أحدث الأفلام السينمائية أصبحت في متناول المواطن العادي، بأسعار رمزية منذ فترة ليست بالقصيرة، كان هذا مجرد حلم بعيد المنال، ولكنه أصبح اليوم حقيقة على الأرض، في عدد من محافظات الجمهورية، ضمن مشروع سينما الشعب الذي دشنته وزارة الثقافة، ممثلة في الهيئة العامة لقصور الثقافة.
سينما الشعب “ضربت عصفورين بحجر واحد” كما يقال؛ ففي الوقت الذي قدمت فيه الكثير للمشاهد المصري، فإنها أعطت قبلة الحياة لصناعة السينما، حيث يتوقع على المدي البعيد أن تلعب دورا في تنشط الإنتاج السينمائي، بعد مشكلات بالجملة كان يعاني منها لأسباب عدة، طوال الفترة الماضية، أدت في مجملها إلى عزوف الجمهور عن ارتياد دور العرض السينمائي؛ خاصة في ظل فيروس كورونا.
الموسم السينمائي هذه المرة يبدو مبشرا، بعد أن تحوّلت قصور الثقافة إلى دور للعرض السينمائي في عدد من المحافظات، وبسعر تذكرة لا يتجاوز الـ 40 جنيها ، ومع الإقبال الكبير من الجمهور على المبادرة؛ فإن بإمكان صناع السينما أن يتنفسوا الصعداء.
المردود المعرفي والثقافي المتوقع لمبادرة بهذا الحجم سيكون كبيرا؛ خاصة على الأجيال الجديدة من الشباب بشكل عام، وعلى محدودي الدخل الذين كان من الصعب عليهم قبل هذا الأمر؛ أن يفكروا في حضور أحد الأفلام السينمائية بشكل خاص.
المشروع انطلق في أربع محافظات في مرحلته الأولي، وبحسب تصريحات إعلامية لهشام عطوة رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة؛ فإن المرحلة الثانية يتوقع أن يتم تدشينها خلال الأسبوعين المقبلين لتنضم إلى المبادرة خمس محافظات أخرى.
يحسب لهذه المبادرة أنها تتجه صوب المشاهدين خارج القاهرة والإسكندرية، وتعيد إليهم جزءا من حقوقهم التي حرموا منها لفترة طويلة، عبر تحقيق ما يمكن وصفه بالعدالة الثقافية عبر منح الجميع حقهم في مشاهدة أحدث الافلام السينمائية، والتي لم تعد قاصرة على دور السينمات الواقعة داخل المولات الكبرى، والتي تعرف بأسعار تذاكرها باهظة الثمن.
المشهد العام أثبت أن هناك تعطشا من الجمهور للعودة إلى قاعات العرض السينمائي، وهو ما ظهر بوضوح شديد في الأعداد الكبيرة من المواطنين، التي زحفت على قصور الثقافة لحضور العروض ضمن برنامج سينما الشعب.
المتجهون صوب قاعات سينما الشعب يمثلون جميع الشرائح الاجتماعية والسنية، وهو ما لاحظه الكثيرون؛ لذا يتوقع أن تلعب المبادرة دورا كبيرا في القضاء على التهميش الثقافي، الذي كانت منه الكثير من القرى والنجوع لسنوات طويلة.
فكرة المشروع قائمة بالأساس على عرض مجموعة من الأفلام الوثائقية والتوعوية والمعرفية التي تنتجها وزارة الثقافة، وكذلك الأعمال المستقلة المتميزة والمجازة رقابيًا، ويتوقع أن يكون منصة لتشجيع المبدعين –خاصة من الشباب– خلال الفترة المقبلة، حيث يوفر لهم الفرصة لعرض أعمالهم على نطاق واسع.
تعرض سينما الشعب حاليا فيلم وثائقي بعنوان “التجلي” ويتناول مجموعة من قصص المقدسات في منطقة سانت كاترين، وبعده مباشرة يعرض فيلم “واحد تاني” للنجم أحمد حلمي، وهذه الخلطة الفنية الدسمة؛ تؤكد أن الغرض من المبادرة أن يكون الترفيه مقترنا أو مسبوقا بالتثقيف، وأن يمتزج كل منهما بالآخر في عقل ووعي المشاهد المصري.
جزء كبير من أهمية هذا المشروع أنه يمثل حائط صد في مواجهة الكثير من الأفكار الرجعية والظلامية، كما يحمل راية التنوير في مواجهة دعاوى الرجعية والتخلف التي ما زالت بين الحين والأخر تطل برؤوسها وتحاول بث سمومها في عقول الكثيرين.
الرهان على مشروع سينما الشعب، أمر حتمي في ظل رغبة قوية لدينا؛ في أن نضع الأجيال الجديدة على بداية الطريق الصحيح؛ حتى لا يحاول البعض أن يفسد عقولهم، واستمرار هذه المبادرة الطموحة أمر حتمي في مواجهة أولئك الذين يغرقون في الماضي السحيق، إن الترحيب الواسع بهذه المبادرة يكشف عن تعطش الكثيرين لعدالة توزيع ثقافية، وسينما في متناول محدودي الدخل وغير القادرين.
تأخرت هذه المبادرة كثيرا، في ظل وجود محافظات يخلو بعضها من دار عرض سينمائي واحدة، لكن المستقبل يبدو واعدا فالقطار انطلق أخيرا، ولن يستطيع أحد ايقاف مسيرته أو تعطيل حركته.