ما بين تهليلٍ وتسبيحٍ وذكرٍ وحمدٍ لله عز جل ومدحٍ لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وما بين موضوعات دينية أخرى عديدة، تتناول المناسبات الدينية كشهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى، نجد أنفسنا في كثير من الأحيان نردد الكلمات ونعرف من ينشدها بينما قد لا ننتبه إلى من أبدعها ونظم أبياتها. والشاعر المصري الكبيرمحمود حسن إسماعيل –رحمه الله– هو أحد شعراء القصائد الدينية البارزين سواء كانت قصائد مغناة أم لا، ولكن حديثًا أصبحت قصائده الدينية ينشدها بعض المنشدين العرب مع إغفال واضح لذكر اسمه، بعدما تغنَّى بأبياته الشعرية كل من رياض السنباطي، ومحمد فوزي، ومحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وسعاد محمد، ونازك، ونجاح سلام.
فمحمود حسن إسماعيل لم يكن شاعرًا وطنيًّا فحسب؛ بل نظم العديد من القصائد الدينية منذ ديوانه الثاني (هكذا أغني) الذي أصدره عام 1937، والذي اشتمل على قصيدة “ثورة الإسلام في بدر” وحتى ديوانه الثالث عشر “صوت من الله” الذي صدر بعد وفاته بواسطة دار الشروق عام 1980م.
ثورة الإسلام في بدر:
خفقَ القلبُ بالنشيدِ المطهّرْ
فدع الشعر والأغاني وكبّرْ
….
من فجاج الغيوب هاجت صباحًا
ثورةٌ في الرمالِ هبّت تزمجر
قيل بدرٌ فزُلزلت هدأة الناي
وكادَ النشيدُ بالدم يقطرْ
….
هكذا نَجدَةُ السّماءِ أحالتْ
واهنَ الجسم كالعتّي المدَمّر
فإذا النصرُ صيحةٌ هزّت الدُّنْيا
وراعت بُروج كِسرى وقيصر
وإذا بدرُ خفقةٌ في لسان الشّرق
يُزهى على صداها ويفخرْ
ومن أعذب القصائد الدينية المغناة لمحمود حسن إسماعيل [1910-1977م] –ابن قرية النخيلة (مركز أبوتيج – محافظة أسيوط)– أنشودة “إلهي دعوتك” التي أطربنا بها الفنان الراحل “محمد فوزي” غناءً ولحنًا.
إلهي دعوتك فاقبل دعائي
وناديت يا حي فاسمع ندائي
ومَن غير بابك يحيي رجائي
فأَمضي إلي النور خلف الحجاب
صلاة تغني لقدس الضياء
كما أنشد له الفنان محمد فوزي أنشودة “ربي سبحانك”، وهي في الأساس قصيدة “سبحان الله” من ديوان “صوت من الله”.
ربي سبحانك في أعلى علاك
كلما ندعوك تعطينا يداك
ربي سبحانك ربي .. ربي سبحانك ربي
…..
كلما تشرق شمس أو تغيب
يملأ القلب ضياك
وإذا ضاقت من اليأس القلوب
يغمر الروح هُداك
وإذا ملَّت من العفو الذنوب
صافح النفس رضاك
وحديثًا أعاد المنشد الكويتي “مشاري العفاسي” هذه القصيدة بصوته وسمَّاها (خيَّم الليل)، ولحنها له عادل عبد الملك، وقام بتوزيعها حمد المانع.
كما أنشد “العفاسي” لمحمود حسن إسماعيل أنشودة “أصلي عليك” وهي جزء من قصيدة “صلاة الله” من نفس الديوان “صوت من الله”، ولحنها بالاشتراك معه حمد المانع.
أصلي عليك
وكل الوجود صلاة وشوق إليك
أصلي بقلبي وأعمــــــــاق حبي وأمشي وأنت الضياء لدربــــي
ونور الهدى ساطع من يديــك وكلي حنين وشوق إلـيـــــــــك
رفعت المنارات للحائريــــــــن ونورت بالحق للعالميـــــــــــن
ووحي السما هلَّ من راحتيــك وكل البرايا تصلي عليـــــــــك
عليك الصلاة
عليك السلام
هذا بالإضافة إلى أنشودة “يا ربنا” لك الصلاة والحمد، وهي قصيدة بعنوان “الحمد لله” من ديوان “صوت من الله” لشاعر الكوخ الذي وافته المنية في الكويت منذ خمسة وأربعين عامًا بعد رحلة طويلة مع الشعر واللغة العربية والعمل الإذاعي.
يا ربنا لك الصلاة والحمد مِن كل الحياة
من زهرة على الغصون لهفانة إلى نداك
من دمعة على الجفون ظمآنة إلى رضاك
من بسمة على العيون ولهانة إلى ضياك
من تائب إلى حماك هلَّلت خطاه
من ضارعٍ إلى علاك كبَّرت يداه
يا رحمة للتائبين للعفو لا نرجو سواك
يا موئلًا للحائرين طوبى لمن يلقى هُداك
يا غوث كل العالمين حمدًا لما تعطي يداك
بكل ما تحيا الحياة نعـبدُك
و كل ما فوق الـثرى يوحدُك
و كلنا ندعوك يا رباه
يا ربَّنا لكَ الصَّلاةْ والحمدُ مِنْ كُلِّ الحياةْ!
أما قصيدة “العودة إلى الله” في الديوان السادس لمحمود حسن إسماعيل “قاب قوسين”، والذي نال عنه جائزة الدولة التشجيعية في الستينيات من القرن الماضي، فهي أنشودة “ربي إني عدت إليك” التي أنشدها حديثًا المنشد الإماراتي “أسامة الصافي” من ألحان حامد موسى، والذي ذُكِر أن اسم شاعرها هو محمود حسن، دون الإشارة إلى إنه هو الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل.
ربّ إنّي لك عدت .. من سراب فيه تهت
وعلى وجهي شظايا .. ندمٍ فيه انتهيت
وكهوفٌ من خطايا، تحتها نار وصمتُ
فإذا أبكـي، أراها أدمعـًا ممّا بكيتُ
كما أنشدها أيضًا المنشد السعودي موسى العميرة (أبو علي) دون أية إشارة لاسم شاعر تلك الأبيات.
ومن نفس الديوان “قاب قوسين” قصيدة أخرى تسمى “تسبيحة” ظهرت حديثًا كأنشودة دينية بعنوان “على الأرض نور وفي الأفق نور”، وقد أنشدها الشيخ العماني مسعود المقبالي، وكأنها من التراث القديم وكأن أبياتها لم يبدعها شاعر مرموق كان بيننا منذ زمن ليس ببعيد. ونفس هذه القصيدة قد وردت أيضًا في ديوان”صوت من الله” للشاعر محمود حسن إسماعيل بعنوان “الملك لله”.
علي الأرض نــور … وفي الأفق نور
وفــي كـل قلـــب شعـــاعٌ يــــدور
ولحــن يســبح طـــيَ الصـــــــدور
ويستـغـفـر اللــهَ من كــل ذنـــــبِ
ويدعـــوك يـا ربِّ … أنت المُـلـــــبَّى
ولـبـيك ! أنــت الرحــــيــم الغفــــور
ومن أهم ما أنشِد للشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل قصيدة “الله.. والطبيعة” من ديوانه “صوت من الله” والمعروفة بـ “ربي سبحانك دومًا يا إلهي” وهي من غناء وألحان الملحن الكبير رياض السنباطي. ولقد أنشدها حديثًا بطريقته الشيخ العماني مسعود المقبالي؛ أما نفس اللحن الأصلي للسنباطي، فقد أبدع في أدائه كل من الفنان المصري “طارق فؤاد” والمطربة التونسية “صوفيا صادق”.
ربي سبحانك دومًا يا إلهي
نغمة تسري بقلبي وشفاهي
كلما غرَّد طير في خميله
وصفت للحب دنياه الجميلة
سبّحت نفسي لأنوارك في شدو الطيور
ونهلت السحر والإيمان من عطر الزهور
…..
إن يكن ذنبي توارى عن ضميري
وخُطُا التوبة تاهت في المسير
فأنا في كل خطوي لك حمدٌ وصلاةٌ
وسنا وجهك في قلبي ضياءٌ وحياةٌ
فاسكب النور في قلبي وارو بالسحر شفاهي
لأغني ربي سبحانك دوما يا إلهي