رؤى

التنافس مع الصين يتطلب إشراك الدول النامية (2 – 2)

عرض وترجمة: أحمد بركات

في الوقت الذي تضخ فيه “بكين” أموالا طائلة وتكنولوجيا متطورة، في منطقة الشرق الأوسط، نجحت السياسة الخارجية الصينية –أيضا– في مد جسور مبادراتها في جنوب شرق آسيا، حيث وطَّدت علاقاتها مع تايلاند والفلبين، الدولتين الحليفتين للولايات المتحدة على مدى السنوات القليلة الماضية، وتحسين علاقاتها بإندونيسيا أثناء فترة الجائحة، برغم مخاوف الأخيرة من موقف الحكومة الصينية من “الأويغور” والمجموعات العرقية المسلمة الأخرى، وحملاتها في جنوب الصين وبحر “ناتونا”.

رغم ذلك، تُعَدُّ الصين ثاني أكبر مصدر للاستثمار في إندونيسيا. فمنذ بدء جائحة كورونا، أسست الدولتان حوارا رفيع المستوى لتعزيز العلاقات الثنائية، كما أجرتا تدريبات بحرية، ووافقتا على بناء مصنع لفحم الكوك بتكلفة 830 دولار في “سولاويزي”.

وبرغم تاريخهما المشترك الحافل بالتعقيدات، والذي يتضمن العديد من جولات العنف التي استهدفت مواطنين صينيين ينتمون إلى بعض الإثنيات في جميع أنحاء إندونيسيا، يبدو أنَّ كُلًّا من “بكين” و”جاكرتا” مُهَيَّأتين للبناء على المشروعات الممولة صينيًا، والتي يبلغ عددها (3000) مشروع، عبر الأرخبيل.

وفي أميركا اللاتينية جعلت الصين من دبلوماسية “اللقاحات والكمامات” مرتكزا لجهودها الأخيرة في المنطقة، حيث قدمت نصيب الأسد من الجرعات لدول هذه المنطقة، بما في ذلك تشيلي وبنما. كما جعلت الصين –أيضا– من هذه الدبلوماسية ملمحا أساسيا لانخراطها في إفريقيا، ولا تزال “بكين” تقدم التكنولوجيات الرقمية لجميع دول القارة.

وبرغم انخفاض حجم القروض التي تقدمها “بكين” للدول الإفريقية بدءا من عام 2019، لا تزال الصين تقوم بالعديد من الاستثمارات الكبرى في مجالات البنية التحتية والتصنيع منذ بدء الجائحة. ففي العام الماضي، وقَّعت جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوتسوانا رسميا على مبادرة “الحزام والطريق” ووافقت تنزانيا مؤخرا على توقيع عقد بقيمة 1.32 مليار دولار مع شركتين صينيتين، من أجل إنشاء خط سكة حديد جديد. كما وقعت مجموعة تجار جيبوتي والصين على إبرام صفقة بقيمة ثلاثة مليارات دولار لتوسيع ميناء مدينة جيبوتي.

وبرغم تبني “بايدن” على المستوى الخطابي، لعودة “واشنطن” إلى نهج تعددية الأطراف، إلا أنَّ تعامل إدارته مع الدول منخفضة ومتوسطة الدخل؛ كان باهتا. ففي مقاله في مجلة “فورين أفيرز” الأميركية في ربيع عام 2020، والذي عرض فيه “بايدن” بإيجاز لرؤيته للسياسة الخارجية، لم يستخدم الرئيس الأميركي على الإطلاق عبارة “العالم النامي” كما اكتفى بذكر أميركا اللاتينية وإفريقيا مرة واحدة، في إشارة إلى أهمية “استغلال فرص التعاون” في تلك المناطق. إضافة إلى ذلك، لم يقدم “بايدن” في هذا المقال أي رؤية بشأن الانخراط في منطقة تمثل موطنا للغالبية العظمى من سكان العالم.

وبينما تم الاحتفاء بتعهد “بايدن” بالتبرع بنصف مليار جرعة من اللقاحات المضادة لكوفيد ـ 19 لدول أخرى، وما لاقته وعوده بتوسيع نطاق المساعدات للدول منخفضة ومتوسطة الدخل الأكثر تعرضا لخطر الاضطرابات الناجمة عن تغير المناخ من ترحيب عالمي، إلا أنَّ المشاركة الدبلوماسية لإدارته مع الدول النامية كان محدودا للغاية.

وعلاوة على ذلك، لم تُحدث اثنتان من أهم أدوات التنمية لدى الإدارة الأميركية، وهما برنامج “إعادة بناء عالم أفضل”، و”المؤسسة المالية الإنمائية”، أي تأثير يُذكر، حيث تعرضت الأولى لانتقادات حادة باعتبارها “إطار عمل يفرضه العالم الأول لحل مشكلات العالم الأول”، وليس العالم الثالث، فيما ركزت الثانية، حتى وقتنا هذا على أقل تقدير، على المشروعات في الدول ذات الدخل فوق المتوسط.

وتكمن المشكلة الجوهرية في تمويل البنية التحتية في العالم الثالث بالأساس في صعوبة تحقيق أرباح، ومن ثم فإنَّ تركيز برنامج “إعادة بناء عالم أفضل” على تعبئة رأس المال الخاص وفرض الربحية على “المؤسسة المالية الإنمائية” سيواصل إعاقة جهودهما.

وبدلا من ذلك، يجب أن تركز “المؤسسة المالية الإنمائية” على تقديم قروض طويلة المدى ومنخفضة الفائدة للمشروعات التي يمكن للشركات المحلية الاضطلاع بها، خاصة تلك التي تهدف إلى تعبيد الطرق، وتوفير الوصول إلى المياه الجارية النظيفة، وتوسيع نطاق البية التحتية الصحية وتحسينها.

بايدن
بايدن

وإلى جانب ذلك، يجب أن تنفذ الإدارة الأميركية مشروعات تنمية تتمحور حول الإنسان، مثل مبادرة “الغذاء من أجل المستقبل” التي تمولها وزارة المالية الأميركية، و”مبادرة الصحة العالمية”، وكلاهما يمثل حجر زاوية في السياسة الخارجية الأميركية.

لقد بددت الجائحة المستمرة مئات الملايين من الدولارات في مستنقعات الفقر، ومن ثم يتعين على إدارة الرئيس “بايدن” أن تجعل مساعدة هؤلاء في صورة مبادرة كبرى ورئيسية.

إذا كانت الولايات المتحدة عازمة على المنافسة مع الصين، وهوما يبدو أن “بايدن” يعكف عليه، فإنَّ عليها أن تثبت أن نظامها قادر على تقديم أكبر فائدة لأكبر عدد من الدول، وبخاصة الفقيرة.

لقد أدى نموذج الانخراط الصيني في جميع مناطق ودول العالم، برغم بعده تماما عن المثالية، إلى تحسين البنية التحتية العالمية، ووفرت أعمال وتصرفات “بكين” سواء كانت استراتيجية أو إيثارية أو كلاهما، إحساسا بأنَّ الصين تلبي احتياجات شركائها في العالم النامي. وبالنظر إلى مكانة الولايات المتحدة كزعيم للعالم، يصبح لزاما على واشنطن توسيع مشاركتها مع العالم النامي لتحسين جودة حياة الشعوب، ولتثبت أنَّ المجتمعات الديمقراطية قادرة على توجيه وقيادة التنمية العالمية برغم تفاقم التحديات المحلية والعالمية.

(انتهى)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock