ثقافة

القيم الاجتماعية وسط مشهد حافل بالتناقضات ..دور الشباب في صناعة التغيير (3)

ترتبط المنظومة القيمية – سواء كانت حداثية أو تقليدية – بصورة مباشرة بالمتغيرات الاقتصادية والطبقية التي ينتمى إليها الفرد، وكذلك بالعديد من المتغيرات الديموجرافية المهمة مثل النوع والعمر والمستوى التعليمي.

وبحسب دراسة “استشرافات النخبة المثقفة لمستقبل أنساق القيم الاجتماعية في مصر” الصادرة حديثا عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية؛ فإن الموقع الذي يحتله الفرد من هذه المتغيرات، ربما يحدد بشكل أو بأخر مدى ما تتسم به منظومته القيمية من حداثة وتقليدية، وفي هذا الصدد ينبغي الإشارة إلى أن 74 % من عينة الدراسة، يرون أن الأجيال الشبابية –بشكل عام– ذات صلات واهية بالتاريخ والعادات والتقاليد، وفي المقابل يبدو الشباب أكثر ميلا إلى تبني القيم الحداثية. وبناء على هذا؛ جاءت المتوقعات المتفائلة لنحو 34% من المشاركين في الدراسة،  لتشير إلى أن المستقبل سوف يشهد مشاركة واسعة للشباب في كل المجالات، خاصة المدنية والسياسية. وبالتالي يتوقع أن تتنامي قيم المسئولية والإيجابية وتحقيق الذات والتضامن الاجتماعي.

وتضيف الدراسة “تكشف هذه النتيجة عن فجوة واسعة بين ما يتوقعه الخبراء من النخبة المصرية المثقفة، وما يرغبون في حدوثه؛ الأمر الذي يعود إلى ما يمكن وصفه بـ “حالة التوجس والحذر” التي حدثت في مصر عام 2013، تحت وطأة أحداث العنف والإرهاب التي شهدتها البلاد بسقوط الإخوان”.

مظاهرات 30 يونيو
مظاهرات 30 يونيو

نقطة أخرى بالغة الأهمية تكشف عنها الدراسة، وهى أن 90% من المشاركين يرون أن النخبة النسائية –بشكل عام– أكثر اهتماما وإيمانا بقيم ما بعد المادية، كالمساواة والحريات والكرامة والحقوق السياسية والمدنية، في حين أن المرأة في المجتمع المصري –بصورة عامة– لديها اهتمام أكبر بالقيم ذات الطابع المادي المرتبطة بالطعام والشراب  والعمل والسكن والكساء، وهو ما يكشف عن وجود حالة من الانفصام بين قيم النخبة النسائية، وقيم بقية النساء في نفس المجتمع.. وهو الأمر الذي ربما يتطلب من النخبة النسائية ضرورة التفكير في النزول من أبراجها العاجية؛ لتلحم بقيم واحتياجات الجماهير النسوية الفعلية.

وفيما يتصل بكبار السن؛ يؤكد 86 % من المشاركين في الدراسة أن هذه الشريحة العمرية أكثر إيمانا وتمسكا بالقيم التقليدية، مقارنة بالأجيال الشبابية التي تبدو –بشكل عام– أكثر ميلا إلى القيم الحداثية، والواقع أن هذا الانقسام الواضح بين معسكري الشباب والشيوخ –فيما يتصل بمنظومة القيم– نراه بوضوح في الكثير من المجتمعات الأخرى، وليس قاصرا على الحالة المصرية –كما يمكن أن يتصور البعض للوهلة الأولى– وبشكل عام فإن الأجيال الأصغر سنا، أكثر رغبة في تعزيز قيم التغيير الاجتماعي.

وتشير الدراسة إلى أن الفئات الاجتماعية الأكثر تعليما، تتبنى قيم الحداثة وتتحمس للتغيير، أما الفئات الأقل تعليميا، فهى تتجه بصورة تلقائية إلى تبني القيم التقليدية والمحافظة والرجعية، وهنا يمكن أن نلمس تاثير النظام التعليمي في مصر، على الرغم من تراجع مخرجاته وفقا لما تؤكده الدراسة على تبني الفئات المتعلمة للقيم الحداثية.

الازمة السكانية فى مصر

وتحذر الدراسة من بعض المؤثرات الأخرى التي ربما تلعب دورا هداما والتي يجب الالتفات جيدا لخطورتها “إن مجرد تصور سيناريو، تتغلغل خلاله الجماعات الدينية والإسلامية في الفضاء العام المصري، ربما يقود إلى نتائج كارثية، بسبب حالات الاستقطاب والعنف والإرهاب والطائفية، وهو ما ينذر بحالة من الفوضى، ومن ثم الانسداد السياسي، لم يسبق لها مثيل في تاريخنا الحديث”.

وأضافت الدراسة ” أنه فى مراحل التحول ربما تتفكك الأنساق القيمية بحيث لاتصبح مرتبطة بالانتماءات الكبرى في المجتمع؛ لتتصل بدلا من ذلك بتكوينات اجتماعية أو قل بجماعات اجتماعية ذات مصالح محدودة وآنية، كتلك التي تقوم على الدم والقرابة والنسب والمصاهرة والدين والانتماءات الجهوية ” وهذه حقيقة بالغة الأهمية يجب أن يضعها كافة الدراسين نصب أعينهم، وهم يحللون ما تشهده المجتمعات خلال فترات التحول أو ما يسمي بالفترات الانتقالية.

إن أبرز ما يخرج به المرء من هذه الدراسة، هو تقديمها إجابات وافية على عدد كبير من الأسئلة التي تتردد بين فترة وأخري، حول صناعة التغيير ولعبة شد الحبل بين كبار السن والأجيال الشابة، في إطار المفاهيم المتتباينة التي يؤمن بها كل طرف، حيث أرجعت الدراسة الأمر إلى التضاد الحادث على الدوام بين الأنساق القيمية الحداثية والتقليدية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock