نفَّذ تنظيم داعش في أفغانستان والمعروف أيضا بـ”ولاية خراسان” مؤخرا عملية جديدة من ضرباته الإرهابية الدموية بحق عدد من الأبرياء يوم الثلاثاء 2 نوفمبر 2021، عبر تفجير انتحاري بالقرب من مستشفى كابول العسكري بالعاصمة الأفغانية، وقد خلَّف التفجير (19) قتيلا ونحو (50) مصابا أغلبهم في حالة حرجة.
قد يعتقد القارئ العادي لهذا الخبر أنَّ هذا السلوك الإرهابي العنيف معتاد ومألوف في بلد كـ أفغانستان، وأنَّ الأحداث هناك –دائما– ما تتصدر عناوين الأخبار المتعلقة بالجماعات والتنظيمات الإرهابية، خاصَّة مع وجود تنظيمات جهادية كثيرة في هذا البلد المهترئ اقتصاديا وأمنيا. إذن ما الجديد في هذا النوع من العمليات الإرهابية؟.
عن طريق القراءة المتفحصة والدقيقة لتسلسل العمليات الإرهابية المتتابعة للتنظيمات الإرهابية بوجه عام ولتنظيم داعش بوجه خاص، يمكننا –إلى حد كبير– إدراك خطورة المشهد الإرهابي الحالي على المستوى الإقليمي والعالمي، وقراءة خريطة الانتشار والتحركات الجديدة التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية حاليا بشكل أكبر قدر المستطاع. لكن هنا، سيتم التركيز على وجه التحديد على مستجدات النشاط والتحرك التنظيمي لداعش باعتبارها النجم الأبرز حاليا بين التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، ونظرا لتأثيره الدموي الذي يُخلِّفه في كل عملية كبيرة يقوم بها في مناطق انتشاره المركزية “الولايات” إضافة إلى محاولة قراءة دلائل ومؤشرات تلك التحركات الجديدة في سياق التهديدات الإرهابية العالمية المستجدة.
حضور قوي ونشاط مستمر:
يهدف تنظيم داعش من العمليات المستمرة التي ينفذها بين الحين والآخر إلى تقديم رسائل مختلفة، منها إلى الحكومات والدول المنخرطة في مجال مكافحة الإرهاب، وأخرى إلى التنظيمات الجهادية المنافسة. وخلال شهر أكتوبر المنصرم، نفَّذ التنظيم مجموعة من العمليات الانتحارية الكبيرة التي خلَّفت ورائها العشرات من الضحايا والمصابين، وهذا السلوك الإرهابي يبرع فيه التنظيم ويعتمده بشكل دائم في إطار محاولاته لفرض الهيمنة وبث الرعب في مواطن انتشاره، إضافة إلى توظيفه للبعد الطائفي في تلك العمليات، باعتباره أحد الأدوات الجاذبة للعناصر المتشددة والمعتنقة لنفس المذهب التكفيري.
وتأكيدا على حضوره القوي، نفَّذ التنظيم في 8 أكتوبر 2021 تفجيرا انتحاريا استهدف مسجدا للهزارة الشيعة أثناء صلاة الجمعة، في منطقة خان آباد بولاية قندوز شمالي أفغانستان، ما أسفر عن مقتل (60) شخصا وإصابة أكثر من (100) آخرين. ولم يمضِ أسبوع حتى نفَّذ التنظيم تفجيرا انتحاريا مماثلا يوم 15 أكتوبر، في أحد المساجد الشيعية أيضا بولاية قندهار ما نتج عنه مقتل (62) شخصا. وبالرجوع إلى موطن النشأة، فقد نفَّذ التنظيم هجوما مسلحا على قرية الهواشة في محافظة ديالى شرق العراق، يوم 26 أكتوبر 2021، راح ضحيته (11) شخصا وجرح (6)آخرين.
مركزية أفغانستان في النشاط الداعشي:
لم يكن الاهتمام الداعشي بأفغانستان عبثي أو بمحض الصدفة، إنَّما كان اختيارا مدروسا؛ فبعد الهزيمة الثقيلة التي لقيها التنظيم في منشأه ومعقله الرئيس في العراق وسوريا، والتي قوَّضت من توسعه بشكل كبير، بجانب تصفية عدد كبير من قادته وعناصره على يد قوات التحالف الدولي، قرر التوجه صوب الأراضي الأفغانية “أرض المجاهدين” كما يراها العديد من متطرفي التنظيمات الإرهابية، مستغلين بذلك فرص التوقيت والجغرافيا. بعد أن أدَّى الخروج العسكري الأمريكي التاريخي من أفغانستان إلى وجود فراغ أمني كبير، هيَّأ الأرض لداعش لتوسيع مسرح عملياتها الذي تم تحجيمه بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وقد استغل التنظيم انشغال طالبان في إدارة البلاد بكل ما تعانيه من أشكال التدهور الداخلي، وسعيها الحثيث للاندماج في المجتمع الدولي.
لقد مثَّلت أفغانستان نقطة انطلاق مهمة للتنظيم باتجاه شرق ووسط آسيا، اعتمادا على القلاقل العرقية والدينية والمذهبية التي تتجاوز حدود أفغانستان الرسمية نحو عمق الأمن القومي لموسكو والصين، وعددٍ من دول القوقاز التي يعيش فيها أعداد لا يستهان بها من القوميات المسلمة[1]. كذلك، غياب التنسيق العسكري والاستخباراتي –حتى الآن– بين إدارة طالبان الجديدة وبين قوى دولية وغربية كبرى، بالرغم من جود تنسيق نسبي مع الجارة باكستان، من أجل تحجيم ورصد أنشطة داعش ونظرائها من التنظيمات الإرهابية المختلفة.
تحذيرات من تصاعد التهديد.. وضخ دماء جديدة في التنظيم:
عادت للواجهة مرة أخرى تحذيرات دولية من تهديدات جديدة محتملة لتنظيم الدولة الإسلامية قد تضرب بعض دول العالم، ويعكس ذلك بوضوح مدى الإدراك الحالي عند بعض الدول لخطورة النشاط الداعشي المتصاعد في مناطق عملياته المختلفة دوليا. وفي ذات السياق، قال “كولن كال”، وهو أحد أبرز مسئولي البنتاجون، في 27 أكتوبر 2021 : “المخابرات الأمريكية تقدر أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان يمكن أن يكون لديه القدرة على مهاجمة الولايات المتحدة في أقل من ستة أشهر، ولديها نية للقيام بذلك”[2].
وفي السياق الإقليمي، تعتبر منطقة الساحل الإفريقي “الساحل والصحراء” من أهم المناطق الحيوية التي ينشط فيها التنظيم بقوة؛ حيث يحافظ التنظيم على نشاطه العملياتي هناك بشكل منتظمٍ ومتنامٍ، وهو الأمر الذي استدعى إطلاق تحذيرات دولية بشأنه، والتي منها تصريحات رئيس الأركان الموريتاني الفريق محمد ولد مكت، في 27 أكتوبر 2021، حيث قال خلال الاجتماع الثالث عشر لقادة أركان جيوش دول مبادرة (5 + 5) أنَّ ” الجماعات الإرهابية ما تزال نشطة في منطقة الساحل الإفريقي وتبرهن على قدرتها على التأقلم وإلحاق الضرر، كما أنَّ هذه المجموعات تعيد تنظيمها باستمرار، وتتكتل وتنشئ إمارات يتمدد نشاطها في كامل منطقة الساحل، وتقوم بالتنسيق مع مجموعات متطرفة نشطة، في بلدان أخرى من القارة، وتستفيد من شبكات التهريب والمخدرات وهشاشة ساكني المناطق الحدودية.[3]“
من الشواهد شديدة الأهمية أيضا، للنشاط الداعشي في الآونة الأخيرة، زيادة عمليات التجنيد والاستقطاب لعناصر جديدة من أجل الانضمام لصفوف التنظيم، فلم تعد عملية التجنيد مقتصرة على عناصر مبتدئة تحتاج لتأهيل وتدريب فقط، إنَّما شملت عناصر مدربة ومؤهلة بشكل كلي للقيام بالقتال المسلح. ومن الأمثلة القريبة على ذلك، انضمام عناصر من أجهزة الاستخبارات والأمن والجيش التابعة للنظام الأفغاني السابق إلى صفوف تنظيم داعش بعد سقوط البلاد في أيدي طالبان، وأشار إلى هذا التطور تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، والذي أضافت فيه أنَّ عددا من هؤلاء قد تم تدريبهم على يد القوات الأمريكية خلال العقدين الماضيين[4].
من إحدى الديناميكيات التي توصي مراكز أبحاث ودراسات الإرهاب الغربية بمراقبتها عن كثب في أفغانستان؛ هي ما إذا كانت داعش ستنجح في جذب أعداد ذات مغزى من المنشقين عن صفوف طالبان، خاصَّة مع النظر إلى مزاعم طالبان باعتدالها، وحقيقة أنَّ الآلاف –من مقاتلي طالبان الذين لم يعرفوا شيئا سوى الحرب– عالقون الآن في أداء الوظائف الوضيعة المرتبطة بها، وعدم مكافأتهم بالشكل اللائق على جهودهم الكبيرة مع التنظيم. ومن هذا المنطلق، تعتمد داعش حاليا في أفغانستان على استراتيجيتين أساسيتين في نشاطها: إحداها معاداة الشيعة، والأخرى انتقاد طالبان وتكفيرها، لأنَّها في نظرها قد باعت القتال لصالح السياسة. لذلك، ومع استمرار الضغط على طالبان لكسب مزيد من الدعم للمجتمع الدولي، ولمواجهة داعش بموارد أكبر، ستكتسب رواية داعش موطئ قدم قوي بشكل متزايد في مجتمع المتطرفين، سواء في أفغانستان أو خارجها[5].
المراجع:
[1] داعش والحرب الأهلية والحدود.. دواعي ومستقبل الحوار بين طالبان وجيرانها، تقرير مركز الإنذار المبكر، منشور بتاريخ 14 يوليو 2021، متاح على الرابط التالي:
U.S. warns of ISIS-K ability to strike abroad, REUTERS, October 27, 2021: (2
[3] قائد الأركان الموريتاني: الجماعات الإرهابية لا تزال نشطة في الساحل الإفريقي، الدستور، منشور بتاريخ 27 أكتوبر 2021، متاح على الرابط التالي:
https://www.dostor.org/3610912
4) Left Behind After U.S. Withdrawal, Some Former Afghan Spies and Soldiers Turn to Islamic State, The wall Street Journal, Oct. 31, 2021:
[5] شارل ليستر، هل ينجح «داعش» في كسب المنشقين عن «طالبان»؟، صحيفة الشرق الأوسط، منشور بتاريخ 23 أكتوبر 2021، متاح على الرابط التالي: