ترجمة: كريم سعد
أهو أعظم انتصار لأحد المستضعفين منذ أن قتل داود جالوت؟! وهل تكشف هزيمة روسيا أمام أوكرانيا في كييف وخاركيف، أن روسيا مجرد نمر من ورق؟ وهل يصبح انهيار جيش السيد بوتين أمرا لا مفر منه؟ وما إمكانية كسب لأوكرانيا للحرب إذا اشتد عضد التحالف الغربي؟ أم أن هذا كله ليس سوى درب من الخيال؟ فبعيدا عن الواقع البارد لتوازن القوى، والوضع النووي لروسيا ونجاحاتها في ميدان المعركة على الجبهة الجنوبية، أليست النتيجة الحتمية للحرب تسوية “شنيعة” تحافظ على السيادة الأوكرانية وتتنازل عن بعض الأراضي لروسيا؟ وإذا كان الأمر كذلك، ألا يجب أن يدفع الغرب كييف لقبول هذا الواقع قبل أن تُزهق المزيد من الأرواح؟
كانت هذه هي الحجة التي تم طرحها في مقال افتتاحي في صحيفة نيويورك تايمز – ما أثار ضجة في كييف وسط مخاوف متزايدة بشأن عزم النخب في كل من الولايات المتحدة وأوروبا على إنهاء الصراع.
وجادل المقال، المنسوب إلى هيئة تحرير الصحيفة، بأن روسيا أقوى من أن تهزمها أوكرانيا بشكل حاسم في ساحة المعركة؛ حيث أن النتيجة الواقعية للحرب ستشمل تنازلات إقليمية من أوكرانيا؛ وأن الرئيس جو بايدن يجب أن يوضح ذلك لزيلينسكي عاجلاً وليس آجلا من خلال وضع قيود واضحة على الدعم الأمريكي لكييف.
وكتبت الصحيفة أنه على الرغم من النجاحات المذهلة التي حققتها أوكرانيا حول كييف وخاركيف، فإن “الانتصار العسكري الحاسم لأوكرانيا على روسيا، حيث تستعيد أوكرانيا كل الأراضي التي احتلتها روسيا منذ 2014، ليس هدفًا واقعيًا”.
وفي النهاية، قالت: “سيكون الزعماء الأوكرانيون هم الذين سيتعين عليهم اتخاذ القرارات الإقليمية المؤلمة التي تتطلبها أية تسوية”.
وكان ردة فعل المسئولين في كييف على هذا الكلام هو الغضب الواضح، حيث تعكس الحجج الواردة في الافتتاحية الجدل الذي احتدم في دوائر السياسة الخارجية بواشنطن في الفترة التي سبقت الحرب، حيث افترض معظم الخبراء أن أوكرانيا ستخسر بالتأكيد حتى مع المساعدة العسكرية الغربية، وبالتالي، فإن فرض حل دبلوماسي ينقذ الأرواح سيكون أفضل من المخاطرة بمواجهة عسكرية أمريكية مع روسيا – حتى لو كان ذلك يعني دفع الأوكرانيين لقبول تنازلات غير مستساغة بشأن اتفاقيات مينسك للسلام المتوقفة، وكانت هذه وجهة نظر جذابة في واشنطن.
ويبدو الآن أن جو بايدن قد ألقى بثقله وراء الهدف الذي لم يكن من الممكن تصوره سابقًا وهو النصر الأوكراني؛ ما جعله يدفع فواتير المساعدة المالية الضخمة وإعطاء الضوء الأخضر لتسليم الأسلحة القوية لأوكرانيا بصورة متزايدة، وهذا الهدف يدعمه الحلفاء بما في ذلك بريطانيا وبولندا.
ولكن مقال “النيويورك تايمز” يظهر أن عناصر من المؤسسة الأمريكية ما زالت غير مقتنعة بذلك. وهم ليسوا وحيدين، حيث أنه في وقت سابق من هذا الشهر، ألمح السيد زيلينسكي –بشيء من الغضب– إلى أن إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا، قد طلب منه التخلي عن الأرض مقابل السلام.
وتحدث ماريو دراجي رئيس الوزراء الإيطالي، وأولاف شولتز مستشار ألمانيا، مؤخرًا أيضًا عن السعي إلى “وقف إطلاق النار” وهو الأمر الذي من شأنه أن يترك القوات الروسية على الأراضي الأوكرانية، ويزيد من فرص احتفاظ السيد بوتين بالأراضي التي تم الاستيلاء عليها خلال محادثات السلام..
وأقر زيلينسكي بأن الحرب ستضع أوزارها في النهاية بمحادثات – لكنه يقول إنه يريد خروج الروس من أوكرانيا أولا مع استبعاد التنازلات الإقليمية.
ومن المثير للاهتمام، أن فكرة التسوية ليست فقط لدى الأوكرانيين، حيث حذر أحد المعلقين القوميين الروس على الحرب؛ ردًا على مقال صحيفة نيويورك تايمز من أن التسوية المقترحة ستسمح فقط للغرب وأوكرانيا بإعادة التسلح لحرب أخرى في وقت لاحق.. وحث على أنه لا يمكن أن يكون هناك توقف الآن، بل يجب أن تستمر الحرب.
وأكد رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية علناً أن الحرب سيتغير مجراها خلال الصيف، وأن أوكرانيا ستستعيد الأراضي التي فقدتها.
وربما ستنتهي الحرب بنوع من التسوية. ولكن هناك الكثير مما يتعين القيام به قبل أن يقبل أي من الطرفين بأية تسوية.