“علمتنى الحياة أن الحب هو منبع كل جميل وكريم وعظيم، ومن خلال تعاليم الحب تعلمت الحياة” عبارة للنجم الكبير سمير صبري، وردت ضمن سطور كتابه “حكايات العمر كله” تكشف بجلاء عن عقلية فنان إستثنائي بكل معني الكلمة، فمن في السابقين أو اللاحقين يشبه سمير صبري، كنز المواهب المتعددة الذى قال كلمته الأخيرة قبل أن يمضي إلى لقاء ربه.
وانتهت “حكايات العمر كله”
في خبر حزين لكل عشاق الفن الأصيل في مصر والعالم العربي، أعلن رحيل الفنان الكبير سمير صبري عن عالمنا، ظُهر اليوم الجمعة تاركا خلفه تركة هائلة من الأعمال الفنية المتنوعة، التي تضعه ضمن قائمة عظماء الفن المصري.
هل كان سمير صبري يشعر بأن موعد الرحيل قد اقترب، عندما أصدر منذ عام تقريبا كتابه “حكايات العمر كله” الذى تناول فيه عبر أكثر من (300) صفحة، الكثير من ذكريات حياته ومسيرته الفنية وتفاصيل علاقاته بعدد كبير من الشخصيات الشهيرة في مصر.
إذا كان سمير صبري قد توقف اليوم عن “حكايات العمر كله” والتي سمعنا الكلمة الأخيرة منها برحيله؛ فإن ما تركه لنا من تراث فني كبير ومتنوع؛ سيبقى مصدرا للاستنارة للأجيال القادمة، التي ستظل تتناقل تفاصيل حكايات عمر واحدٍ من عظماء الفن المصري.
“يتشكل بسهولة فى أدواره فى بلاتوهات السينما، راهن عليه أكثر من مخرج وكان دائمًا حصانًا رابحًا، حدوته مصرية ذائعة الصيت، فهو ملك الأفراح وسفير البهجة ونجم الشاشة الكبيرة، وفتى الشاشة الصغيرة، ومازال حاضرًا بميكرفون الإذاعة ويشد المستمع كما شده أمام الشاشة” بهذه الكلمات المختزلة وصف الإعلامي مفيد فوزي سمير صبري.
وعن بداية مشواره الفني يقول سمير صبري في كتابه: “القدر والحظ هما اللذان رسما حياتي وحققا أمنياتي” حيث شاءت الصدفة أن تجمعه الجيرة مع عبد الحليم حافظ حيث أقاما في نفس العمارة.
وقف سمير صبري أمام الكاميرا، لأول مرة في حياته ضمن المجاميع، خلال تصوير أغنية “بحلم بيك” لعبد الحليم حافظ، في المشهد الذى ظهرت فيه الإذاعية الشهيرة آمال فهمي.
وعن تلك اللحظة الفارقة، يقول النجم الراحل في كتابه، أن عبد الحليم حافظ قدمه إلى الفنانة لبنى عبد العزيز، التي كانت تقدم خلال تلك الفترة برنامج ركن الأطفال في إذاعة البرنامج الأوروبي.
وفي كتابه يعترف سمير صبري، بأنه تعلّم الكثير من العندليب حيث يقول: “حليم كان مؤسسة ومدرسة ذكاء وعشق للفن، وتعلمت منه الدقة والإتقان فى العمل كما تعلمت منه زواج الفنان الكاثوليكى لفنه”.
ظل سمير صبرى طوال حياته وفيا لأصدقائه من نجوم الفن؛ فلم تنقطع علاقته بالعندليب بعد وفاته حيث ظل يتحدث عنه وعن ما قدمه له في كل المناسبات، وروى سمير صبري أكثر من مرة قصة طريفة عن خداعه لعبد الحليم حافظ؛ حين أقنعه أنه طفل أمريكي واسمه بيتر في بداية تعرفه عليه، قبل أن تنشأ بينهما علاقة قوية امتدت طويلا؛ حتى بعد رحيل حليم حيث ظل سمير صبري وفيا له.
كما ظل سمير صبري وفيا لسعاد حسني التي ربطته بها علاقة قوية؛ تحدّث عنها بشكل مفصل في كتابه “حكايات العمر كله” كما أصر في عدد كبير من البرامج التلفزيونية أن يؤكد بالأدلة والبراهين أن الفنانة الكبيرة سعاد حسني قتلت ولم تنتحر.. وقدم سلسلة من الحلقات التلفزيونية، للتحقيق في اللغز الذي أحاط برحيل السندريلا في لندن، قدّم خلالها عشرات الأدلة والبراهين التي تدحض ما اشيع عن انتحارها.
سمير لم تصبه أمراض أهل الفن، فلم تغب عنه أبدا ذكرى الراحلين، كما كان دائم السؤال عن المرضى والذين أبتعدوا عن الأضواء من أهل الفن لسبب أو لآخر.
فمن بين سطور كتابه، يبدو لنا كم كان هذا الفنان وفيا لأحبته؛ حيث لم يقتصر الحديث في الكتاب عن صبري فقط ومحطات حياته كما يفعل الكثيرون، وإنما تحدث عن الكثير من نجوم الفن مثل: ليلى مراد وفريد الأطرش وعادل إمام وام كلثوم وفاتن حمامة وشريهان.
وفي كتابه يحكي سمير صبري كيف تمكّن من اختراق جدار العزلة الذي كان الأديب الكبير توفيق الحكيم يقيمه حول نفسه؛ حيث كان يصر على رفض الظهور في أي برنامج تلفزيوني، واضطر النجم الراحل إلى وضع مجموعة من الميكروفونات في ثنايا باقة ورد قدمها إلى الحكيم، قبل أن يتمكن من التسجيل معه في برنامج النادي الدولي، حيث تحدث الحكيم –الذي كان يوصف بعدو المرأة– لأول مرة عن تفاصيل علاقته بحواء.
وكان مسلسل “فلانتينو” مع الزعيم الذي عُرض خلال شهر مضان في عام 2020، هو آخر عمل فني للنجم الراحل، ولعب فيه دور مذيع شهير يقدم برنامج توك شو في إحدى القنوات الفضائية.
بحسبة الأرقام فإن تركة سمير صبري الفنية تضم (130) فيلما وعددا كبيرا من المسرحيات والفوازير، وقرابة (40) مسلسلا تلفزيونيا وإذاعيا؛ ولكن تأثير هذا النجم متعدد المواهب والقدرات أكبر بكثير من كل هذه الإحصائيات؛ حيث تتضاءل الأرقام أمام ما أضافه من قيمة فنية من خلال عمله ممثلا ومطربا ومذيعا.
من أشهر الأفلام السينمائية التي تألّق فيها النجم الكبير سمير صبري: “أهلا يا كابتن” و”التوت والنبوت” و”البحث عن فضيحة” و”جحيم تحت الماء” و”صائد الجبابرة” و”اقتل مراتي ولك تحياتي” و”الاتهام” و”ديدو” و”حدث في 2 شارع طلعت حرب”.
ومن أشهر المسلسلات التي شارك نجمنا في بطولتها: “حضرة المتهم أبي” و”عدى النهار” و”قضية رأى عام” وغيرها.
النجم الراحل سمير صبرى قدم أيضا على شاشة التلفزيون المصري مجموعة كبيرة من البرامج التي حظيت بشعبية كبيرة، ونسب مشاهدات ضخمة من بينها “هذا المساء” و”كان زمان” و”النادي الدولي” وخلال فترة قصيرة تحوّل سمير صبري جزئيا، من فنان كبير إلى مقدم برامج شهير، أصبح اسمه علامة مسجلة لمجموعة من أشهر البرامج التلفزيونية في رحلة نجاح كبيرة.
وقد غادر سمير صبري عالمنا اليوم في ذكري رحيل واحد من أعز أصدقائه، هو النجم الكوميدي الكبير سمير غانم، حيث جمعت الصداقة بينهما طوال سنوات عطائهما الفني، كما وحد بينهما الرحيل في نفس اليوم.
أعمال فنية كثيرة جمعت بين السميرين بلغ عددها 30 فيلما تقريبا أشهرها “في الصيف لازم نحب” و”أهلا يا كابتن” وسيبقى يوم الرحيل المشترك شاهدا على علاقة خاصة جمعت بين اثنين من أشهر نجوم مصر.
رحل سمير صبري عن عمر ناهز الـ 86 عاما بعد صراع طويل مع المرض، لقي ربه وهو جالس على مقعده في حديقة أحد فنادق القاهرة، التي كان يقيم فيها بعد فترة قصيرة من مغادرته المستشفى، مُخلِّفا حزنا كبيرا في قلوب كل من عشقوا فنه الأصيل.
ولد النجم الراحل سمير صبري في 27 ديسمبر عام 1937، بمدينة الإسكندرية قبل أن ينتقل إلى القاهرة وقد خصص في كتابه “حكايات العمر كله” جزءا هاما للحديث عن مدرسة “كلية فيكتوريا” التي تخرج فيها والتي تعلم من مدرسيها الكثير من المبادئ التي شكلت شخصيته بشكل كبير بعد ذلك.
رحم الله الفنان سمير صبري الذي سيظل واحدا من أشهر نجوم الفن المصري وأكثرهم صدقا وتقدير لقدسية الفن والرسالة السامية التي يقوم بها في المجتمع.
