رؤى

اليسار الأمريكي.. نشاط متزايد في السياسة الخارجية (2 ـ 2)

عرض وترجمة: أحمد بركات
يبدو أن القمع الإسرائيلي في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة مثل نقطة تحول بامتياز نحو اندماج أكثر منهجية في السياسة الخارجية في أجندة اليسار. وكما ألمح كثيرون، فإن مشهد مهاجمة القوات الإسرائيلية لللمحتجين الفلسطينيين، بما في ذلك داخل الحرم القدسي، والحملة الإسرائيلية لإخلاء المنطقة من سكانها الفلسطينيين لصالح المستوطنين اليهود جعلت هناك مقارنات كثيرة بين ما يقترفه الإسرائيليون بحق الفلسطينيين من جانب وما اقترفته أميركا بحق محتجي حركة “حياة السود مهمة” في هذا الصيف من جانب آخر.

وبدأ اليساريون الذين يستمتعون بالتشكيك في التقاليد السياسية الراسخة وإثارة قضايا العرق وعدم المساواة الاقتصادية في عمل شيء ما في هذا السياق.

وينتقد حاليا النشطاء، والمسؤولون المنتخبون المرتبطون باليسار، الصهيونية، ويشيرون إلى إسرائيل باعتبارها “دولة فصل عنصري”. في هذا السياق غردت عضوة الكونغرس ألكساندرا أوكاسيو كورتيز أن “دول الأبرتايد (الفصل العنصري) ليست دولا ديمقراطية”، في تحد سافر للسردية التي تقدم إسرائيل باعتبارها الحليف الديمقراطي الوحيد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

محاولات الفلسطينيين لاختراق جدار الفصل العنصري
محاولات الفلسطينيين لاختراق جدار الفصل العنصري

وقبل هذا بوقت ليس بالطويل، كان هذا التوصيف للدولة العبرية مرفوضا تماما، حتى من قبل الديمقراطيين في الكونغرس، باعتباره “معاداة للسامية”.

وأكد البعض أن النظر إلى العنف الإسرائيلي من منظور العنف العرقي والشرطي في الولايات المتحدة يمثل خلطا غير قانوني بين الشؤون الخارجية والمحلية. ولكن تبقى الفكرة الواقعية في التعامل مع المساحات السياسية الدولية والمحلية باعتبارها فضاءات منعزلة وغير قابلة للاختلاط بطبيعتها ليس محل إيمان من قبل الجميع. فالأمميون الليبراليون والمحافظون الجدد يؤيدون مبدأ نشر الولايات المتحدة لقيمها بالقوة. كما أن الدعم الأميركي لإسرائيل يرجع في جزء كبير منه إلى الأيديولوجية الدينية للصهيونية المسيحية.

منذ حقبة الحرب الباردة قام الصقور الديمقراطيون برسم ملامح السياسة الخارجية الديمقراطية في الولايات المتحدة، ولكن القلق ظل يساورهم من أن تنظر الجماهير الأميركية إلى حزبهم على أنه ضعيف على مستوى الدفاع.

وعلى مدى الفترات الرئاسية الأربعة التي قضاها الرئيسان بيل كلينتون وباراك أوباما في سدة الحكم، لم تؤل قيادة البنتاغون إلى وزير ديمقراطي سوى على مدى أقل من خمس سنوات من إجمالي ستة عشر عاما. ولم تظهر حركة سياسة خارجية منفصلة بالكامل إلا من أجل معارضة حرب العراق، لكنها تلاشت بعد ذلك إلى حد كبير بعد انتخاب باراك أوباما.

وفي خلال ولايتي الرئيس أوباما (2008 ـ 2016) كانت القيود النسبية التي حاول الرئيس فرضها تقابل في الغالب بشجب واستنكار من قبل الجمهوريين والقادة الديمقراطيين الصقور في الكونغرس، ومؤسسة السياسة الخارجية الأميركية، وحتى وسائل الإعلام الرئيسية.

أوباما
أوباما

وأصبحت عبارة “القيادة من الخلف”، التي نتجت، على سبيل المفارقة، من تدخل أوباما في ليبيا، تجسيدا لما اعتبره المنتقدون شكلا من أشكال “الجبن”، ونوعا من أنواع “عدم الإيمان بأميركا”، وانصياعا لمنافسيها، وانهزامية في مواجهة التراجع النسبي للقوة الأميركية.

لكن انتخاب دونالد ترمب، الذي انتقد نخب السياسة الخارجية أثناء حملته الانتخابية، أثار قلق هؤلاء المنتقدين الذين افترضوا الحصول على دعم قوي من الجمهور الأميركي. والآن أصبحوا محل انتقاد حتى من قبل الجمهوريين الذين أعربوا عن سخريتهم منهم. وستصبح هذه الجهود لتوحيد الصفوف وراء الوضع الراهن في الترتيبات الأميركية في الشرق الأوسط محل شك فيما من هذه اللحظة فصاعدا.

يبقى من غير الواضح مدى نجاح اليسار في التأثير في إدارة الرئيس بايدن. فبينما يتم وضع بايدن في الغالب على أنه جزء من المؤسسة الديمقراطية، إلا أن سياساته الاقتصادية الأولى، وبعض اختياراته، مثل وزير الداخلية ديب هالاند، وعدم اختياره رام إيمانويل، كل ذلك تم تأويله على أنه إشارة إلى رغبة بايدن للنظر في أولويات اليسار وتفضيلاته.

بايدن
بايدن

لكن الرئيس بايدن سياسي حزبي في الأساس. وهو ينظر إلى الحزب السياسي باعتباره أداة سياسية يتحقق من خلالها نجاح السياسة العامة في السياسة الأميركية. وهو بالتأكيد محافظ إلى درجة تجعله بمنأى عن تبني الميول اليسارية في السياسة الخارجية، لكنه ـ في الوقت نفسه ـ يثمن الوحدة الحزبية ولدية شهية لضرب اليسار أو “لحظات الأخت سولجاه” التي نظر إليها السياسيون الديمقراطيون في التسعينيات على أنها ضرورية لتحقيق النجاح السياسي. ومن ثم، فإن فكرة أن بايدن ينظر إلى اليسار باعتباره جمهور ناخبين يجب المحافظة عليه، على أقل تقدير، تحمل في طياتها مبشرات بشأن احتمالات تأثير هذا التيار.

ولم يتضح بعد ما إذا كان اهتمام اليسار بحزمة من قضايا السياسة الخارجية الكبرى سيتطور إلى رؤية واضحة للسياسة الخارجية تنافس على المسرح الوطني، لكن ما لا يمكن إنكاره هو تزايد اهتمام اليسار بالسياسة الخارجية. وفي بلد تعاني فيه السياسىة الخارجية من حالة قصوى من عدم الاهتمام، فإن هذا الاهتمام يمكن أن يصبح محددا جديدا للخطاب العام. وقد حدد كثير من المفكرين اليساريين الأميركيين ما يتببغي أن تكون عليه السياسة الخارجية الأميركية، كما أن أفراد من شاكللة السيناتور بيرني ساندرز مهيأون للقيام بدور القيادة في هذا الصدد. ومن المرجح أن تكون المعركة المحتملة للسياسة الخارجية الشرق أوسطية، والمتمثلة في مصير الدبلوماسية النووية المتجددة مع إيران، وشيكة ويمكن أن تقدم اختبارا مهما للتعاون بين اليسار والإدارة.

(انتهى)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock