
حتى لم يعد الطائرُ ينقرها أعلى التل..
لن يظل على المنضدةِ إلا روحي
هذه الهائمة في الصناديق وفي المعاطف..
في القمامةِ و فوق سطح البحر..
المدفونةِ تحت الظلالِ في المقابر..
والتي تبحث عنكِ
كلما زَفَرت الريحُ
أو تبسَّمت السماء..
———
” الحكمةُ تتمشى من هنا لهناك”
كانت تسير على مهل
تحمل تاريخها في صندوقٍ عليه صَدَف
تاريخها كله.
و كلما مرت أربع ثوان
تأخذ من الصندوق ابتسامة
تلصقها على وجهها.
القارب أمامها بالضبط.
ستمشي على خط مستقيم
لن ” تُحَوِّدَ ” هكذا أو هكذا
فتصل إلى قلبه.
على الضفة الأخرى
حفظوا لها حياةً أخرى
قالوا لها برقَّةٍ:
– مدام اعتدال
لابد أن تنسِي بيتك
القديم
البيت المهدم
الذي يُشوه المكان..
صار منفعةً عامة
و لا بد أن تضحي لأجل المجموع..
المجموع
الذي هو أحفادك البررة
الذين رسموا لكِ حياةً رائعة
تناسبك
هم تأكدوا من ذلك.
تناسبك تماماً يا مدام .
هناك أخوة لك
فيهم شَبَه منك و اللهِ-
سيحبونك بالتأكيد
وقد تحبين منهم رجلاً طيباً
لا يزال “ماسك نفسه ”
هيا
هيا يا جميلة…
…………..
المدام وافقت
هي دائماً توافق.
لكنَّ قلبها
الشيء الوحيد الذي مازال
شقياً
تجرَّأَ وفرضَ شرطاً
شرطاً بسيطاً جداً:
فقط
ألا يبدأوا الهدم إلا
بعد أن تمضي
بعد أن تغيب.
قلوبهم هم
بعثت رياحاً
بحرفيةٍ عالية
فوقع الشجر.
عندما رأت بخلفها
ما كان،
ابتسمت بطبيعية
لأنها توقعت الأمور
ولأن الأبناء
دائماً يخطئون.
لذلك قررت أن تقسو عليهم
بعض القسوة فيه علاج.
ستطلبُ من عمرها
أن يركب قاربهم
ليبتسموا
ثم يأخذ حياتها
برفقٍ
لتبتسم هي…
” حكايةُ الغريب “
ما زلتُ طيباً يا صديقتي فلا تبتعدي
كلُ الحكايةِ أنني أصبحتُ أُدخِّنُ أكثر من ذي قبل
و أنني في الأعيادِ أَلِفُّ سيجارةً محشوةً
لأنحتَ ضحكتكِ على واجهة المحلات..
و أنني من ساعةِ أن سكَنْتُ في الدور السابع
أصبحتُ أسهرُ في الشرفةِ حتى لو كانت تمطر
وأرسمُ كلَ خيالٍ يتحرك خلف النوافذِ
امرأةً جميلةً تستحمُّ
امرأةً عارمةً تشبهكِ..
أنا كذلكَ يا أختاهُ لا أقولُ الحقيقةَ هذهِ الأيام
وكثيراً ما أقسمُ بحبكِ كاذباً
وألتصق بنساء الباص لأتذكر جحيمكِ السريع
وأُصَلِّي بغير وضوءٍ
كلما يكفيني ماؤكِ ..
هل يكفي ما ذكرتهُ لأن يجعلكِ تراقبينَ الهالات
السوداء تحت عيني
وتقولينَ إنها تزيدُ بشكلٍ مرعب
كلما خَبَّأتُ عنكِ حلماً…؟!
وتسحبينَ كفَّكِ من كَفِّي
لأن يديَّ صارتا لا تكُفَّانِ عن الارتعاش
أمام صورتكِ؟
هل نسياني اسمكِ دائماً وقَوْلِي إن الشامةَ
التي في الفخذِ الأيسر ضالةٌ،
ومكانها الصحيح بجوار عضوكِ
يعني أنني أصبحتُ قاتلاً مأجوراً
أو مغتصباً هارباً
أو جاسوساً؟
هل يَدُلُّ الشَوْكُ الذي يزدادُ في صحراء صدري
على أن الرائحة المختبئة في أعطافي
هي عطر أرملة الدور الأخير؟
يا ست الهوانم، يا حبيبتي الغالية..
شَعْري الذي يزدادُ بياضاً من بعد كل قبلةٍ
دليلٌ على طيبة القلبِ القديمةِ ، حبيبتكِ
و نظرتي
الزائغةُ
يقينُ حضنكِ الحامي
من زحف
الذئاب…
……
ملامحُ منثورةٌ على السّجاد
ظِلٌ ثقيل
تقبَّلي أيتها الروح شكرنا
وعرفاننا الصادق
لكل مَنْ يموت في الجدران منذ الأزل
ويعود يبتسم كل حين..
صورةٌ ثرثارة
في الأراضي الشاسعة، روحي تَبُصُّ
ترسم سماواتٍ ومقاديرَ وصُدَفْ
ثم تنكمشُ
وتنكمشُ
حتى يَصُرُّها القتيل تحتَ
قلبهِ
ويشبهُ صورتَهْ..
بلا يقين
غادَرَتْنِي يدي بعد مصافحتِك
وانكسر فكي من كثرة ترديد اسمِك..
دفنتُ عظامكِ فسقطت عظامي
ولَمَّها الحفَّار في صندوقهِ…
كلما دهستُ ظلّكِ
أصيرُ شبحًا
وكلما لحستُ جسدكِ الهاربِ
يطولُ لساني
ويعود حيةً، تجوسُ
بلا
يقين…
جناحٌ محترق
أنشرُ مسبحتي في الشمس
ليسقطَ
الراقصون
وأكبُّ ماءً ولهثًا
لتنمو تحت بيتي حديقةٌ
كلما أحرقتها الحروبُ
تمسحُ على عَيْني
فأُبصر..
كالطائرِ الغريق
أُغطِّي الكوبَ بكفّي
كي يتخلل الدخان أصابعي
ومعه ضحكتكِ الأخيرة
التي تطير بين زهور الغرفة
وتنقش روحكِ على جِلْدي..
لكنَّ الكوبَ الماكر
يحبس حريقَهُ بالداخل
كأنكِ أنتِ
كلما ضحكتِ ولوَّحْتِ لهم
وأنا عالِقٌ في صدركِ
كالمجذوبِ
أو كالطائر الغريق..