نقلا عن صفحة الأستاذ الدكتور إسماعيل صبري مقلد أستاذ العلاقات الدولية
أرجو ألا أكون بعيدا عن الحقيقة عندما أقول أن محورا استراتيجيا ثلاثيا خطيرا بدأ يُطل برأسه علينا الآن في الشرق الاوسط، محور تُشكّل تركيا وإسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة أضلاعه ومحاوره الرئيسية.
وقد تسارعت قوة الدفع المُحرِّكة لهذا المحور الاستراتيجي الجديد في الآونة الأخيرة؛ بفعل كثافة التفاعلات والاتصالات والزيارات المكوكية المتبادلة، بين قادة ورؤساء هذه الدول الثلاث، وهي التحركات التي تمخَّض عنها، التوقيع علي عدد كبير من الاتفاقات والبروتوكولات التي أرست الأساس لقاعدةٍ ضخمةٍ من المصالح المشتركة التي سوف يرتكز عليها تطوير منظومة العلاقات المتبادلة لهذه الدول، وتوسيع آفاقها في مختلف المجالات لأوسع وأبعد مدى ممكن مستقبلا.. وهو الأمر الذي يدعونا إلى القول بأننا بصدد قيام محور استراتيجي جديد يمتلك فعاليات كبيرة ومؤثرة في مجال العمل الإقليمي المشترك، مستندا في ذلك إلى شبكةٍ واسعةٍ من العلاقات السياسية القوية والروابط الأمنية الوثيقة والمصالح الحيوية المشتركة مع كافة القوى الكبرى في العالم.
ومن الامور الجديرة بالإشارة، أن دولة الإمارات العربية المتحدة، أصبحت هي التي تُشكّل حلقة الربط الرئيسية بين الدول الثلاث الأطراف، في هذا المحور الإقليمي الجديد، الذي من الوارد تماما أن يتحول قريبا إلى تحالف استراتيجي مكتمل المعالم والأركان؛ تبعا لما سوف تضعه تلك الاطراف لهذا التحالف من أهدافٍ يتطلَّب تحقيقها وضع ثقلها الجماعي المتكامل وراءها، وقد يدفع هذا التحول المتوقع العديد من دول المنطقة للانضمام إليه لاحقا، ولنكون وقتها أمام شرق أوسط جديدٍ ومختلفٍ في الكثير من ملامحه وأوضاعه وأنماط علاقاته، عن كل ما نحن فيه الآن.
ويثير هذا التطور الاستراتيجي الأخير، حتي –وإن كان ما يزال بعد في بداياته أو في مراحله التأسيسية الأولى– العديد من التساؤلات ومن ذلك:
– ما هو الهدف الحقيقي لدولة الإمارات، من وراء كل تلك المبادرات والتحركات والاتفاقات والصفقات السياسية والأمنية، التي كان لها دور محوري بارز فيها كلها، والتي تتحمل النصيب الأكبر من أعبائها وتكاليفها المالية التي تجاوزت حتي الآن عشرات المليارات من الدولارات وفق الأرقام الرسمية المعلنة؟ ولماذا كان اقترابها كدولة عربية خليجية مع هاتين الدولتين من دول المنطقة بالذات؛ رغم علمها أن تركيا تحتل حاليا أجزاء مهمة من الأراضي السورية والعراقية والليبية، وترفض التخلي عنها أو الانسحاب منها وشرعت في “تتريكها” لإفقادها معالمها العربية، كما أن لها خلافات سياسية عميقة مع عدد من الدول والحكومات العربية، فضلا عن احتضانها لبعض الجماعات والتنظيمات الارهابية كـ”داعش” وغيرها وتوفير الملاذات الآمنة لها في أراضيها، هذا بينما تمارس إسرائيل أفظع أشكال القمع والتمييز العنصري والتنكيل ضد الفلسطينيين، وإنكار حقوقهم الوطنية المشروعة وأهمها –إطلاقا– حقهم في أن تكون لهم دولتهم الوطنية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية؟
ومن هنا نتساءل، ما هو الهدف المشترك، الذي يجمع هذه الدول الثلاث ببعضها، في مثل الظروف الحرجة والمعقدة، التي تمر بها هذه المنطقة، التي تدمرها الصراعات والأزمات والحروب الأهلية المسلّحة، التي تتحمل تركيا وإسرائيل جانبا كبيرا من المسئولية عنها؛ برفضهما حلها بالطرق الدبلوماسية السلمية؟ وإذا كان لهذا المحور الثلاثي أجندة متوافق عليها بين أطرافه كبرنامج للعمل الإقليمي المشترك الذي سوف يتحملون معا المسئولية عنه، فما هي الصورة التي يمكن أن يأتي عليها ترتيب هذه الدول الثلاث؛ لأولويات هذا البرنامج ولمحاور وآليات حركته حتي يثمر نتائجه المرجوة؟
– ثم ما هو موقف كل من مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، من قيام الإمارات بشكل مستقل ومنفرد بهذا الدور الخطير؛ بالتعاون والتنسيق الكامل مع تركيا وإسرائيل دون الرجوع إليهما؛ لإحاطتهما بأسبابها ودوافعها وأهدافها من وراء كل هذا الذي يجري الآن –علي قدم وساق– بين أبو ظبي وأنقرة وتل أبيب، دون أن يكون لهما أي دراية به أو فكرة عنه؟ وهل سيتعاملان مع ما يحدث علي أنه شأن إماراتي صِرفٌ، وأنه حقٌ خالصٌ من حقوق السيادة الوطنية لدولة الإمارات، أم أنه سوف يكون لهما وقفة معها؛ لضبط المسار الذي تتحرك فيه تفاديا لانحدار الأمور نحو الاسوأ، وتأزيم الأوضاع العربية فوق ما هي عليه حاليا؟
– ثم –وهذا مهم– هل سيحفِّز قيام هذا المحور الاستراتيجي الإقليمي الثلاثي قوة إقليمية كبيرة مثل إيران إلى الرد عليه، بإنشاء محورٍ مضادٍ له؛ تكون هي من تقوده وتحشد له الإمكانات الضرورية؛ للتخفيف بها من ضغوطه عليها أو من تهديداته لها؟ وألن يكون ذلك إيذانا بدخول الشرق الأوسط وقتها في دوامة المحاور والتحالفات والاستقطابات السياسية الحادة، وبالتالي المساعدة في خلق مناخ إقليمي يتسم بالتوتر والصراع وعدم الاستقرار، وهو ما يمكن أن يُشكّل تهديدا خطيرا للسِّلم والأمن الإقليمي والدولي؟
واجمالا، فإن الأوضاع الإقليمية في هذه المنطقة من العالم، سوف تتطور علي نحو ما أتوقع كنتيجة لقيام هذه المحاور الاستراتيجية الجديدة نحو الأسوأ، أعني أننا هنا في منطقتنا العربية، سوف نكون مُقْدِمِينَ من خلال صراع تلك المحاور وتقاطع سياساتها ومصالحها واستراتيجياتها مع بعضها؛ علي تحوّلات سياسية وأمنية سلبية للغاية.. تحولات سوف يكون للقوى الإقليمية غير العربية فيها –وهي تحديدا تركيا واسرائيل وإيران– اليد العليا في رسم الخرائط والأجندات، وفي إثارة القلاقل والتوترات، وفي توظيف الصراعات والأزمات التي تسحق العديد من دول المنطقة، والدفع بها في المسارات التي تقررها هذه القوى الإقليمية غير العربية، من منطلق ما تفرضه عليها مصالحها ودواعي أمنها وسعيها إلى الهيمنة، وتعزيز المكانة وتوسيع الأدوار وتعظيم العوائد والأرباح، هذا بينما تظل الأطراف العربية، هي أكثر من يحصد الخسائر، ويدفع الثمن بسبب تشتتها وتخاذلها وغياب إرادتها لتغيير واقعها برؤية عربية قومية متوافق عليها.
ويبقي التساؤل المطروح منذ البداية، وهو ماذا تريد دولة الإمارات العربية المتحدة من هذا كله؛ حتي نعرف نقطة النهاية في هذا المسار السياسي الشائك الذي تتحرك فيه بكل هذا الحماس والاندفاع بقراراتها المنفردة، دون الرجوع فيها إلى أشقائها العرب؛ لتعريفهم بما تنوي الإقدام عليه: المسار الذي تتحمل وحدها معظم أعبائه وتكاليفه الاقتصادية والمالية، وهي تكاليف باهظة ومرهقة بالنسبة لدولة صغيرة مثلها. وعندما تتضح أمامنا صورة ما يجري بتفاصيلها الكاملة علي حقيقتها، وأقصد من الإماراتيين أنفسهم، وهذا دورهم قبل أن يكون دور غيرهم، فقد يكون لنا وقتها حكم آخر واستنتاج مختلف.