ثقافة

أزمة المفهوم التي أعاقت النهضة العربية: كتاب جديد لهاني نسيرة

صدر مؤخرًا كتاب “الإسلام المتخيل والنهضة المعاقة.. أزمة تصورات النهضة في الفكر العربي الحديث” للكاتب والباحث الدكتور هاني نسيرة المتخصص في دراسات الإسلام السياسي، والذي يعد استكمالا لعدد من مؤلفاته الهامة مثل، “الإيديولوجيا والقضبان: نحو أنسنة الفكر القومي العربي” في 2002م، و “أزمة تاريخ أم أزمة وعي، د. محمود عزمي سيرة ليبرالي منسي” في 2005م، و”متاهة الحاكميّة: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية” في 2015م.

يسعى الدكتور نسيرة من خلال هذا الكتاب إلى فك سؤال نهضة العرب والمسلمين، ويكشف عن الإعاقة المفهومية الباكرة في أطروحاتها ومعارضاتها، مفسرا كيف كانت كثير من مفاهيمها قابلة للإزاحة والتهميش وفق تصورات وتأويلات إسلامية – أو إسلاموية – متخيلة، لا تتعارض معها في الحقيقة، موضحا أن هذه التصورات ترسخت في الوعي عبر التاريخ.

سؤال النهضة.. رد فعل عقلاني تأملي طيلة عقود

يستهل الكاتب الفصل الأول بالحديث عن النهضة المعاقة وتحولات الخطاب العربي في العقد الأخير، فيتناول ولادة سؤال النهضة ومفاهيمها في العالم العربي، والذي أشار فيه إلى اشتراك مختلف تيارات الفكر العربي الحديث في محاولة الإجابة على سؤال النهضة المستمر، والخلاف حوله، وأكد الكاتب أن سؤال النهضة كان واعيا بعد انفعالات الصدمات، فجاء رد فعل عقلاني تأملي استمر طوال القرن التاسع عشر.

كذلك رأى فيه الكاتب أن سؤال النهضة -والتخلف- العالق منذ قرنين من الزمان، دون أن تتحقق إجاباته، كان منطلق كل مشاريع النهضة العربية منذ ولادتها في أخريات القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين.

وفي نفس السياق، تطرق نسيرة إلى بحث الرابطة السياسية بين الأمة والوطن، فقد أشار إلى أنه بحكم تمكّنه من الذاكرة واللاشعور الجمعي والشعور الديني –كان تصور “الأمة” هو المُقدم على غيره من التصورات، كونه التجلي الأول للشعور الجماعي للناس، حيث احتوى في عباءته الدينية والقومية الجميع. كما أشار إلى التنازع القائم بين تصوري “الوطن” و”الأمة” من حيث الصفات الجغرافية، والسياسية والقانونية الحديثة، إضافة إلى استمرار مشكلة تعاطي العرب -على اختلافهم- مع مفهوم الدولة الحديثة. أيضا، تناول الكاتب طرحا شديد الأهمية والخاص بتحولات الخطاب العربي بعد 2011، والتي كان من أبرز ملامحها فقدان الخطاب العربي للكثير من أهميته وتأثيره، كما تراجع دور الفكر والنظر الفلسفي العميق في السياقات العربية الراهنة، كما انزاحت قضايا وشعارات ونماذج عن الواجهة والأولوية وصعود مضاداتها أو غيرها مكانها.

هاني نسيرة
هاني نسيرة

التراث العربي الاسلامي مفهوم الدولة بمعنى السلطة مطلقا..

في الحديث عن أزمة التصورات في الفكر العربي المعاصر، تطرّق الكاتب في الفصل الثاني من الكتاب لهشاشة التأسيس عند كثير من التيارات الفكرية العربية الحديثة، الأصولية الماضوية أو الحداثة، كما أشار إلى فشل الأفكار الليبرالية أو أفكار “الحريين” كما كانوا يسمون في بدايات القرن العشرين، في التمكين لأنفسهم اجتماعيا وجماهيريا، وذلك في فترة زمنية شهدت الكثير من الجدل الفكري من مختلف التيارات. أيضا أُلقى الضوء على صياغة الإسلام المتخيل عند جماعات الإسلام السياسي، ليكون المرجع الوحيد للنهضة المعاقة التي يبغونها ويطلبونها، التي تختزل في معارك التاريخ المستمرة غلبة وانتصارا وتمكينا فقط.

من النقاط الهامة أيضا التي بحثها نسيرة في هذا السياق أزمة التصورات وغياب الوعي التاريخي، إضافة إلى بحث إشكالية الحكم والخلافة بعد النبي وحجج الأصولية الإسلامية المعاصرة، وإشكالية وجود مبادئ للحكم في القرآن والحديث، والتي ما زالت تتداول أحاديثها حتى وقتنا هذا. كذلك تناول مسألة غياب مفردة ومفهوم الدولة عند المسلمين، ومفهوم الدولة وأزمته بين القديم والحديث، وفيها تم استعراض خصائص وشروط الدولة الحديثة، إضافة إلى بحث تصور ومفهوم الأمة عند الإسلاميين والقوميين.

بطرس البستاني أسبق من الطهطاوي في التمكين لمفهوم الوطن بمعناه المعروف الآن

وبالنظر للفصل الثالث وعنوانه “صراعات تَصَوُّرَي الأمة والوطن في الفكر العربي الحديث” فنجد أن الكاتب استعرض التصور الطبيعي للأمة والوطن، وتوجهات مفكري النهضة من أصحاب التوجهات الدينية والروحية أو المدنية. كذلك رصد تصور الوطن في الفكر العربي الحديث، وصعود الاتجاه الوطني النهضوي في الفكر العربي الحديث مع نشأة الدولة الحديثة في مصر وتونس، وغيرهما قبل وبعد الاستقلال، ثم الإسلام السياسي المتخيل وصراع الأمة والوطن، وبحث تأثير الخطاب الأصولي المعاصر على مفاهيم الدولة المختلفة، واستعراض الصراع بين تَصَوُّرَي “الأمة” و”الوطن” إضافة إلى معركتي الأدلوجة الأصولية الإسلامية في سبيل ذلك، وهما: تشويه فكرة القومية العربية، وتشويه فكرة الوطن والوطنية.

بطرس البستاني
بطرس البستاني

المودودي وقطب.. صياغة عقدية للدولة والخلافة تتجاوز التاريخ

بين الحاكمية والحداثة، ناقش الكاتب إشكالات تَصَوُّر الدولة في الفكر العربي الحديث، فيبحث في الفصل الرابع المصطلحات الأصولية المختلفة عن أنظمة الحكم السياسي المختلفة، وجهود تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمون في أسلمة مختلف جوانب الحياة. كما يتطرق الكاتب إلى نقطة هامة والتي تعني بالتفسير السياسي للإسلام والهروب من التاريخ، ودور حسن البنا كأول من وضع بذور التفسير السياسي للإسلام، والتي أثمرت صلابة خطابه الراديكالي فيما بعد، والذي تناقلته جُلُّ التنظيمات والجماعات الإسلاموية السياسية والمتشددة على السواء. كما لم يتوقف الأمر عند البنا، بل تطرق إلى عدد من الكتاب والمنظِّرين الإسلاميين أمثال المودودي وسيد قطب وغيرهم في ذات السياق وتأثير فكرهم على التوجهات الإسلاموية المتشددة.

الإسلام السياسي وسؤال العلمنة بين التجربة والقرصنة

يأتي الفصل الخامس والأخير في الكتاب تحت عنوان “الإسلام السياسي وسؤال العلمنة بين التجربة والفرصة” والذي ركّز على استكشاف التصورات المركزية للإسلام السياسي في الموقف من الحزبية وتعدد الأحزاب، وتناول تحليل برامج بعض أحزاب الإسلام السياسي، سواء في طبعتها الإخوانية والنهضوية، أو في نسختها السلفية الحزبية الصاعدة الجديدة.  كذلك، تم التطرق إلى بحث أسباب تراجع جاذبية الإسلام السياسي بعد الربيع العربي، والمعلوماتية وتحدي الوصاية الأصولية، إضافة إلى صراع الأجيال داخل جماعات التطرف وحصاد الحكم الأصولي وتعرية التجربة.

أبو الأعلى المودودي وسيد قطب
أبو الأعلى المودودي وسيد قطب

في ختام طرحه، يرى دكتور نسيرة في سياق الحديث عن حصاد الحكم الأصولي دوليا أنه تعرّت تجارب الحكم الأصولي في نموذجين كبيرين مختلفين نسبيا، زهد معهما الناس في يوتوبيا الجحيم الأصولي ووعوده الفاشلة، التي صدمت كثيرا ممن انخدعوا بها قبل رافضيها، وهما: السقوط السياسي لجماعة الإخوان في مصر في 30 يونيو سنة 2013 بعد تجربة حكم دام عاما ثقيلا ترنّحت فيه الدولة والمواطنة والسلم الأهلي معا، ثم تجربة سقوط “دولة داعش” المدوية، بعد تجربة حكم دامت أربعة أعوام في سوريا والعراق.

محمد عبد الكريم

باحث في الإعلام والاجتماع السياسي.. ماجستير في الإعلام وعلوم الاتصال - تخصص صحافة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock