ثقافة

أوهام الهوية بين الانغلاق الذاتي و الانفتاح الاجتماعي

لقد تعددت مفاهيم الهوية ومن هذه المفاهيم و التعريفات: أن الهوية هي الإعلاء من شان الفرد . كما أنها تمثل الوعي بالذات الثقافية و الاجتماعية ، وهي لا تعتبر ثابتة ، إنما تتحول طبقًا أو تبعًا لتحول الواقع. فهي تمثل السمات التي تميز شخصًا عن شخص، أو جماعة عن جماعة. و للهوية مكونات أساسية منها الأصل أو العرق المشترك ، كذلك التاريخ المشترك و اللغة المشتركة و الجغرافيا المشتركة و العادات و التقاليد المشتركة و غيرها . و نحن عندما نتحدث عن أوهام الهوية فإننا نقصد بها العزلة و الشعور بالتهديد و الارتياب من الأخر و الذي يخلق في النهاية سوء فهم عميق بين البشر و من ثم تهيئ الأرضية النفسية للعنف. ويجب أن نشير إلي أن هناك أمرين هامين يؤثران في محتوي الهوية هما : بزوغ فكرة الفردية ، وحصول حراك اجتماعي يسمح بانتقال الفرد طبقيا من مستوي اجتماعي إلي آخر. و الحديث عن هوية أصلية نقية منعزلة عن المجتمع هو الوهم بعينه. فلا يمكن للهوية أن تحيى في عزلة عما يحدث في العالم أو الواقع الخارجي. لأنها تتشكل من هذا الواقع و تتفاعل معه لأنها دينامية و ليست ساكنة أو جامدة. فكل من يتحدث عن هوية منعزلة لا تتغير فهو يتحدث عن وهم كبير.

أوهام الهوية

وهناك كتاب مشهور و هام بعنوان  (أوهام الهوية) يتحدث فيه عن مشكلة أو معضلة الهوية في البلدان الإسلامية من حيث طبيعة العلاقة بالحداثة الغربية ، وكيفية التعامل معها ، فالنخب المسيطرة في البلدان الإسلامية  رأت في الحداثة الغربية مجمل التقنيات الحديثة فنقلتها إلي مجتمعاتها و أجرت تحديثا و ليس حداثة لذا شكل النقل المشوه الثغرة الأولي في هوية المجتمعات الإسلامية و خصوصا في علاقتها مع الغرب. فالهوية لا يمكن أن تحيا في عزلة عن العالم الخارجي ، فهي تمثل علاقة جدلية مع الآخر أيا كان هذا الآخر. أيضا في كتابه ( النقد المزدوج المزدوج) ينتقد عبد الكريم ألخطيبي ما يسميه الهوية الأصلية ، لان كل هوية ترتد في النهاية إلي مجتمع الإنتاج المتعين بحدود تاريخية و زمنية مضبوطة، لذا فان ألخطيبي يعتبر الحديث عن هوية غير ملوثة هي هوية ميتافيزيقية و لاهوتية يقول( لا يمكن للهوية الأصلية التي تقوم علي الأصول اللغوية و الدينية و أن تحدد وحدها العالم العربي ، فهذه الهوية قد تصدعت و تمزقت بفعل الصراعات و التناقضات الداخلية ، ثم أنها مرغمة علي  التكيف مع مقتضيات الحياة العصرية و التفتح علي العالم.

النقد المزدوج

إذن نحن مطالبون في ظل هذا الانفتاح و تقدم وسائل التقنية و الاتصالات ان نتعامل مع هذه الحقيقة كواقع و ليس وهم . و أن نحافظ علي هويتنا في ظل هذه المتغيرات و أن نوفق بين خصوصيتنا و كل ما هو متغير. علي سبيل المثال تحدي العولمة كتحدي للهوية و محاولة افتراسها يجب علينا أن نوازن و نوفق بين هويتنا و العولمة و نأخذ من العولمة جانبها الايجابي و الذي يتمثل من وجهة نظرنا في إيقاظ الوعي و المقاومة لدي الشعوب من اجل الحفاظ علي هويتها و خصوصيتها . إذن وهم الهوية النقية الأصلية المنعزلة المنغلقة علي نفسها هو وهم لا يتحقق علي ارض الواقع . بل كل هوية لابد أن تتشكل من الواقع الخارجي أيا كان هذا الواقع سياسي أم اجتماعي أم اقتصادي. فالهوية مشروع غير مكتمل قابل للتحقق في الواقع . مشروع نضال و كفاح من اجل التحقق أي مفهوم دينامي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock