بقلم: كاس مود*
ترجمة: كريم سعد
“قبل عامٍ ساهم في تحصين غرفة مجلس النواب لإبعاد الغوغاء العنيفين، واليوم يُطلق على ما حدث –بكل صفاقة– أنَّه “انتفاضة” ويُشَبِّه ما حدث بأنَّه “زيارة سياحية عادية”. هذه هي قصة النائب الجمهوري “أندرو كلايد” والذي يُمثل جزءا من مدينتي الليبرالية، وهذه ليست فحسب قصته، بل –أيضا– قصة الحزب الجمهوري في عام 2021. والتي تُظهر أنَّه حزبٌ أتيحت له الفرصة للانفصال عن المسار المُناهض للديمقراطية في عهد “دونالد ترامب” لكنَّه ذو أيديولوجيا وإرادة ضعيفة للقيام بذلك، مما يجعله يُمثل تهديدا جوهريا للديمقراطية الأمريكية في عام 2022 وما بعده.
ما يوضحه موقف “كلايد” هو تطور آخر مستمر، ألا وهو الاستيلاء البطيء والمطرد على الحزب الجمهوري من قِبل مؤيدي “ترامب” الجدد، والذين –غالبا– ما يكونون صغارا في السن نسبيا.. فعندما كان متجر الأسلحة الخاص بـ”كلايد” يرفع علم جورجيا القديم، والذي يتضمن علم الكونفدرالية، عام 2015، كان مؤيدا قويا لمرشح الرئاسة آنذاك “ترامب” وبرفقة العديد من المؤيدين لـ “ترامب” والمعارضين، كان يزين متجره بلافتات “الصحافة كاذبة”، وبعد خمس سنوات، تم انتخاب “كلايد” لعضوية مجلس النواب كجزء من موجة المبتدئين المؤيدين لـ”ترامب” والذين استبدلوا في الغالب بالجمهوريين الذين دعموا “ترامب” بشكل استراتيجي أكثر منه أيدولوجي.
ومع تَحَوُّل موقفه بمقدار (180) درجة حول تمرد التاسع من يناير، عاد “كلايد” إلى صف غالبية القاعدة الجمهورية، كما أظهر استطلاع رأي حديث لـ (UMass)، فبعد الصدمة الأولية، والإدانة الواسعة، احتضن الجمهوريون الأشخاص الذين اقتحموا مبنى الكابيتول العام الماضي، حيث أظهرت أراؤهم –في المقام الأول–أنَّهم ينظرون إلى الحدث على أنَّه “احتجاج” بنسبة 80% وعلى المتمردين بأنَّهم “متظاهرين” بنسبة 62%، بينما ألقوا باللائمة فيما حدث على الحزب الديمقراطي بنسبة 30% وعلى شرطة الكابيتول بنسبة 23% وعلى “النازيين” الجدد بنسبة 20%، وليس من المستغرب أنَّ نسبة 75% من الجمهوريين أي الغالبية العظمى، يعتقدون أنَّ البلاد يجب أن “تتجاوز” ما حدث في 6 يناير، بدلا من أن تتعلمَ منه، وعلى الرُغم من أنَّ معظم الجمهوريين لا يهتمون بكلا الحالتين، إلا أنَّ ثلث الجمهوريين يقولون إنَّهم على الأرجح سيصوتون لمرشح يرفض التنديد بالتمرد.
ويُمكن –أيضا– رؤية التهديد المناهض للديمقراطية عن طريق الحزب الجمهوري في “موجة المد والجزر” لقيود التصويت المقترحة، والتي تم تمريرها في عام 2021، حيث قام مركز “برينان” للعدالة بإحصاء (440) مشروع قانون “بإحكام تقييد الوصول إلى التصويت” تم تقديمها عبر الجميع باستثناء ولاية واحدة، من أصل (50) وهو أعلى رقم منذ أن بدأ المركز في تتبع الأمر قبل عشر سنوات، حيث تم تمرير ما يصل مجموعه إلى (34) قانونا من هذا القبيل في (19) ولاية مختلفة العام الماضي، وتم ترحيل (88) مشروع قانون في تسع ولايات إلى الفصل التشريعي لعام 2022، ومن المثير للقلق أنَّ الجمهوريين المدعومين من “ترامب” والذين يزعمون أنَّ انتخابات 2020، سُرقت –يسعون للترشح لمنصب “وزير الخارجية” في ولايات مُختلفة طعن فيها “ترامب” على النتائج دون جدوى.
وفي الوقت نفسه، فإنَّ وضع اليمين المتطرف غير الجمهوري أقل وضوحا بعد الشيء، فبينما يُحَذِّر بعض الخبراء من تحوُّل حركة الميلشيات نحو تطرف أكثر عنفا، فإنَّ الأطراف العنيفة لليمين المتطرف تواجه –أيضا– دولة أكثر يقظة، وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على الجماعات المرتبطة بهجمات السادس من يناير، مثل حركة “حُرّاس القَسَم”، والتي توجهت إليها الأنظار بعد أن زُعِمَ أن (21) من أعضائها قد شاركوا في الهجمات، وبالمثل يواجه قادة حركة “الأولاد الفخورون” المُحاكمة بشأن ما حدث، ووافق البعض على التعاون مع السلطات في تحقيقاتهم.
وبعد عقودٍ من تجاهل الحكومة الأمريكية والتقليل من شأن تهديد اليمين المتطرف بالعنف، جعل الرئيس “بايدن” “التطرف الداخلي العنيف” مصدرَ قلقٍ رئيسي لإدارته الجديدة، ووصف تفوق العرق الأبيض بانتظام على أنَّه “التهديد الإرهابي الأكثر فتكا في الوطن”.
ورَدًا على التقارير التي أفادت بأنَّ أفرادا عسكريين سابقين كانوا متورطين بشكل بارز في هجوم السادس من يناير –اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية بالتهديد الشديد للجيش والبلاد ككل، مما أسمتهم بالـ”المتطرفين المحليين” وخاصَّة أولئك الذين يعتنقون مبادئ تَفَوُّق العرق الأبيض أو أيدولوجيات القومية البيضاء”.
وهذا لا يعني أنَّ الدولة تُسيطر على اليمين المتطرف العنيف، فإنَّه في حين تم القبض على أكثر من (700) شخص يُشتبه في أنَّهم متمردون، لم تتم إدانة سوى ما يربو عن (50) شخصا بقليل حتى الآن، ويواجه معظمُهم غراماتٍ وفتراتِ مراقبةٍ فقط، بعد أن رفض القضاة ووزارة العدل تغليظ العقوبة، ويتبين من تقارير وسائل الإعلان أنَّ كلًا من الجيش وقوات إنفاذ القانون؛ كافحت للتخلص من الأفكار اليمينية المتطرفة ومؤيديها، لكنَّ الأفراد والجماعات اليمينية المتطرفة والتي يُحتم أن تكون عنيفة، تخضع الآن للمراقبة أكثر بكثير مما كانت عليه منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فنحن الآن في لحظة ربما تشبه إلى حد كبير الفترة القصيرة التي أعقبت “تفجير أوكلاهوما سيتي” عام 1995.
بإختصار، بعد مرور عام على هجوم الكابيتول، أصبحت الديمقراطية الأمريكية في مكان مختلف، إلا أنَّها لا تزال هشَّة، لكن المهم الآن، أنَّ المتطرفين لم يعودوا موجودين في البيت الأبيض، فهذا الأمر هو الذي كان يشجع غوغائي اليمين المتطرف ويوفر لهم الحماية. في الواقع، أصبحت الدولة أكثر وعيًا ويقظةً تجاه تهديد اليمين المتطرف أكثر مما مضى، وربما يكون تهديد حركة اليمين المتطرف بالعنف المباشر أقل حِدَّة من السابق، وذلك ليس لأنَّ الحركة أضعف، ولكن لأنَّ الدولة أقوى.
وفي الوقت نفسه، أصبح الحزب الجمهوي مرتبطا بشكل واضح ومتزايد بالتطرف، حيث نراه يُنكر إضفاء طابع مناهضة الديمقراطية على هجوم 6 يناير وشرعية رئاسة “بايدن” ويمرر عددا غيرَ مسبوقٍ من مشاريع قوانين تقييد التصويت، استعدادا لانتخابات 2022، النصفية وانتخابات 2024، الرئاسية.. وطالما أنَّ البيت الأبيض يُركز بشكل أساسي على محاربة “التطرف العنيف الداخلي” فقط، ويتجاهل أو يقلل –بنسبةٍ ما– من التهديد الأكثر فتكا بالديمقراطية الأمريكية والذي يُشَكِّلُه المتطرفون اللاعُنفيُّون، فإنَّ الولايات المتحدة ستستمر في الاقتراب أكثر فأكثر من مستقبل ذو حكم “سُلطوي”.
*أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورجيا
لقراءة المصدر الأصلي، أضغط هنا