ثقافة

أحمد الشرقاوي يبحث عن تعريف للجمال

سأل طفل هندي أباه: لماذا يختلف لوننا عن بقية الناس، فأجابه: عندما أراد الخالق أن يُوجد البشر، فإنه صنع عجينة ووضعها لتُخبز، وفي أول مرة وجدها لم تُخبز جيدًا فكان الجنس الأبيض، وفي ثاني مرة تركها فترة أكثر بكثير فكان الجنس الأسود، وفي ثالث مرة كانت فترة خبْزها مثالية فكان جنسنا ولونه.

هذه أسطورة هندية أوردها د. أحمد جميل الشرقاوي في كتابه ” 7 وجوه للجمال ” الصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة. في تصديره لهذا الكتاب يقول د. سعيد توفيق، أستاذ الفلسفة المعاصرة وعلم الجمال، إن هذا الكتاب ينطوي على العديد من القضايا المثيرة للجدل والمشوقة في الوقت ذاته، ولكنه ينطوي على كثير من الحقائق المدعومة بالتجارب العلمية. وهو من هذه الناحية يُعد مفيدًا للدراسات الجمالية الفلسفية بقدر ما يستفيد منه المثقف العام وهذا في حد ذاته يعد تأكيدًا على انفتاح مجالات المعرفة الإنسانية وتداخلها.

7 وجوه للجمال

جمال الشكل

أما المؤلف فيكتب في مقدمته قائلًا إن جمال الشكل يلعب دورًا هامًّا في حياتنا لا نستطيع أن نتجاهله أو نقلل من شأنه، خاصة وأنه كثيرًا ما يصرح في ثقافتنا بأن الاهتمام بجمال الإنسان هو نوع من التفاخر المكروه، لكن الواقع الإنساني ومنذ بدء التاريخ يعلمنا أن جمال شكل الإنسان  كان دائمًا موضع اهتمام البشر في كل الحضارات والثقافات، بل ربما أن جمال الإنسان له دور في تطور الجنس البشري. وكما يذكر أفلاطون، يقول الكاتب، إن غاية كل رجل أن يكون صحيحًا معافًى وغنيًّا بطريقة شريفة وذا شكل جميل.

الكاتب يذكر هنا أن هناك سهام نقد موجهة لمفهوم الجمال قائلة إن الاهتمام بالجمال هو هروب من الواقع، بل هو مراهقة ممتدة ترفض أن نقبل أية عيوب في هذا العالم، وأيضًا فإن جمال الإنسان هو اعتقاد غير واقعي يفرضه ويؤججه المجتمع لضمان سيادة الرجل، أو هو خيال يستخدمه رجال الأعمال من أجل ازدهار أعمالهم. بينما يؤكد الشرقاوي، رغم كل هذه الانتقادات، أن الجمال كان وما زال محط اهتمام كل من يستطيع أن يرى، كما لا يمكن إنكار دوره الاجتماعي والنفسي، بل من الأوقع أن نقول إن الصناعة والإعلام يقتصر دورهما على تغذية ما يشعر به الناس ويريدونه.

لوحة فينوس وأنشيس، لـ ويليام بليك ريتشموند
لوحة فينوس وأنشيس، لـ ويليام بليك ريتشموند

النمط الجمالي

في تصديره أيضًا يقول توفيق إن التنوع والتعدد، ومن ثم الاختلاف في النمط الجمالي في الشكل الإنساني وفي غيره من أشكال الجمال الطبيعي هو حقيقة لا شك فيها، لأنها مرتبطة بالتنوع والتعددية الثقافية عبر العصور.

أما جميل الشرقاوي فيطرح هنا أسئلة عديدة منها: ما هو جمال الإنسان؟  وما هو تعريف الجمال؟ وما هو مفهومه؟ وما هو الشعور بالجمال؟ ذاكرًا أن هذه الأسئلة لا تزال الإجابة عنها موضع بحث وموضع خلاف واختلاف بين المثقفين والفلاسفة.  هذا الخلاف، يقول المؤلف، كان دافعه للبحث والقراءة والتأمل في هذا الموضوع لسنوات طويلة. ما يكتبه هنا الشرقاوي أن شعورنا بالجمال له أصول بعيدة تعود لتطور الإنسان البيولوجي وكيف أن تصوّرنا عن الجمال تنوع بتأثير البيئات والثقافات المختلفة عبر التاريخ. كذلك يذكر الكاتب أن جسم الإنسان يمكنه أن يُعاد تشكيله عن طريق وسائل التجميل والملابس، وحديثًا عن طريق الجراحة ليحصل الإنسان على أعلى درجة من الجمال بشقيه الطبيعي والفني.

وذاكرًا قول أرت كوبر: الجمال شيء نسعد برؤياه بالعين، لكنه أيضًا يمس الروح، يؤكد جميل الشرقاوي أن إدراكنا لجمال بعض الأشخاص الذين نراهم في حياتنا هو حدث متكرر نشعر به جميعًا وننفعل به دون حاجة لدراسة أو تدريب، مؤكدًا أن جمال الإنسان له تأثير اجتماعي لا نستطيع تجاهله.

عرض لوحة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" ليوهانس فيرمير في متحف موريتشيس في لاهاي بهولندا
عرض لوحة “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” ليوهانس فيرمير في متحف موريتشيس في لاهاي بهولندا

شعور ذاتي

ما لا يغفله الكاتب هنا هو أن الشعور بالجمال تجربة نعيشها كل يوم، مضيفًا أن الشعور بالجمال هو شعور ذاتي نشعر به ونصفه، ذاكرًا أن بعض المفكرين يقولون إن شعورنا بجمال الإنسان مرتبط بالرغبة الجنسية والتناسل، ويرون أن الشعور بالجمال كان له دور في تطور الإنسان، غير أن شعورنا بالجمال، يقول الشرقاوي، لا يرتبط دائمًا بهذه الرغبة.

ما يثبته الكاتب هنا هو أننا لا نرى جمال الإنسان كجمال طبيعي فقط، بل هناك جمال فني باستخدام الملابس والمكياج، وهناك التعبير بلغة الجسد كالابتسام ونظرة العين وإيماءات الجسد، ولا نستبعد الصوت والكلام وتأثيرهما على الشعور بالجمال. كل هذه العوامل يراها الكاتب هي التي تشكل معًا الجمال الفعلي الذي نشعر به في الحياة اليومية، بخلاف الجمال الموجود في صورة أو تمثال.

وذاكرًا قول دارون: لوأن  كل الناس تشكلوا من نفس القالب ما كان هناك شيء اسمه الجمال، يقول المؤلف إن التنوع الذي نلاحظه على مر العصور ومختلف الثقافات وتعدد أنماط ومقاييس الجمال يعد ضرورة للجمال نفسه، مضيفًا أنه رغم هذا التنوع نجد أن معيار الجمال لم يخرج عن نطاق محدود يتأرجح بين طرفيه دون أن يكون هناك نمط شاذ به مبالعة بعيدًا عن هذا النطاق إلا نادرًا.

لوحة لـ جون بتلر ييتس
لوحة لـ جون بتلر ييتس

انحسار الجمال

مما يقوله المؤلف هنا هو أن كل عصر أو حضارة يتميز بتفضيله لنمط معين من الجمال، وأن انحسار الجمال يمثل عبئًا نفسيًّا خاصة عند المرأة مما يدفعها، بكل الوسائل الممكنة، إلى التزين والرياضة والتغذية الصحية.

أما عن الأمراض التي يتسبب الجمال فيها فمنها النرجسية، والمنافسة في الجمال بين النساء ما يحمّلهن عبئًا إضافيًّا، وهناك الهوس بالنحافة وفقدان الوزن، والقلق والاضطراب والخوف من ذبول الجمال.

وعن تأثير الجمال في مجال الحروب والسياسة والصعود الاجتماعي يقول الكاتب لعل حروب طروادة كانت بسبب الجمال حينما خطف باريس هيلانة التي أسره جمالها الفائق من زوجها لتكون له. وهناك نموذج صارخ لنجاح الجمال في الوصول لأعلى مناصب السلطة في قصة تيودورا التي أصبحت إمبراطورة بيزنطة بعد أن ولدت لعائلة فقيرة.

هنا وفي كتابه الذي يورد فيه ما قاله كلفن كلاين: الجمال الذي أحبه يوجد في الناس الذين يكون جمالهم حقيقيًّا ونقيًّا وطبيعيًّا وغير مصطنع، يكتب جميل الشرقاوي أيضًا عن صناعة الجمال، عن مسابقات ملكات الجمال، وعن جراحات التجميل، ويقول إن عمله كجراح تجميل جعله يدرك كم هي رغبة الإنسان في أن يسعى نحو جمال الشكل، ليس فقط لإزالة التشوهات أو العيوب الخلقية، بل يسعى للجراحة من أجل تحسين الشكل والحصول على الجمال.

وليس هناك خاتمة تليق بكتاب كهذا أفضل مما قاله أفلاطون: إن الحق والخير والجمال ثلاثة أوجه لشيء واحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock