رؤى

هل تستوعب “النهضة” درس الاخوان؟

في مايو من عام 2016، أقرت حركة النهضة التونسية، خلال مؤتمرها العاشر، تغييرات وصفت حينها بالجوهرية، اعتمدت فيها فصل الدين والأنشطة الدعوية عن العمل السياسي والتحول إلى حزب مدني ذي مرجعية إسلامية، واعتبر زعيم الحركة راشد الغنوشي حينها أن «قرارات المؤتمر جاءت تتويجا للمسار السياسي والتطور الدستوري».

الغنوشي الذي جدد أعضاء المؤتمر انتخابه زعيما للحركة آنذاك، قال في كلمته إن «النهضة تكرس بذلك التمايز الواضح بين المسلمين الديمقراطيين الذين هم نحن، وبين تيارات التشدد والعنف التي تنسب نفسها ظلما وزورا إلى الإسلام»، وأضاف أن حركته تطورت من سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم، من «حركة عقدية تخوض معركة من أجل الهوية عندما كانت الهوية مهددة، إلى حركة احتجاجية شاملة تدعو إلى الديموقراطية في مواجهة نظام شمولي، إلى حزب ديموقراطي وطني مسلم متفرغ للعمل السياسي بمرجعية وطنية تنهل من قيم الإسلام، ملتزمة بمقتضيات الدستور وروح العصر».

راشد الغنوشي
راشد الغنوشي

قرارت الحركة التونسية التي بايع قادتها مرشد الإخوان الثاني حسن الهضيبي في موسم الحج عام 1973، أثارت شكوكا لدى المراقبين والمتابعين الذين اعتبروا أن قادة «النهضة»، يحاولون التأقلم مع الأوضاع الدولية والإقليمية الضاغطة، فقرروا «تغيير جلدهم كتكتيك أو كمناورة مؤقتة» إثر الأزمات المتلاحقة التي ضربت الجماعة الأم بعد سقوط حكمها في مصر، ودخول أعضائها في مواجهة مفتوحة مع الدولة وتنفيذ عدد من عناصرها عمليات إرهابية بهدف زعزعة نظام الحكم الجديد.

وإلى جانب ما كانت تمر به جماعة الإخوان في تلك الفترة، هناك عنصر آخر هام دفع «النهضة» إلى اتخاذ قرارات المؤتمر العاشر، فالحركة التي أصبحت شريكا في حكم تونس بعد الثورة، أصبحت ملتزمة بتقديم حلول للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي كانت البلاد تمر بها، واللجوء إلى دول المحيط العربي لدعم الاقتصاد التونسي كان أحد الحلول المطروحة، وكان من المستبعد أن يتم طلب الدعم من الدول الخليجية تحديدا وهي في حالة عداء مع جماعة الإخوان.

وبحكم برجماتية الغنوشي ورفاقه، استجابوا لدعوات رئيس الدولة الراحل الباجي قائد السبسي وأغلب النخب التونسية بضرورة الفصل بين «الدعوي والسياسي» والانفصال عن التنظيم الدولي للإخوان، فضلا عن متطلبات علاقاتهم بدول الإقليم والتى بدا إنها لن تتعاطى مع حكومة يحركها فصيل تتهمه تلك الدول بالإرهاب.

الباجي قائد السبسي
الباجي قائد السبسي

القيادي الإخواني الفلسطيني البريطاني الجنسية عزام التميمي اعترف في مقال له نشره بعد أسبوع من انعقاد مؤتمر «النهضة» العاشر أن قرارات الفصل بين «الدعوي والسياسي»، والانفصال عن الجماعة الأم ما هي إلا عملية «تقسيم أدوار».

وتحت عنوان «فصل السياسي عن الدعوي أم التبرؤ من الإخوان؟»، فسر التميمي الفصل بين «السياسي والدعوي» بأنه «أمر معمول به منذ زمن في بعض الأوساط الإسلامية دون إعلان ولا إثارة، وهو ما تتطلبه قوانين ودساتير كثير من الدول الحديثة، ما يعنيه الفصل تحديدا هو أن من يختار من أعضاء حركة النهضة ولوج العمل السياسي العام فإنه يتخصص في ذلك ولا يجوز له أن يقحم نفسه في مجالات العمل الاجتماعي لأنه بذلك يرهقها ويضر بها، ومن يختار مجالات العمل الاجتماعي لا يقيد نفسه ومؤسسته بتولي مناصب سياسية لها تبعاتها وأعباؤها».

ويشير التميمي إلى أن هذه الفكرة من حيث المبدأ معقولة بل وحكيمة، «لكن تطبيقها على أرض الواقع يحتاج إلى توفر مجموعة من العوامل المهمة وعلى رأسها الالتزام والنزاهة والإخلاص والتجرد وإتقان العمل الذي يختار الإنسان نفسه مجالا له. وأكبر معوق لنجاحها يأتي من داخل نفوس البشر التواقة دوماً إلى الكسب في كل مكان ومن كل شيء. ولا علاقة لهذا المنهج في العمل بتاتاً بالفصل بين الديني والسياسي أو بين الدين والدولة، كما أنه لا علاقة له إطلاقاً بما ذهب إليه البعض من أن الحركة تريد بذلك أن تنأى بنفسها عن منهج فكري أو مدرسة فكرية بعينها».

وأعلن التميمي تفهمه للظروف التي اتخذت فيها قرارات المؤتمر وحرص «النهضة» على حماية مشروعها وتقليص الخسائر التي منيت بها حركات الإسلام السياسي في الوطن العربي في تلك الفترة.

لكن القيادي الإخواني لام على قادة الحركة عدم دعوة إخوان مصر إلى المؤتمر وإعلانهم التبرؤ من الجماعة الأم «كما لو كانت كائناً يحمل جرثومة قاتلة يخشى الناس على حياتهم من انتقالها إليهم»، متسائلا: «هل كان غياب إخوان مصر عن مؤتمر النهضة مقصودا لذاته؟ هل أراد منظمو مؤتمر النهضة إثبات أن الحركة لا علاقة لها بالإخوان؟».

عزام التميمي
عزام التميمي

ووجه التميمي مجموعة التساؤلات إلى قادة الحركة: «ما الذي يجري يا إخواننا في حركة النهضة؟ هل تراه تحديا للسلطة بعد العودة من المنافي؟ هل تراه همس الهامسين في آذان بعضكم في منتديات تعقد هناك وهناك أن غيروا قبل أن تتغيروا وبدلوا قبل أن تستبدلوا؟ هل هو صراع من أجل البقاء، بأي ثمن وبأي شكل؟ وما قيمة البقاء إذا تخلى الإنسان عن أعز ما يملك؟».

الباحث والصحفي التونسي منذر بالضيافي يرى أن «النهضة» استبقت بقرارات مؤتمرها العاشر إعادة إنتاج ما وصف بـ«الزلزال المصري»، قاصدا ما جرى مع إخوان مصر من سقوط وملاحقة بعد عام من تجربة الحكم، وأشار إلى أن الحركة التونسية حاولت عبر الحوار والتفاوض التوصل إلى تحقيق «خروج آمن» من الحكم.

ويعتقد بالضيافي أن إعلان «النهضة» عن مراجعات لم تسبقها لا مقدمات تنظيرية و لا فكرية، أقرب إلى الولادة القيصرية المشوهة، «هي مراجعات هدفها المعلن يتمثل في تأكيد فك الارتباط عن الإخوان، وأن الحركة أصبحت تنظيما وطنيا تونسيا، أما الهدف الأهم فهو المتمثل في تأكيدها على أنها حسمت صراعها الداخلي المتعلق بالفصل بين «الدعوي والسياسي» لصالح الانتقال لحزب مدني وطني.

وفي كتابه «النهضة.. الهروب من المعبد الإخواني»، أشار بالضيافي إلى أن الحركة لم تقطع صلاتها مع «الإرث الإخواني»، معتبرا أن ما أطلق عليه قرار «الفصل بين السياسي والديني»، عملية تكاد تكون مستحيلة، فالجماعات والتنظيمات العقائدية الدينية تربت على «الحياة والموت في سبيل المشروع الرباني النواة».

النهضة.. الهروب من المعبد الإخوانيبالضيافي يؤكد على أن «النهضة» لن تشهد تغييرا كبيرا رغم ما أعلنته من مراجعات وقرارات «كل الشواهد والممارسات تدل على أن النهضة لا تزال جماعة دينية دعوية مغلقة، لعل هذا ما يفسر انحسار التركيبة السوسيولوجية للمنتمين لها التي لا تزال مقتصرة على النواة الصلبة الأولى التي عاشت في السجون، وعاشت على حلم إقامة المشروع الإسلامي الشمولي».

ويتساءل الكاتب: هل سيتنازل الإسلاميون عن مشروعهم الحضاري وعن حلم البدايات في إقامة الدولة الإسلامية، بعد عشريات من المحن، لصالح القبول بالاندماج، والمشاركة في النظام السياسي، الذي ناصبوه طويلا العداء حد التكفير والتجهيل؟

ويعيد بالضيافي ما طرحه التميمي في مقاله من أن «النهضة» أرادت بتنازلاتها تلافي مصير  إخوان مصر وممالأة الواقع التونسي الجديد، «لكنها لن تتمكن من الخروج من قمقم المقولات السلفية الإخوانية.. مهما حاولت حركة النهضة الهروب من المعبد الإخواني ستبقى حدود التواصل والقطيعة مع الجماعة غائمة».

تعاطي «النهضة» مع الأزمة السياسية الأخيرة في تونس، سيكشف هل استوعبت الحركة درس إخوان مصر، وهل ستقدم الحوار والأدوات السياسية للوصول إلى صيغة تفاهم مع الرئيس التونسي، أم سيطغى على أدائها خطاب وتحركات الجماعة «الأصولية الربانية»، فتسقط في هوة سحيقة لتلحق بجماعتها الأم؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock