ثقافة

استقالة ويست تكشف عنصرية هارفارد

صباح الثلاثاء الماضي أعلن البروفسير “كورنيل ويست” على صفحته على موقع تويتر، استقالته من جامعة  “هارفارد” متهما إدارة الجامعة بالعنصرية واحتقار أصحاب البشرة السوداء، وأضاف “ويست” أن معايير الجامعة لا علاقة لها بالمعايير الأكاديمية، كما أشار إلى أن “هذا النوع من المهنية الأكاديمية النرجسية، والإذعان الجبان للتحيزات المعادية للفلسطينيين الصادرة عن إدارة هارفرد… تشكل إفلاسا فكريا وروحيا عميقا”.

وكانت إدارة الجامعة قد وعدت بتثبيت “ويست” في منصبه الجامعي، ثم تراجعت بسبب ضغوط مورست عليها، على حد زعمه؛ مؤكدا “أن نقده لإسرائيل هو السبب الرئيس لعدم منحه منصبا ثابتا في الجامعة”.

يذكر أن “ويست” البالغ من العمر 68 عاما هو مفكر ديمقراطي بارز و مثير للجدل.. تخرج بامتياز مع مرتبة الشرف في جامعة هارفارد وحصل على الماجستير والدكتوراه في الفلسفة من جامعة برينستون. ثم قام بالتدريس في معهد الاتحاد اللاهوتي، وجامعة ييل وبرينستون وجامعة باريس ثم هارفارد لكنه اضطر للمغادرة عام 2002 بعد خلاف مع مديرها في ذلك الوقت “لورنس أتش سامرز”. ثم قبل “ويست” بالعودة عام 2017 بعدما حصل على منصب غير ثابت كأستاذ ممارس للفلسفة العامة”… ولـ “ويست” العديد من المؤلفات- نحو19 مؤلفا- بالإضافة إلى 13 كتابا قام بتحريرها.

ويركز “ويست” وهو ابن قس معمداني، على دور العرق والجنس والطبقة في المجتمع الأمريكي والوسائل التي يتصرف بها الناس ويتفاعلون مع “شروطهم الراديكالية”. وهو يصنف كديمقراطي راديكالي واشتراكي ديمقراطي.. إذ يستمد مساهماته الفكرية من تقاليد متعددة، بما في ذلك المسيحية، والكنيسة السوداء، والماركسية، وما يعرف بعلم الأنساب البراغماتية، وفلسفة التسامي.

شارك “كورنيل” في حركة “حياة السود مهمة” واعتقل في “فيرغسون” عام 2015، لكن نشاطه لم يتوقف في التضامن مع الجماعات والمجتمعات الدينية الملتزمة بالعدالة من أجل الحفاظ على إرث مارتن لوثر كينغ ومالكوم إكس وإيلا بيكر ودو بويز وفريدريك دوغلاس وإيدا ويلز.. وكان آخر كتبه عن هؤلاء الستة إذ حاول بناء نظرية جديدة حول رؤيتهم الثورية. ومن بين أكثر كتبه تأثيرا كتاب: “مسائل العِرق1994. وكتاب “مسائل الديمقراطية” 2004.

احتجاجات حياة السود مهمة
احتجاجات حياة السود مهمة

كما اعتبر “ويست”  صوتا صريحا للتوجه اليساري في الولايات المتحدة، وعُرِف بتوجيه الانتقادات اللاذعة لأعضاء الحزب الديمقراطي، بمن فيهم الرئيس الأسبق   باراك أوباما وهيلاري كلينتون.

وكان “ويست” قد أعلن في 2017، عن قناعته التامة باقتراب تحقق نبوءة “جيبون” عن سقوط الإمبراطوريات وأنها قد بدأت في التحقق بالفعل، وأن الإمبراطورية الأمريكية في طريقها إلى الاضمحلال والسقوط، وأضاف أن القوى المهيمنة آنذاك ستتحكم فيها الكراهية والبغض والسخط ومعاداة الأجانب والكراهية ضد اليهود وضد العرب ومعاداة الفلسطينيين”.

مخالفات وضغوط وفوضى وعنصرية في هارفارد

وقد ضمّن “كرونيل” في نص استقالته ما يشير إلى استشراء حالة من التدهور والانحطاط في جنبات كلية اللاهوت التي كان يعمل بها في هارفارد بالإضافة إلى سيطرة الفوضى بشكل كامل على المقررات الدراسية؛ ما أصاب المدرسين الموهوبين بخيبة أمل، وأشاع الارتباك والتخبط بين صفوف الطلاب.. لكن “ويست” لا ينكر وجود حالات جيدة تبعث على الأمل لكن ما قيمة ذلك في أجواء يخيم عليها ظل ” جيم كرو” “يقصد قانون الفصل العنصري” ، بينما لا تنشغل إدارة الجامعة إلا بالمظاهر الخادعة ذات المضمون السطحي عن الاختلاف والتنوع.. وأضاف ” إن جامعة هارفارد تعيش حالة من الاضمحلال والتعفن الروحي”.

كان “كرونيل ويست” قد دعا إدارة الجامعة لسحب استثماراتها من الشركات المتواطئة مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وقد قدرت هذه الاستثمارات بنحو 200 مليون دولار.. لكن الرد كان بالتمييز ضده ومنحه أقل زيادة سنوية في الراتب بين نظرائه.. في ظل تخلٍ تام من زملائه داخل الجامعة، حتى أنهم رأوا في تعزيته في وفاة والدته أمرا من الممكن أن يثير غضب إدارة الجامعة فلم يصل للرجل سوى بطاقتي عزاء فقط من زملائه.. بعد خرقه المتكرر للـ “تابو” الذي يحظر الحديث عن حقوق الفلسطينيين في الدوائر الأكاديمية العليا في هارفارد.

وإزاء ما تضمنه نص الاستقالة من العديد من التهم؛ قال المتحدث باسم كلية الإلهيات بجامعة هارفارد “جوناثان بيزلي” إن الجامعة لا تعليق لديها على رسالة البروفسور “ويست”.

بيان إدانة من أساتذة هارفارد للممارسات الصهيونية بحق الفلسطينيين

لكن الإنصاف يقتضي القول أن هذا الـ “تابو”  الموجود داخل هارفارد الذي تحدث عنه ويست والذي يحظر الحديث عن حقوق الفلسطينيين قد تم تحطيمه من جانب أساتذة “هارفارد” الذين أصدروا بيان تضامن مع الشعب الفلسطيني في الأحداث الأخيرة. وقد أدان الأساتذة في بيانهم جميع أشكال العنصرية والعنف والاستعماري كما اعتبر البيان أن دعم الولايات المتحدة المالي والعسكري والسياسي الثابت لإسرائيل أدى إلى تنامي نظام الفصل العنصري وإضفاء الطابع المؤسسي على سياسات الهيمنة والقمع للفلسطينيين.

جامعة هارفارد
جامعة هارفارد

كما ورد في البيان أن ما تقوم به إسرائيل من طرد للفلسطينيين من حي الشيخ جراح في القدس والعنف في المدن داخل الخط الأخضر، ومساعدة الشرطة الإسرائيلية لجماعات اليمين المتطرف في هجماتهم على الفلسطينيين، والقصف المتكرر لقطاع غزة، ومحاولات نزع ملكية الفلسطينيين، كل ذلك وغيره يعد بمثابة  استمرار لسياسات غير قانونية ترتكبها قوات الاحتلال منذ عقود.

وجاء في نص البيان “…منذ عقود يُحرم الفلسطينيون من الحرية وتقرير المصير والمقاومة والدفاع عن النفس من قبل دولة وجيش، وهي سياسات تجرمها القوانين الدولية، وهذه السياسات الإسرائيلية مدعومة من أميركا رغم أن إسرائيل قوة نووية تواصل اعتداءاتها العنيفة على المدنيين دون عقاب”.

وفيما يتعلق بالحريات الأكاديمية؛ انتقد البيان اعتبار النقد الأكاديمي لانتهاكات الحقوق الفلسطينية معاداة للسامية، كما تطرق إلى استمرار التضييق على حقوق انتقاد عدوانية إسرائيل بشكل متزايد في حين لا تتوفر الحرية الأكاديمية والحقوق التعليمية الأساسية للطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الفلسطينية، كما أن حقوق الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية مقيدة بشدة.

كورنيل ويست وسط أنصاره
كورنيل ويست وسط أنصاره

التمييز ضد الأسيويين في إجراءات الالتحاق، وسياسة “التوازن العرقي”.

ومما تجدر الإشارة إليه أن جامعة هارفارد التي تحتل دائما المرتبة الأولى في ترتيب أفضل جامعات العالم- قد تعرضت مرارا لاتهامات تتعلق بممارسات عنصرية تقوم بها إدارة الجامعة بحق غير البيض، وكان أشهر هذه الاتهامات ما تعلق بالتمييز ضد الأمريكيين من ذوي الأصول الأسيوية.. وصل الأمر إلى رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية في “بوسطن”.  وقد صرّح الناشط  الحقوقي “إدوارد بلوم” أن هارفارد تورطت بشكل غير مشروع فيما يسمى “بتوازن الأعراق”، الذي يحد بشكل مصطنع من عدد الأميركيين من أصل آسيوي بالجامعة.

وقال المحامي آدم مورتارا في كلمته الافتتاحية أمام المحكمة أنه “…حتى الإحصاءات تظهر أن أداء المتقدمين من الأميركيين الآسيويين أفضل من غيرهم بالمعايير الأكاديمية، لكن ذلك لم يؤخذ بالضرورة في الاعتبار”.

وأضاف “مورتارا”: “إن هارفارد تقلص الدرجات التي يحصل عليها الأميركيون من أصل آسيوي في “التقييم الشخصي”، التي تقيس مدى إيجابية المتقدم وذاتيته وقبوله، وتسمح للأصل العرقي بأن يلعب دورا في هذه الدرجات، واعتبر أنه “ليس هناك تفسير آخر”.

وكان موقف إدارة الجامعة ضعيفا أمام قوة هذه الاتهامات فلم يقدم الدفاع ما ينفي تلك الممارسات العنصرية شبه الممنهجة التي تقوم بها إدارة الجامعة.. وكانت إدارة “ترامب” قد سحبت منذ نحو عام توجيهات أُقرت خلال حقبة الرئيس السابق “باراك أوباما” تقضي بمنح إرشادات للجامعات لمكافحة التمييز في التعليم بالولايات المتحدة،  وانطلاقا من ذلك ناقش تقرير “وول ستريت جورنال” التمييز في جامعة “هارفارد”.

ومن المرجح أن تخضع إدارة هارفارد لمراجعات قانونية من حين لآخر للتأكد من عدم استمرارها في ممارسة هذه المخالفات، خاصة فيما يتعلق بإجراءات الالتحاق.. ويبدو أن تلك الإجراءات القانونية لن تكون كافية لأن الامر يستلزم إحداث تغيير حقيقي في العقلية الأمريكية التي ما زالت تعاني أمراض الاستعلاء وأعراض الصلف والغرور وأوهام تفوق الرجل الأبيض.. وكأنها ما تزال تراوح في المربع الأول رغم مرور كل تلك السنوات.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock