رؤى

اتفاقية سلام ممكنة بين أوكرانيا وروسيا.. لكنها ستعني نتيجة غير عادلة لإنهاء الصراع

ترجمة: كريم سعد

قال “فولوديمير زيلينسكي” ذات مرة مازحا؛ عندما دعا “فلاديمير بوتين” لمقابلته لإجراء محادثات: “أنا لست لقمة سائغة” لكن أي اتفاق سلام بين البلدين يمكن أن يكون “لقمة مريرة” على الرئيس الأوكراني أن يبتلعها إذا أراد إنهاء الحرب في أوكرانيا.

حيث قدّم الرئيس الروسي عددًا من المطالب قبل شهر من شن غزوه، تتعلق بوضع شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو في عام 2014، ومناطق دونيتسك ولوهانسك في شرق أوكرانيا ومحاولة كييف للانضمام إلى الناتو.

وهذا الأسبوع، أشار السيد “زيلينسكي” إلى أن كل شيء مطروح على طاولة المفاوضات؛ حيث جدد طلبه لإجراء محادثات مع روسيا. وتعهد بتقديم أي تنازلات للاستفتاء وبدا أنه يوافق عن طيب خاطر على التخلي عن أي خطط للانضمام إلى الناتو.

وهذا ما دعا “مارك ويلر” أستاذ القانون الدولي والدراسات الدستورية الدولية في جامعة كامبريدج. أن يتساءل: “هل من الحكمة أن يقدم “زيلينسكي” التنازلات قبل أن يحصل على أي نوع من التسوية العادلة؟.. حيث أنه عادة في المفاوضات أنت لن تتخلى عن شيء دون أن تأخذ شيئًا في المقابل.”

بوتين
بوتين

وقال البروفيسور “ويلر” الذي عمل كخبير كبير في الوساطة بالأمم المتحدة ومستشارًا في العديد من مفاوضات السلام في السنوات الثلاثين الماضية، بما في ذلك كوسوفو وسوريا واليمن وترانسنيستريا التي تحتلها روسيا؛ أنه من الممكن حدوث اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا ويمكن أن يكون هناك تنازلات لكلا الطرفين المتنازعين.

وكانت هناك عدة محاولات فاشلة للتوصل إلى أي تقدم ذي مغزى خلال محادثات السلام بين موسكو وكييف خلال الشهر الماضي، حيث كانت مسألة الأراضي في منطقة دونباس المحتلة في شرق أوكرانيا – والتي تشمل دونيتسك ولوهانسك – نقطة شائكة كبيرة لكليهما..

ورفضت أوكرانيا أي اعتراف بالسيطرة الروسية على أراضيها، لكن “زيلينسكي” ألمح مؤخرًا إلى أن أي اتفاق سلام قد يؤدي إلى تنازلات بشأن المناطق المحتلة من قبل روسيا.

وأوضح البروفيسور “ويلر” أن البعض اقترح أن مصير شبه جزيرة القرم يمكن تقريره عن طريق استفتاء آخر في الإقليم، لكن أي تصديق على الضم سيكون صعبًا، سواء بالنسبة لأوكرانيا أو المجتمع الدولي، نظرًا للاستخدام غير القانوني للقوة. ولكن يمكن إيجاد صيغة دبلوماسية للكلمات تسمح للجانبين بالحفاظ على رؤية للوضع القانوني للإقليم.

فلاديمير زيلينسكي
فلاديمير زيلينسكي

واقترح البروفيسور “ويلر” الذي صاغ إطار عمل لصفقة محتملة، أن مناطق دونيتسك ولوهانسك، حيث أقل من نصف السكان روس، يمكن أن تُمنح وضعًا خاصًا ككيانات مستقلة داخل أوكرانيا. وقد يعني هذا إنشاء “حكومة محلية معززة” للمناطق التي يسكنها الروس حيث يمكن أن يكون لديهم “علاقات خاصة” مع روسيا عبر الحدود. وأن تضمن الاتفاقية تمثيل المجتمعات اللغوية والعرقية في كلا الكيانين بشكل عادل.

وقال البروفيسور “ويلر” إن هذا سيظل امتيازًا نوعًا ما لروسيا، لأن فرض السيطرة بالقوة هو أمر لا تستطيع موسكو أو أي دولة أخرى فعله بسهولة لأن القانون الدولي يحظر الاستحواذ على الأراضي من خلال استخدام القوة.

وأضاف البروفيسور “ويلر”: “أن هذا الأمر سيُعد تنازلا كبيرا للأوكرانيين لأنهم عارضوا بشدة فكرة إعطاء وضع خاص للمنطقتين”.

ولكي تنجح اتفاقية السلام، يجب أن تكون هناك التزامات من قبل الدول الأخرى، لا سيما من قبل الغرب برفع العقوبات عن روسيا، وجادل البروفيسور “ويلر” بأن الدول الغربية يجب أن تتعهد برفع العقوبات التي قد تكون مرتبطة بمتطلبات وقف إطلاق النار والانسحاب الكامل للقوات الروسية من أوكرانيا.

وأردف البروفيسور “ويلر”: “فقط إذا تم تنفيذ كلا الأمرين، فستأتي كل الأشياء الجيدة الأخرى تباعًا لبوتين، مثل الالتزام بالحياد وبعض الأشياء الأخرى التي يرغب فيها.. وسيتم تقييد رفع العقوبات على روسيا لتصبح شيئًا مثل “نظام إشارات المرور” تتوقف على امتثال روسيا لبنود الاتفاقية.”

البروفيسور مارك ويلر
البروفيسور مارك ويلر

وسيمنح الاتفاق لبوتين كل ما يريده تقريبًا، ولكن هذا قد يثير غضبًا واسعًا في أوكرانيا والتي عانت من خسائر فادحة في أرواح المدنيين وتدمير مدنها. لكن ما لم تُهزم روسيا عسكريًا وتنسحب قواتها، فقد لا يكون أمام أوكرانيا خيار سوى التوقيع على اتفاق سلام غير عادل لوقف قوة أجنبية تقتل شعبها.

وبالنسبة إلى كييف، سيكون الاتفاق مبررًا لأنه ينهي الصراع والعنف، بينما بالنسبة لموسكو، يمكنه أن يكون شيئًا يجعل بوتين يدعي أنه حقق أهدافه التي حددها بنفسه عندما بدأ الأمر بالسير نحو أوكرانيا.

وقال البروفيسور “ويلر”: “هذا هو الوضع الظالم”. فبصفتك صانع سلام، عليك أن تضع لنفسك حدودًا خارجية لما تعتقد أن النظام الدولي يمكن أن يقبله، وحتى لو كان نتيجة غير عادلة، فهي كفيلة بإنهاء الصراع، فإن لم يكن هناك نصر حاسم، يجب أن يكون الجانبان كلاهما قادرين على الابتعاد عن التسوية بطريقة تحفظ ماء الوجه. وتجعلهما يستطيعان أن يشرحا لناخبيهم أنهما لم يقدما تنازلات مستحيلة ولكن ما حدث كان مبررًا.

وأضاف “ويلر”: “أن (السيد بوتين) يحتاج إلى أن يكون قادرًا على إعلان النصر، وإلا فلن يقوم بأي تسوية. وهذه هي “اللقمة المرة” التي يجب على “زيلنسكي” أن يبتلعها في مفاوضات من هذا النوع، والتي يُمكن أن تبني حلاً يمكن للطرفين قبوله. وإلا من ناحية أخرى، إذا لم يتمكن أحد الأطراف من قبول هذا الحل، فلن يكون هناك أي حل “.

دبابات الجيش الروسي في أوكرانيا
دبابات الجيش الروسي في أوكرانيا

ولكن مع ذلك ليست كل الأخبار جيدة بالنسبة لروسيا. حيث أن المحكمة الجنائية الدولية بدأت تحقيقًا بشأن جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبها السيد بوتين ضد المدنيين في أوكرانيا، وهو أمر لا يمكن إيقافه باتفاق سلام شخصي، سواء كان الشخص قائدًا سياسيًا أو قائدًا عسكريًا، ولا يمكن تبريره من المساءلة من خلال العفو.

وقال البروفيسور “ويلر” إنه يمكن أيضًا صياغة عناصر الصفقة بطريقة لا تثير اعتراضات أي من الطرفين. مثل قضية التعويضات لأوكرانيا التي قد تتطلب تريليونات الدولارات، وأضاف أنه شيء لا يمكن تصور أن توافق روسيا عليه. واقترح إخفاء ذلك في اتفاقية السلام مع إنشاء “صندوق الصداقة الثقافية لإعادة الإعمار والتنمية” حيث ستكون روسيا أول من يدفع مبلغًا كبيرًا للغاية مع الدول الأخرى التي تليها.

وعلى مدى ثلاثة عقود من مفاوضات السلام، تعلم البروفيسور “ويلر” أن أحد العناصر الأساسية في المحادثات هو فهم الشخصيات، حيث يتعين على المشاركين في المفاوضات تطوير علاقات مع الأطراف الرئيسية، وهو ما سيكون صعبًا في هذا الصراع نظرًا لمدى عزلة السيد بوتين، حتى عن مستشاريه.

ويمكن تنفيذ الوساطة من قِبل كبار السياسيين، لا سيما أولئك الذين كانوا حذرين في انتقاد الغزو الروسي لكنهم لم يدينوا بوتين بشكل صريح. وأشار البروفيسور “ويلر” إلى الرئيس الفنلندي “سولي نينيستو” الذي ظل على اتصال مع السيد بوتين، وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي “نفتالي بينيت” والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

والتقى وزيرا الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” والأوكراني “دميترو كوليبا” في منتجع أنطاليا التركي في وقت سابق من هذا الشهر. وفي حين أن ذلك اللقاء لم يسفر عن نتائج ملموسة، إلا أن المناقشات مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لا تزال جارية.

وأضاف البروفيسور “ويلر”: “سيكون من المهم الإبقاء على هذه القنوات مفتوحة”.

مصدر الترجمة

كريم سعد

مترجم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock