رؤى

في ذكرى مذبحة بحر البقر.. سجل أسود لجرائم الصهاينة ضد المدنيين

في الثامن من أبريل عام1970، أقدم العدو الصهيوني على ارتكاب جريمة بشعة تضاف إلى سجل جرائمه الحافل، عندما قامت طائراته من طراز فانتوم بقصف مدرسة بحر البقر الابتدائية بقرية بحر البقر التابعة لمركز الحسينية بمحافظة الشرقية، ما أسفر عن استشهاد ثلاثين طفلا، وإصابة خمسين آخرين بإصابات متفاوتة بين طفيفة وخطرة، كما أصيب من العاملين بالمدرسة اثنا عشر شخصا بينهم معلم، وتم تدمير مبنى المدرسة بالكامل.

كان العدو قد أقدم على فعلة نكراء أخرى قبل ذلك التاريخ بنحوٍ من شهرين، عندما قصفت طائراتُه مصنع أبي زعبل التابع للشركة الأهلية للصناعات المعدنية، وأسفر القصف عن استشهاد سبعين عاملا وإصابة مثلهم واحتراق المصنع.

والحقيقة أن استهداف المدنيين من جانب العدو الصهيوني، هو عمل ممنهج بدأ مبكرا جدا عام1937، فقد ارتكب الصهاينة خلال عشر سنوات سبقت إعلان دولتهم، نحوا من سبع وأربعين مذبحة، راح ضحيتها 1318 فلسطيني، وكان الهدف من هذه المذابح، هو الترويع ونشر الرعب في قلوب الفلسطينيين؛ حتى يغادروا بيوتهم وقراهم، يؤكد ذلك كثافة تلك المجازر، وتنوع أماكنها بين القدس وحيفا ويافا، وعلى طول فلسطين وعرضها، وخلال عام واحد ارتكب الصهاينة عدة مذابح في دير ياسين، والطنطورة، وقرية بلد الشيخ، والصفصاف، وعيلوط، وعرب المواسي قبل أن يرتكبوا في 11 من يوليو عام 1948، مجزرة كبرى عندما اقتحمت وحدة كوماندوز يطلق عليها اسم “البلماخ” يقودها “موشيه ديان” مدينتي اللد والرملة الواقعتين في منتصف الطريق بين يافا والقدس- في المساء بعد تمهيد بقصف مدفعي استهدف الأحياء السكنية، وقد اعترف “مولاي كوهين” في تقريره عن وقائع هذه المجزرة أن وحشية الحرب فيها قد بلغت الذروة.. وكانت المحصلة 426 شهيدا من بينهم ثمانين قتلوا داخل مسجد “دهمش” بوسط المدينة.

وقبيل انقضاء العام نفسه تُقْدِم الكتيبة 89 التابعة لمنظمة “ليحي” على جريمة أخرى في قرية الدوايمة غرب الخليل، عندما اقتحم جنود الكتيبة بقيادة نفس السفاح “ديان” منازل القرية منزلا منزلا، ليقتلوا كل من وجدوه، قبل أن يذبحوا خمسة وسبعين شيخا مسنا كانوا قد احتموا بمسجد القرية، وفي صباح اليوم التالي كانت خمس وثلاثون أسرة تتعرض للإبادة بالمدافع الرشاشة بعد لجوئهم للمغارات الجبلية القريبة من القرية.

ثم كانت مذبحة “قبية” في أكتوبر من العام1953، عندما هاجمت الوحدة المظلية 101 بقيادة “آرئيل شارون” القرية الواقعة في الضفة الغربية، وكانت تابعة للسيادة الأردنية، بعد قصف استهدف قرية “بُدرس” وإطلاق نار على قريتي “شُقبا ونعلين” وأسفرت الجريمة عن استشهاد أربعة وسبعين فلسطينيا، وهدم خمسة وأربعين منزلا ومسجد ومدرسة القرية.

مذبحة قبية
مذبحة قبية

ويشهد العام 1956، مذبحتين أخريين في نهاية أكتوبر، عندما استشهد في كفر قاسم خمسون فلسطينيا من بينهم نساء وثلاثة وعشرون طفلا دون السابعة عشرة، وفي نوفمبر من العام نفسه؛ ينفذ جيش الاحتلال في خان يونس جنوبي القطاع، مذبحة يذهب ضحيتها  250 فلسطينيا، وبعد أيام تنفذ وحدة أخرى مجزرة وحشية تودي بأرواح 275 شهيدا من المدنيين في المخيم نفسه، قبل أن تقتل 100 فلسطيني من سكان مخيم رفح للاجئين في نفس اليوم.

وقد شهد عقد الخمسينات سبع عشرة مذبحة ارتكبها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني راح ضحيتها نحو 970 شهيدا، وقد شهد القطاع معظم تلك المذابح.. أما عقد الستينات فقد شهد عدة مجازر أهمها ما حدث يوم الخامس من يونيو في مدينة القدس إذ قتلت قوات الاحتلال ثلاثمئة فلسطيني بدم بارد.

ونأتي إلى أكبر المذابح التي ارتكبها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني، وهي مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982، التي راح ضحيتها أكثر من 3500 فلسطيني من سكان المخيمين الواقعين غرب بيروت بلبنان، وكانت قوات حزب الكتائب اللبناني قد شاركت الصهاينة في تلك المذبحة بعد صدور القرار بارتكاب تلك الجريمة من “رفائيل إيتان” رئيس أركان الحرب الصهيوني، وبمباركة “آرئيل شارون” وزير الدفاع آنذاك.

صابرا وشاتيلا
مذبحة صابرا وشاتيلا

شهدت المذبحة أيضا جرائم اغتصاب، كما بقرت بطون الحوامل.. وقد استمرت عمليات القتل لثمان وأربعين ساعة دون توقف، قبل أن يُسمح للصحافيين ووكالات الأنباء بدخول المخيمين.. وكانت الآليات قد أحكمت إغلاق مداخل كلا المخيمين؛ حتى لا ينجو أحد من المذبحة التي كان أغلب ضحاياها من النساء والأطفال والشيوخ العزل.

بعد تلك المذبحة بخمسة أعوام تندلع انتفاضة القدس الأولى، فتواجه من قبل قوات الاحتلال بأقصى درجات الشراسة، ويستمر الصمود الفلسطيني في وجه الآلة الإجرامية الصهيونية، ليرتفع عدد الشهداء منذ بداية الانتفاضة وحتى حلول عام 2004 إلى نحو 5067 شهيدا.

خلال تلك الفترة ارتكب جيش الاحتلال مجزرة قانا في 18 أبريل 1996، بجنوب لبنان بعد قصف مقر قوات اليونيفيل الذي لجأ إليه نحو 800 لبناني أثناء عملية عناقيد الغضب التي شنها الكيان على جنوب لبنان، وقد خلّف القصف حوالي 250 قتيلا.

مذبحة قانا
مجزرة قانا

 وفي نفس القرية تتكرر المأساة في نهاية يوليو2006،عندما يستشهد نحو 55 لبنانيا معظمهم من الأطفال بعد أن قصف الصهاينة مبنى من ثلاثة طوابق لجئوا إليه بحجة أن حزب الله كان يستخدمه كمنصة لإطلاق الصواريخ على قوات الاحتلال.

 ولم تتوقف جرائم الكيان الصهيوني ضد المدنيين في قطاع غزة الذي تم تدميره عدة مرات بعد ذلك.. فقبيل انقضاء العام 2008، بدأ العدو عملية إرهابية جديدة ضد الفلسطينيين العزل، أسماها “الرصاص المصبوب” وقد استهل الصهاينة جريمتهم تلك بقصف جوي استهدف احتفالا للشرطة الفلسطينية، وقد أسفر الهجوم عن استشهاد 230 فلسطينيا. وفي حي الشجاعية بالقطاع عام 2014، ارتكب الصهاينة جريمة جديدة راح ضحيتها أكثر من سبعين شهيدا.

 وفي الرابع عشر من مايو عام2018، يرتكب الصهاينة مجزرة جديدة ضد المتظاهرين الفلسطينيين، عند نقاط التماس شرقي قطاع غزة، بالتزامن مع نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والذكرى السبعين لنكبة فلسطين، وقد أسفرت المجزرة عن ارتقاء 60 شهيدًا؛ وإصابة 2771 آخرين، أكثر من 1100 إصابة منها كانت بالرصاص الحي.

الصدمة والترويع 2008

وفي فجر اليوم التالي أطلقت طائرات الاحتلال ستة صواريخ باتجاه منزل علاء محمد أبو حطب، المكون من ثلاثة طوابق بمنطقة مخيم الشاطئ، ؛ ما أدى إلى استشهاد عشرة أشخاص، بينهم امرأتان وثمانية أطفال، وتدمير المنزل بشكل كلي.. وقد استمر القصف الوحشي باستهداف بناية أبو العوف المكونة من أربعة طوابق، وتضم شققًا سكنية، وأخرى تجارية، وتقع على مفترق اتحاد الكنائس بشارع الوحدة.. ما أدى إلى استشهاد 24 شخصًا، معظمهم من الأطفال والنساء.. كما استهدفت بنايتان سكنيتان بنفس الشارع تتكون كل منهما من أربعة طوابق، وقد دمرتا على قاطنيهما أيضًا؛ ما أدى إلى استشهاد ثمانية عشر شخصًا من عائلة واحدة.

لم يعرف الصهاينة عبر تاريخ دويلتهم اللقيطة سوى المذابح والمجازر والقتل والدمار، ولم تفلح أية محاولة لإثنائهم عن هذا النهج الإجرامي؛ لأنه جزء من عقيدتهم العسكرية التي تقوم على الصدمة والترويع، كما أسموا إحدى عملياتهم العسكرية على القطاع عام 2008، .. ومع هذا السجل الحافل بالجرائم ضد الإنسانية يصبح الحديث عن السلام حديثا هزليا؛ خاصة وأن شلال الدم الفلسطيني ما زال متدفقا، يلعن الخائنين والمتوائمين والخانعين ليل نهار.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker