ثقافة

الجنة المفقودة: بحث عن الحب والسعادة

” إننا نتغير كل يوم بتغيّر حاجتنا وحالتنا ومراحل عمرنا المختلفة”..هذا ما يجيء على لسان الراوية في رواية الجنة المفقودة للكاتبة لوتس عبد الكريم الصادرة حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة.

هنا تود الكاتبة أن تبعث برسالة إلى قارئيها تقول لهم فيها إننا ” نستطيع أن نصنع الحب إذا أردنا ” وفي استطاعتنا كذلك أن نخلق السعادة وإن لم تكن توجد.

في جنتها المفقودة تريد لوتس عبد الكريم أن تقول أيضًا إن المظاهر نادرًا ما تدوم، وإنها تتغير، وغالبًا ما تكون خادعة، وعكس الحقيقة تمامًا، وفي الجنة المفقودة ثمة بحث عن الحب والسعادة، لأنهما لا حياة بدونهما، وإن كانت هناك حياة فهى بلا معنى، بل تصيب بالإحباط وعدم الرغبة في فعل أي شيء، إنها حياة لا لون ولا طعم ولا رائحة لها. كما تريد أن تؤكد الرواية أن المستحيل ينعدم وجوده في ظل وجود رغبة وإرادة قويتين.

هنا نجد من تبحث عن الحب، كما نجد الانتهازي الذي يريد أن يطفو على أكتاف الآخرين، مخادعًا إياهم ومُظهرًا لهم عكس ما يخفيه عنهم.

لوتس عبد الكريم
لوتس عبد الكريم

نسبية الأشياء

الرواية التي تبحث بطلتها عن الحب، عن إنسان يبادلها المشاعر والأحاسيس، تنتقد الضعف والاستكانة، كما تنتقد الساديين الذين يسعون جاهدين لتعذيب الآخرين، وتقر نسبية الأشياء قائلة إن أي علاقة بين اثنين بينهما هوة عميقة في التفكير لن تكتمل، بل ستبوء بالفشل حتمًا مهما حاول طرفاها أن تنجح، وأن الألم النفسي أشد وأقسى من الألم الجسدي.

بطلة الرواية هنا تعيش حياة صعبة تحيط بها مفردات العيب والحرام وتخنقها المحظورات حتى تكاد تفر من حياتها.

كذلك تريد الرواية أن تقول إن الشرف ليس عدم التفريط في جزء خاص من الجسم، بل هو مسألة تخص النفس والجسم معًا، وتتعلق باحترام النفس.

هنا أيضًا نعرف أن الحب والسعادة والدفء والحنان والصدق والأمان أمور ليست مرتبطة بالمكان حسب بساطته أو بذخه، فقد نجدها جميعها في غرفة بسيطة، ونفتقدها ونحن نسكن في قصر فخم للغاية.

نحن هنا إزاء شخصية لم يصادفها الحب، ولازمتها التعاسة والأسى والدموع: تُرانا نستمر في طلب المتعة والانطلاق وراء الآمال ما استمرت الحياة راضين بدفع الثمن كبيرًا كلما كبرت الآمال…أم نجبن ونتراجع ممسكين أيدينا عن المزيد بعد أن خبرنا آلام الإحباط؟

“الجنة المفقودة ”  تقول إنه من الظلم لأنفسنا أن نكمل حياتنا مع أشخاص لا نحبهم ولا نتبادل معهم مشاعر وأحاسيس وإن الحياة التي تجمع بين اثنين لا يربط بينهما الحب ليست سوى جحيم لا يُطاق، فيما الحياة مع من نحب لا تعدلها إلا الجنة ونعيمها، تنتقد مجتمع المال ورجال الأعمال الذي يقوم على السطحية والتفاهة والكذب والرياء والغباء، إنه مجتمع العقول، لا القلوب، والأرقام لا المشاعر والأحاسيس.

جنة مزيفة

الرواية كذلك تقول إننا حين نختلف في تطلعاتنا يصعب أن نلتقي: كان هو يفكر في المال وكانت هي تفكر في الحب، كما ترى أن الحياة لا يمكن أبدًا أن يكون كل عمادها الحب وحده، وأننا لا ندرك المشكلات إلا حين نخوضها ولا نفهم الدنيا إلا حين تُدْبر عنا…

الجنة المفقودة تقول لنا إننا أحيانًا ونحن في طريق البحث عن الحب نفقد كل شيء وقد لا نصل إلى ما نريد الوصول إليه. وفي الأخير ما تؤكده الرواية أننا كثيرًا ما نكون نعيش في الجنة، لكننا لا نعرف بهذا إلا بعد أن نتمرد على عيشنا فيها فنغادرها طامحين إلى جنة نكتشف بعد ذلك أنها مزيفة وليست حقيقية كتلك التي كنا فيها وطردنا أنفسنا منها بأيدينا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock