مختارات

وسط رفض أوروبي وفلسطيني، إسرائيل تعطي الضوء الأخضر لبناء مستوطنة “بحجم مدينة صغيرة” في القدس الشرقية

لم تهدأ أعمال الجرافات الإسرائيلية في أراضي بلدة قلنديا شمالي القدس منذ أشهر، تحديداً فوق مطار القدس الدولي، الميناء الجوي الوحيد في الضفة الغربية والذي أغلقته السلطات الإسرائيلية نهائياً قبل نحو عقدين. أعمال التجريف تمهد لبناء مستوطنة جديدة.

بقلم: إيمان عريقات، نقلًا عن موقع البي بي سي

ما كان أعمال هدم تمهيدية أضيفت إليه الأربعاء موافقة رسمية مبدئية، حيث صادقت لجنة التخطيط والبناء في بلدية القدس على بناء المستوطنة، في قرار رسمي إسرائيلي هو الأول من نوعه لبناء مستوطنة في القدس الشرقية بهذا الحجم منذ تسعينيات القرن الماضي.

مصير مجهول

التقيت بالمقدسي رأفت عوض الله فوق تلة تطل على منزله في بلدة قلنديا، شمالي القدس الشرقية. شاهدنا أعمال البناء الإسرائيلية لمستوطنة قال إنها ستقام فوق منزله إضافة إلى حوالي خمسة وعشرين مبنى سكني آخر يعيش فيها مئات الفلسطينيين، في المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.

شرح لي رأفت كيف توجه إلى المحاكم الإسرائيلية قبل عامين بالتماس لمنع هدم منزله، ما قوبل بالرفض القضائي في حينه، ليأتي مؤخرا قرار بلدية القدس لإقامة المستوطنة.

رأفت عوض الله، وهو رئيس بلدية قرية قلنديا، أضاف قائلاً: “المصير مجهول، نحن لا نعلم ماذا علينا أن نفعل! القرار الإسرائيلي جاء ليس فقط لهدم منزلي، بل لكل المنازل المحيطة هنا، وليسرق أراضينا لصالح بناء مستوطنة ستهجرنا مجدداً، إذا هدموا بيتي سأبني خيمة لأبقى في أرضي”.

عوض الله أكد هدم منازل أكثر من 38 بالمئة من أهالي قرية قلنديا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تمهيدا من السلطات الإسرائيلية، لإقامة المستوطنة الجديدة.

المستوطنة 28 في القدس

ستشمل المستوطنة الجديدة والتي تحمل رقم 28 في مدينة القدس، بناء 11ألف وحدة استيطانية فوق مساحة تزيد عن 1240 دونماً في بلدة قلنديا.

في تعليقها على خطة البناء، اكتفت بلدية القدس بالقول لبي بي سي إن “المستوطنة ستلبي مصالح الجمهور والمنفعة العامة في مختلف قطاعات المجتمع تحديداً السكنية والأكاديمية منها”.

ولذلك ستبنى فيها فنادق وحدائق عامة ومناطق صناعية.

وكان أرييه كينج، نائب رئيس بلدية القدس قد قال لوكالة رويترز إن الخطة، التي تتطلب مزيدا من مراحل الموافقة، تقوم على بناء ثلاثة آلاف منزل مع إضافة ستة آلاف أخرى في نهاية المطاف.

عمليات الحفر

عزل القدس عن محيطها

في حال الانتهاء من بناء المستوطنة، ستعزل مدينة القدس الشرقية عن محيطها بالكامل، بحزام استيطاني يضم شبكة طرق التفافية وأنفاقاً وجسور تصل بين المستوطنات الإسرائيلية.

ينظر إلى هذا الأمر على أنه تنفيذ عملي لما يعرف بـ “مخطط القدس الكبرى الإسرائيلي”، وفق التعبير الرسمي الفلسطيني.

إذ اعتبرت الحكومة الفلسطينية أن بناء المستوطنة الجديدة يأتي ضمن “مخطط شامل لتهويد مدينة القدس، ومحاولة لإخراجها من أي مفاوضات ثنائية مستقبلية” لإيجاد حل شامل للصراع.

تحدثت مع المسؤول في الهيئة الفلسطينية لمقاومة الجدار والاستيطان، قاسم عواد، وقال لي: “هذه المستوطنة ستبتلع الحلم الفلسطيني لاستعادة مطار القدس الدولي التاريخي الذي حطت فيه مئات الرحلات الدولية منذ عقود. واتفاقية أوسلو نصت على استرداد السلطة الفلسطينية له ليكون المطار الفلسطيني لدولتنا المستقبلية، لكن الاحتلال الإسرائيلي يقتل كل ما من شأنه إثبات أن هناك أفقاً لسلام عادل وشامل للشعبين”.

يعتبر معظم المجتمع الدولي المشاريع الاستيطانية في الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل عام 1967 "غير شرعية" على الرغم من أن إسرائيل تعارض ذلك
يعتبر معظم المجتمع الدولي المشاريع الاستيطانية في الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل عام 1967 “غير شرعية” على الرغم من أن إسرائيل تعارض ذلك

وكان مخطط المستوطنة الجديدة قد جمد لأعوام طويلة في مناسبات عدة، نتيجة الضغط الدولي المناهض للاستيطان والذي تجدد بتنديد من الاتحاد الأوروبي.

ممثلو الاتحاد الأوروبي كانوا قد أجروا جولات ميدانية في بلدة قلنديا مؤخراً للاطلاع على أعمال بناء مستوطنة اعتبرها الاتحاد الأوروبي “مخالفة للقانون الدولي وتهدد ما تبقى من إمكانية لتطبيق حل الدولتين”.

هذا التعبير تكرر على لسان وزارة الخارجية الفلسطينية التي قالت إن القرار الإسرائيلي يشير إلى أن “إسرائيل تسعى إلى فصل القدس عن محيطها الفلسطيني، والحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية”.

الوزارة الفلسطينية حضت الولايات المتحدة والقوى العظمى على “التدخل الفوري لوقف هذه المشاريع الاستيطانية”.

ولم تعلق السفارة الأمريكية بالقدس على الأمر بعد. كما لم يصدر رد على الانتقادات الموجهة من الفلسطينيين وممثلي الاتحاد الأوروبي من الحكومة الإسرائيلية المركزية.

وتقول ميراف زونسزين، وهي باحثة أولى في مجموعة الأزمات الدولية، تركز على ملف إسرائيل والأراضي الفلسطينية، لبي بي سي عربي إن “المشروع الجديد سيكون بحجم مدينة إسرائيلية صغيرة، ما يجعله أكبر مستوطنة تبنى في القدس الشرقية منذ بناء مستوطنة هار حوما” (بنيت في تسعينيات القرن الماضي وكان عدد سكانها يبلغ عام 2013 نحو 25 ألفاً).

وترى زونسزين أن المشروع الجديد، كما غيره من المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية “يظهر نية إسرائيل في مواصلة الاستيطان في الأراضي التي تحتلها، في تحد مباشر للقرار الوطني الفلسطيني، ولفرص الاتصال الجغرافي بين رام الله والقدس”، إذ تشير إلى انه وعلى الرغم من وجود “خطط” لبناء مستوطنات في القدس الشرقية ستعمل في حال إنشائها على فصل القدس عن الضفة الغربية، يبقى المشروع الحالي من بين أكبر المشاريع الاستيطانية في القدس الشرقية.

لكنها تضيف أن صدور قرار بلدية القدس لا يعني أن الأمر قد حسم نهائياً، إذ أنه “في حال وجود ضغوط دولية كافية، يمكن للحكومة الإسرائيلية وضع حد للمشروع، أو تأجيله على الأقل”، كما تقول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock