ثقافة

العقل الإسلامي بين تحديات الواقع ورهانات المستقبل

(قراءة في كتاب العقل الإسلامي عوائق التحرر وتحديات الانبعاث) تأليف عز الدين عناية، صدر هذا الكتاب عن دار الطليعة ،بيروت،عام 2014، وعدد صفحاته 226 صفحة. ويتكون من مقدمة و ستة فصول وخاتمة..

يمثل هذا الكتاب محاولة للإحاطة باشتغال العقل الإسلامي،أكان في تجليه النظري أو في حضوره العملي، ورصد لعوائق تحرره و تحديات انبعاثه، وبالقدر نفسه يشتغل بالسؤال عن الآخر، بالغرب تحديدًا الذي طالما أقضى مضجع الذات وترصدها بالايجابيات و السلبيات مهجوسًا بالغرب،فسطوته ترهقه، وانجازاته طورًا تلهمه و آخر تسلبه عقله. إن علاقة الإسلام بالغرب هي علاقة شد وجذب، ودائما ما يحمل الغرب انطباعات سيئة عن الإسلام و أنه دين انتشر بحد السيف، وأنه  يمثل مثالا صارخا لاستخدام العنف و القسوة في التعامل مع الآخرين. ولكي نزيل هذا الانطباع السيئ من جانب الغرب نحتاج إلى جهد كبير من الحوار و فتح باب النقاش، و تخفيف حدة التوتر، ومحاولة تفعيل آليات الحوار بين الإسلام و الغرب على مختلف الأصعدة وألا تكون هذه الحوارات مجرد جلسات تعقد و تنقضي بدون فائدة ،أو إحداث أي تقدم، لأبد من مواجهة حقيقية للمشكلات التي تعترض سبل إزالة سوء الفهم و النية بين الجانبين. ونحاول تقريب وجهات النظر من أجل بناء قيم إنسانية مشتركة بين الإنسانية،تنطلق من مفاهيم التسامح و نبذ العنف. وأن نعرف مواطن قوتنا و ضعفنا كمسلمين، و نحاول علاج هذه المواطن، و تقديم أفضل الصور تطبيقيا و عمليا عن الإسلام و المسلمين.

ولقد استعرضت مقدمة الكتاب أهم ما يشوب العقل الإسلامي من وجهة نظر المؤلف وهو غياب فعله الحضاري سواء في مفهومه النظري و تجليه العملي (و أنا لا أتفق معه في ذلك فقد كان للعقل الإسلامي إسهامات حضارية لا ينكرها أحد خصوصًا في العصور الوسطى عصور الجاهلية المظلمة في أوروبا ) ويرجع السبب في غياب الفعل الحضاري، أن هذا العقل يسير في نطاق آليات محددة، وينتج فعله في حدود تلك الأنشطة،ومن خلال إمكانياتها، وفي هذا السياق أنه في لحظة البحث عن الانبعاث، يواجه الكيان الإسلامي تحديات عقل يهيمن كونيًا، ويؤثر في تجمعات أخري أكثر ما تفعله فيه، ويسير قدرها طوعا و كرها وفق مراده ألا وهو العقل الغربي، ونتيجة لهذا الموقف يأتي التوليد الحضاري متابعًا و منفعلاً بالعقل المهيمن كونيا([1] ).

ومن هنا نتوصل إلى نتيجة مفادها أنه لا يجري التأسيس و البعث وفق خيارات الذات الحرة المستقلة، بل يحتكم لشروط و مقتضيات ما يولده مسار التدافع الكوني من تصارع أيضا.

عز الدين عناية
عز الدين عناية

ثم يستمر  المؤلف  عز الدين عناية  في عرض أفكار الكتاب و يتحدث عن كيفية تأسيس العقل الإسلامي ويستخدم المنهج السوسيولوجي لفهم ما هو ديني،ومن هنا يشير إلى أنه من الأولويات التي تتصدر أعمال علم الاجتماع في تفرعه الديني مسألة التمازج و التشابك بين التعبيرات الثقافية الاجتماعية المتعددة للإسلام. ونلفت الانتباه إلى حقيقة مهمة هي أنه عبر التاريخ السياسي الحديث لم تنكر أية سلطة في البلاد العربية الإسلام، بزعم أنه  رؤية منتهية الصلاحية في البناء الاجتماعي،كما روجت لذلك الأدبيات المناهضة الصادرة بالأساس عن أنصار الإسلام السياسي، بل شجعت السلطات مفاهيم و تفسيرات مغايره عن الإسلام ودوره([2] ).

وبناء على ذلك ما يعمق محاصرة الإسلام السلطوي و يقلص رواجه هو انقسام المؤسسة الدينية في بعض الأقطار إلى جناحين أحدهما على ولاء وتحالف مع ممثلي السلطة لتشابك المنافع،والآخر في محاولة للحفاظ على نقاوته و تجنب الغوص في النفعية. لذا من المفيد و المجدي أن تتبنى السلطة في البلاد العربية علاقتها بالدين بالتجاوز لما تفرضه عليها تيارات الإسلام السياسي المتواجدة في الساحة، ومن هنا نتوصل إلى حقيقة مهمة وهي أنه منذ تأسيس أولى حركات الإسلام السياسي في البلاد العربية مع حسن البنا و الأحزاب و التيارات تتوالد وتتناسل بعضها من بعض، وليست بخافية الأدوار الخطيرة التي لعبتها و تلعبها تلك الحركات في توجهات المجتمعات ووقائعها. وفي تحليل لعلاقة الغرب بالإسلام يلفت الانتباه إلى نقطة محورية وهي أنه يغلب على الممسكين بمقدرات المؤسسات العلمية الدينية دربة التربي على منهج الشحن و التعبئة، في حين ما يحتاج إليه الدارسون الجدد التفكيك و التركيب،إذ إضافة إلى ما يستحوذ على المكلفين بالتدريس من انعدام ثقة وريبة من كل ما يقوله الغرب(أعتقد أنهم على حق في ذلك لأن معظم ما يقوله الغرب من أفكار و آراء عن الإسلام لا تتسم بالموضوعية ) وهو ما يقف حاجزًا صدهم  عن الانتفاع بمقولاته. وبناء على ذلك نرى أن تحرير العقل الإسلامي من بعض  الغيبية الساذجة، والأسطورة المقيتة، و العاطفية المفرطة، هي إحدى المحطات الاساسية لبناء الفكر الإسلامي الأصيل([3]).

ثم يشخص إحدى معضلات الفكر الإسلامي الحديث وهي أنه مازال على كفر بواح و صريح بالعلوم الحديثة ولا يعرف للتخصص سبيلا(لا أتفق مع تلك الرؤية فالإسلام يعطي كل تخصص حقه و منزلته، ويقر التخصصات العلمية فاسألوا أهل الذكر أي في كل مجال و تخصص) ومن أضرار عدم التخصص أن نرى الشيخ يفتي في السياسة، والأديان و الاقتصاد، و يطرح فهمه على أنه حكم القرآن و الإسلام([4]).

قضية تجديد الفكر الديني

ثم يتطرق الحديث عن مشكلة شائكة و مهمة لها منزلة و أهمية كبيرة في الفكر الإسلامي منذ القدم و إلى الآن، و هي مشكلة تجديد الفكر الديني، وخلاصة رأيه في هذه المشكلة أنه لا يوجد رؤية موحدة لمفهوم التجديد في الفكر الإسلامي برغم مرور ما يزيد عن القرن على طرح المسالة بجدية، ويوجد خطان متقابلان جذريا كل له مقولاته : الأول منهما يتسلح بحديث البدعة المشهور ” ألا  إن  كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة  وكل ضلالة في النار” . و الآخر يستند  -كما قال المؤلف مخطئا  – إلى القول المأثور “إن الله يبعث لهذه الآمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها ” (هذا حديث عن رسول الله و ليس قولا مأثورا ) ومن هنا نتوصل إلى نتيجة مفادها أن تيار الغيبيات البائس في الفكر الإسلامي استطاع أن يصفي و يلغي تيار المعقولات. ثم يعرض الكتاب لقضية الإسلام بين جدل الداخل و الخارج أي بين الرؤية الداخلية و الرؤية الخارجية، ويتحدث عن رؤية واقعية للإسلام السياسي، من خلالها يؤكد أن ظاهرة الإسلام السياسي لا تلقى اهتمامًا في مجمل الأقطار الإسلامية (لا أتفق مع هذا بل تلقى اهتماما كبيرا خصوصًا بعد صعود داعش على مسرح الأحداث) فالأقطار الإسلامية من وجهة نظره تمارس تعاميًا أو تغافلًا مقصودًا عن هذه الظاهرة، بفعل حساسية الموضوع و تشابكه مع أسئلة محرجة مختلفة تتعلق بالهوية و الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية. فالمتابع للأطروحات التفسيرية لظاهرة الإسلام السياسي في عالم اليوم يرى تضاربًا بينها في تحديد منشأ هذه الظاهرة، وتبعًا لهذا الاختلاف التأويلي نشأت لغات مختلفة كليًا بين الرؤى النظرية، كل منها يجنح نحو رؤية متصلبة([5]).

ومن خلال إلقاء الضوء على تشخيص ظاهرة الإسلام السياسي يشير  المؤلف إلى أن أزمة الإسلام السياسي جزء من كل، هي أزمة فكرية بالأساس، إذ لم يعرف المسلمون تحررًا فكريًا، لا من داخلهم ولا من الغرب بعد مرحلة الاستقلال، حتى أن أغلب التيارات السياسية و الفكرية بعد الاستقلال جاءت نَسْخا لما هو موجود في الغرب، فعجزت عجزاً ذريعا عن تحريك الواقع و السير به قدما، من هنا جاء رد التيارات الإسلامية الرافضة للغرب غضبًا متشنجا وشاملًا. ثم يعرج المؤلف إلى مصطلح شاع في الفترة الأخيرة وطفا على السطح وهو مصطلح الإسلام الأوروبي، و التسمية الصحيحة من وجهة نظره هي ” الإسلام في أوروبا أو في الغرب “، وهو ما يطرح ازدواجية الدلالة في آن واحد: الانفصال و الانتماء، ويبدو النعت الثاني، للوهلة الأولى، أقرب إلى واقع الحالة المعالجة، و لكن التمعن في الأمر برؤية منتبهة يكشف إشكالية هذا النعت، فالذي ولد تلك البلبلة الدلالية و التعريفية ، أن بعض الدول الأوروبية قد شارفت المرحلة الأولى ،الإسلام الأوروبي و بلغت فيها –درجة إقرار الانتماء و الاعتراف بالدين المستجد و بأتباعه، فنجد الإسلام الفرنسي و الإسلام البريطاني و غيره، في حين نجد دولا آخري ما زالت عند نقطة جدل بين اعتبار المسلمين و الإسلام دخلاء ومغايرين([6]).

مظاهرات تنادي بتطبيق الشريعة في بريطانيا
مظاهرات تنادي بتطبيق الشريعة في بريطانيا

ثم يشير المؤلف  إلى أزمة الثقافة و المثقفين في الوطن العربي، وفي هذا السياق نرى تردي الثقافة و تأزمها الجلي، وهنا يكون الأمر لا في مصلحة المثقف و لا في مصلحة السلطة، فهما شريكان و صنوان إن تنافرا و إن تعاضدا. وبناء على ذلك يبدو سؤال دور المثقف حاضًرا و محرجًا برغم محاولات إلغائه و تهميشه، فالمثقف رسول الإنماء و صانع التنمية، رغم محاولة تهميش دوره ، فهو يحاول أن يبنى دولة الثقافة، ولكن السلطة تسعى إلى بث ثقافة الدولة، ومن هنا نجم الخصام و الخلاف. ولذلك تنظر الدولة إلى مشروع المثقف بوصفه مشروعًا فوضويًا، غير منتظم، متناقض، يبنى و يهد([7]).

ومن هنا نتج عن هذا الوضع خصومة بين المثقف والسلطة ،استندت إلى إرهاب ثنائي مستحكم بالطرفين،بحسب الأول (المثقف) أن في غيابها يحقق وجوده،وبحسب الثانية (السلطة) أن في تدجينه تحقيق للصالح العام،وكلا التقديرين أخطا الصواب حتى أن العديدين لاذوا بالصمت قسرًا في الداخل ،ومن هنا فإن المثقف و السلطة قد خسرا، فلا المثقف حقق ما يصبوا إليه، ولا السلطة اهتدت بدونه . ، لذا  استسلمت طائفة من المثقفين إلى القدر المحتوم و ارتأت أن لكل كتاب أجلاً، فقبلت ما هو قائم على ما هو عليه حتى بدا يتلخص دور المثقف في كونه عراف السلطة وكاهنها ، السياسي و الأيديولوجي و الديني الذي يبحث عن استقطاب المثقفين الهائمين السائحين، و إقناعهم بحزب السلطة و أيديولوجية الدولة، أكثر من بحثه عن مبتدعات التجدد و الخلق([8]).

ومن هنا نتوصل إلى نتيجة مفادها أن الاستفراد السلطوي خلق بعض الرموز الثقافية و العلمية المفرغة من أي مشروع معرفي مكلفة بإرسائه داخل المجتمع .

الإسلام .. والعقل الغربي

ثم يتناول   عز الدين عناية  العلاقة بين العقل الغربي و الإسلام، وكيف نشأت هذه العلاقة، و نشير في هذا السياق إلى أن سبب توجه الغرب إلى دراسة الإسلام في الحقبة المعاصرة لم يكن بريئا وعفويًا، بل كان وراءه أسباب سيسيو دينية، وذلك كمحاولة من العقل السياسي الغربي لمحاصرة البوادر قبل الانفلات، و النتيجة يعاني الغرب من عقدة الأصولية الإسلامية أكثر مما يعاني الشرق من واقع هذه الظاهرة، و يُسقط الدارس الغربي، عند معالجته لمسألة عائدة إلى الفضاء الإسلامي، من ذهنه  الرؤى و الأبحاث العربية، وهو موقف ينم عن تحقير و تبخييس كون كل معالج خارج المعقول الغربي غير جدير بالمتابعة و الاستثارة لديه، بل هو تشويه معرفي كما يرتئي. وفي هذا السياق يرى أنه في معالجة الظاهرة الإسلامية في تجلياتها الحالية ، تتحول السوسيولوجيا إلى منهج زرع للرعب بين الحضارات،ومن هنا فإن الدراسات الغربية في الإسلام ولكافة تلوناته و تداخل ظواهره، انطلاقا من مفهوم الأصولية نشأت هذه المفاهيم في الأوساط البروتستانتية و الكاثوليكية مثقلة بدلالات اللامعقول، ومناهضة الحداثة، وكان فهم الإسلام الحديث من داخل أجهزة الوعي و حقل الاجتماع المسيحيين مثريا أدواته بمصطلحات معاونة مثل التطرف و الإرهاب([9]).

بناء على ذلك  نرى أن التصوف يكون مرضيا عنه و لا يعد تهديدًا للسلطة الظاهرية للحضارة الغربية، يضاف إلى ذلك أن من أسباب التوجه إلى العرفان الإسلامي محاولات العقل الغربي تحويل قطاع الروحانيات إلى بضاعة استهلاكية منتزعة من سياقاتها الدينية و الفلسفية . لذا نستطيع القول أن العمل السوسيولوجي الغربي بكافة مدارسه و مناهجه يحتاج إلى مراجعة ملحة لأدواته التقليدية في وعي الإسلام و الفضاء الإسلامي، لان راهن الوعي الغربي فيما يتعلق بالعرب و الإسلام يحتاج إلى تصويب و تصحيح تتعانق عبرهما العلمية المعقولية . ونلفت الانتباه هنا إلى أن العقل الغربي إلى الآن لم يفرز ابستومولوجيا إسلامية لها ما يكفي من الموضوعية و الصرامة العلمية لفهم الظاهرة الإسلامية، بل أنتج إسلاميات وظيفية نفعية، سخرها الموجه السياسي لبرامجه و حشرها ضمن مناورات المصلحة والمنفعة. من هنا ما فتئ العقل السياسي رهين مقاربة سياسية تقليدية مع العالم الإسلامي لم تراع فيها التحولات الاجتماعية التي شهدتها المنطقة، وهو ما ساهم في تكثيف الاغتراب الفهمي لديه عن العالم الإسلامي([10]).

الإسلام السياسي

ثم يستمر عز الدين عناية في تحليل علاقة الغرب بالإسلام أو صورة العرب في عيون الغرب ، و يوضح كيف أن هذه العلاقة لم تخل من التقاء و أيضا من صراع، فمن خلال التطورات التاريخية للحضارتين، حدث تصادم و عنف، صاغ صورة الآخر لدى المقابل،من حيث تحديد هويته و رسالته و إستراتيجيته، وتبلغ تلك الصورة قبحها و عدوانيتها، و لا إنسانيتها أحيانا، حيث تحول تعريف العرب و حضارتهم بأنهم مبدعو قطع الأيدي، وأن إضافتهم الحضارية لم تتجاوز ترويض الناقة و البعير و صقل السيف. و الحل لهذه المشكلة يتمثل في ضرورة تجاوز الغرب تلك الرؤية الواقعية إلى المستبطن، أي معانقة المنبع و المصدر و المتمثل في روح الحضارة الإسلامية و التوجهات الأصلية للتشريعات و المقاصد العليا. ورغم هذا الصدام القائم بين الغرب و الإسلام، فأننا نستطيع أن نجد قواسم مشتركة تسهم في نزع فتيل الصراع، وهذا يتضح بصورة جلية من خلال الإنسان و رسالته التعميرية للكون، فالإنسان قاسم مشترك لاهتمام الإسلام و كذلك الغرب. و ومن هنا يشير المؤلف إلى وجود رؤية كاثوليكية للتعامل مع الإسلام،  تتمثل في إعادة النظر في الموقف من الإسلام و التعامل مع المسلمين و تتجلى هذه الرؤية في مستويين: الأول من حيث إعادة الوعي بالإسلام في التصور الكاثوليكي، أي  في مستوى تكوين الرهبان و الطلاب الدينين. المستوى الثاني هو مستوى الخطاب الحواري و التعارف الذي تسعى الكنيسة إلى تطويره مع الأطراف الإسلامية.([11] ).

ومن هنا نتوصل إلى  طبيعة آليات الحوار الكاثوليكي مع الآخر، قد شهد هذا الخطاب الحواري مع الإسلام خلال السنوات الأخيرة تضخمًا لفظيًا، حيث تحولت مفاهيم التحاور و التعايش وعبادة الواحد الأحد، و الأديان و السلام إلى عبارات مفرغة من دلالاتها، يلوكها البعض دون فحوى أو فاعلية، إذ ليس الحوار في منطقة الكنيسة الغربية تعارفا غايته التفاهم، و إنما وسيلة للاختراق في مخطط “أنجلة”  العالم، الذي  يمثل العالم الإسلامي و الدول العربية بالأساس إحدى محطاته المركزية، لذا خطاب الكاثوليكية مع العالم الإسلامي مدعو إلى تصحيح مساراته و قنواته. و من أهم مساوئ الحوار هو الشكل البائس الذي تدخل به الأطراف العربية و الإسلامية الحوار الديني مع الفاتيكان، و الذي يبدأ و ينتهي بشرف الدخول و المشاركة في المؤتمر، وهذه هي الطامة الكبرى، كما أن الوضع الديني في الغرب يبدو ضبابيا أمام الرؤية العربية و الإسلامية إن لم نقل مجهولا ، وهذا يرجع إلى عدة عوامل من أهمها علو الحواجز و الموانع المفاهيمية و المؤسساتية التي تفصل الذهنيتين([12]).

والسؤال المطروح بقوة ما هي أسباب تعثر الحوار بين الغرب و العالم الإسلامي ،الإجابة أن من أهم هذه الأسباب هو أن منطق المتحاورين يبنى على تدابر يفتقد فيه إلى الإنصات أصلاً بين الطرفين، كما أن في الغرب تعاليا يبلغ عنان السماء، يصنع معه التاريخ في غياب الالتفات إلى الآخر . وفي المقابل يحضر في العالم الإسلامي اعتدال متعال ترتكز أساساته على خيال ديني لم يع الغرب منطقه حتى الآن، فكلا الطرفين في دائرة محكمة الانغلاق، لذلك يتحاوران في الزمن الراهن عبر العنف، و يريد كل منهما إبلاغ رسالته للآخر عبر أقسى درجات الشراسة و التدمير .(لا أتفق مع تلك النظرة لأنه في السنوات الأخيرة بدأت لغة الحوار بين الغرب و الإسلام تأخذ منحنى مختلفا من التفاهم و محاولة الانطلاق من القواسم المشتركة). ويشير المؤلف  إلى أنه بمعايير الرقي الحضاري و المدني السائد اليوم، يحتل العالم الإسلامي أقل  الدرجات  مما جعل الغرب  يستبطن موقفا دونيا نحوه، من هنا يدعو كل المنتمين للحضارات الإسلامية بتنوعاتها، أنهم لن يعوا الغرب ما لم يؤسسوا فهمهم و أحكامهم على إنسانية جامعة  يشيَّد عليها حوار واع بين الطرفين، ولعل إنسانية الوعي الشعبي الغربي بشأن العرب و المسلمين، هي إحدى المرايا التي تكشف الوجه الحقيقي له أكثر مما يتجلى في الخطاب الأكاديمي([13]).

ويجب الإشارة هنا إلى أن الحوار بين الغرب و الإسلام ينقسم إلى قسمين: حوار عن بعد، وحوار عن قرب و الثاني هو السائد في المؤتمرات و اللقاءات، و في الغالب السائد هو حوار عن بعد و أن تم عن قرب، يجري أساسًا عبر المفاهيم العليا و الرؤية الشمولية، وغالبا ما يكون متجاوزا لحدث الحوار المعيش و الشعبي وهو الأخطر شأنا، ولعله الأصدق و الأكثر واقعية من الحوار النخبوي . أما الحوار عن قرب فإن العالم الإسلامي يفتقر في راهنه الحالي للدراسات و الاستطلاعات الاجتماعية و السياسية المدققة عن الغرب، فالعالم الإسلامي مثلا لا يولى اهتمامًا لجالياته المهاجرة سواء في أمريكا و استراليا. وبعد تشخيص الداء يضع  العلاج الناجع للحوار و الذي من وجهة نظر المؤلف  يجب أن ينطلق بخطى ثابتة، و سيكون في جانبه المسيحي متمثلًا في لاهوت التحرر و الملتزم لاهوتيًا و عمليًا بقضايا الفقر و الحرمان و البؤس الإنساني، لذلك يبدو لاهوت التحرر و العودة الصادقة إلى المقاصد العليا للدين الإسلامي، المخرج الصادق من وهم الحوار إلى فعل الحوار([14]).

لذا من الضروري في عملية حوار الأديان و لكي لا تتحول إلى نفاق أديان، فإنها في حاجة ملحة إلى الالتزام بشجاعة الوجود في طرح الأسئلة الحوارية.

الخاتمة: من كل ما سبق نرى أن هناك عوائق تقف أمام العقل الإسلامي و تعوق تقدمه و تطوره، لعل من أهم هذه التحديات هي رؤية الغرب في التعامل التي تتسم بعدم الموضوعية، وعدم معرفة بالجوهر الحقيقي للإسلام. من هنا يجب أن يكون هناك حوار بين الغرب و الإسلام على أساس فعال مثمر، يقوم علي أرضية و قواسم مشتركة، تنطلق لترسيخ هذا الحوار. لذا فالحوار الصادق البناء هو السبيل الوحيد لتجنب الصراع و العداء بين الغرب و الإسلام. و إذا كان الغرب يمثل العامل الخارجي الذي يعوق تقدم العقل الإسلامي، فهناك العامل الداخلي الذي لا يقل أهمية عن العامل الخارجي، يتمثل هذا العامل الداخلي في التخلص من براثن التفكير أو الوعي الأسطوري الذي يطوق العقل الإسلامي ويكبله، و لا يمكن التخلص من ذلك إلا بتجاوز التفاسير الكلاسيكية، و إنتاج التفسير التحليلي البنيوي الذي يزاوج بين علوم العصر و القرآن.

 دكتور/عماد الدين إبراهيم عبد الرازق-أكاديمي مصري

[1]-عز الدين عناية: العقل الإسلامي عوائق التحرر وتحديات الانبعاث،دار الطليعة ،بيروت،2014، ص5 .

[2]-المرجع السابق:ص7.

[3] -عز الدين عناية: العقل الإسلامي عوائق التحرر و تحديات الانبعاث،ص20.

[4] -مصطفى الشكعة: إسلام بلا مذاهب، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة،1987،ص35.

[5]-عز الدين عناية:العقل الإسلامي عوائق التحرر و تحديات الانبعاث،ص45.

[6]-المرجع السابق: ص62 .

[7] -عز الدين عناية: العقل الإسلامي عوائق التحرر و تحديات الانبعاث،ص77.

[8]-المرجع السابق:ص85 .

[9]-عز الدين عناية : العقل الإسلامي عوائق التحرر و تحديات الانبعاث،ص101.

[10] -عز الدين عناية: العقل الإسلامي عوائق التحرر و تحديات الانبعاث،ص103. انظر أيضا.ايفنز بريتشارد:الاناسة المجتمعية ديانة البدائيين في نظريات الاناسيين، ترجمة .حسن قبيسي،دار الحداثة ، بيروت ، 1986،ص56.

[11]-عز الدين عناية: العقل الإسلامي عوائق التحرر و تحديات الانبعاث،ص122.

[12] -المرجع السابق:ص134.

[13] -عز الدين عناية: العقل الإسلامي عوائق التحرر و تحديات الانبعاث، ص165.

[14] -عز الدين عناية: العقل الإسلامي عوائق التحرر و تحديات الانبعاث،ص176.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock