رؤى

الإسلاموفوبيا قد تكلف الهند خسارة شركاءها في الخليج

ترجمة: كريم سعد

منذ وصول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحزبه القومي الهندوسي “بهاراتيا جاناتا” إلى السلطة، في عام 2014، شهدت الهند ارتفاعا ملحوظا في خطاب الكراهية والعنف الموجه ضد الأقلية المسلمة. وحث مسئولون غربيون، بمن فيهم من الولايات المتحدة، مودي وحكومته من حزب “بهاراتيا جاناتا” على إعادة تأكيد التعددية المعلنة في الهند، لكنهم لم يمارسوا ضغوطا تذكر على نيودلهي. ولا تزال الهند شريكا اقتصاديا وجيوسياسيا بالغ الأهمية في المنافسة الأوسع نطاقا مع الصين.

ولكن في يونيو، حظي الجو المظلم للأغلبية غير الليبرالية في الهند بأقوى توبيخ دولي حتى الآن. ولم يأت من الحكومات الغربية الليبرالية؛ بل من عدد كبير من الدول العربية. حيث أنه في أواخر مايو، أدلى “نوبور شارما”، المتحدث باسم حزب “بهاراتيا جاناتا”، بتصريحات مهينة حول النبي محمد في مقابلة تلفزيونية. وسرعان ما قام مسئول آخر في حزب “بهاراتيا جاناتا”، “نافين جندال”، بتضخيم هذه التعليقات على تويتر. ما أغضب العديد من المسلمين الهنود، وأدى إلى احتجاجات وأعمال الشغب. غير أنها أزعجت أيضا الحكومات في الشرق الأوسط، والتي قدم عدد منها احتجاجات رسمية إلى نيودلهي.

وتهدد الخلافات الحالية بوضع نهاية لما يقرب من عقد من الدبلوماسية البارعة من قبل مودي، والتي أدت إلى علاقات ودية مع معظم دول الشرق الأوسط، فمودي هو رئيس الوزراء الوحيد الذي زار إيران وإسرائيل وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في فترة واحدة. وفي عهده عملت الهند على تأمين احتياجاتها من النفط والغاز من الشرق الأوسط، الأمر الذي يُعتبر حاسمًا لأمنها من الطاقة، بجانب ضمان رفاهية ما يقرب من تسعة ملايين هندي يقيمون في دول الخليج. كما عززت هذه المشاركة الدبلوماسية الأكثر نشاطا؛ العلاقات التجارية والاستثمارية والأمنية مع دول مجلس التعاون الخليجي. فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، تصنفان باستمرار بين أكبر الشركاء التجاريين للهند. ومن المحتم أن تنمو هذه العلاقات في أعقاب اتفاقية التجارة الحرة الأخيرة الموقعة بين الهند والإمارات العربية المتحدة، والمفاوضات الجارية لاتفاقية تجارية أوسع نطاقا مع دول مجلس التعاون الخليجي. وفي انفصال عن الحكومات الهندية السابقة، عزز مودي أيضا التعاون مع دول الخليج لمعالجة المخاوف المشتركة مثل الإرهاب والأمن البحري في منطقة المحيط الهندي. وكانت هذه المصالح متبادلة حيث نظرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل متزايد إلى الهند كسوق ناشئة مهمة لصادراتهما من الطاقة والاستثمارات الأجنبية وفرص المشاريع المشتركة والأحكام الأمنية.

لكن هذا التعاون غير المسبوق تعرض للخطر بسبب إطلاق العنان الذي أعطاه حزب “بهاراتيا جاناتا” للإسلاموفوبيا التي ترعاها الدولة في الداخل. وفي الماضي، أعرب جزء كبير من العالم الإسلامي عن شكوكه بشأن التطورات السلبية تجاه الأقلية المسلمة في الهند. وفي بعض الأحيان، انتقدت الدول الإسلامية الهند علنًا بسبب هذه الممارسات، وبرغم أن هذا الخطاب لم يؤدِ إلى أي تغيير ملموس في السياسة الهندية تجاه الأقلية المسلمة؛ إلا أن الحدث الأخير تختلف فحواه بشكل واضح. حيث ولدت الملاحظات والرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد ردود فعل قوية وعنيفة في العديد من البلدان الإسلامية. وهذه الحادثة، التي لم تكن مفاجئة بشكل خاص، أثارت ردود فعل أكثر حدة في الدول الإسلامية في جميع أنحاء العالم. وأكدت نيودلهي، في محاولة للسيطرة على الأضرار، أن الحكومة الهندية “تولي أعلى درجات الاحترام لجميع الأديان”. إلا أن مثل هذه التصريحات الدبلوماسية المبتذلة غير كافية لمنع السياسة الداخلية المضطربة في الهند من عرقلة محاولتها لإقامة علاقات أوثق مع الخليج والشرق الأوسط الأوسع.

تحت النار

دفعت تصريحات شارما إيران والكويت وقطر إلى استدعاء سفراء الهند، ودفعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي إلى إصدار بيانات إدانة. وبسبب التوبيخ، تحفزت حكومة مودي لأخذ إجراء بشان ما حدث. وفي غضون 24 ساعة، وصف حزب “بهاراتيا جاناتا”؛ “شارما” و”جندال” بأنهما “عنصران هامشيان”،  وأوقف شارما عن العمل وطرد “جندال” من الحزب.

وكان رد فعل حزب “بهاراتيا جاناتا” السريع والحازم لافتا للنظر لعدد من الأسباب. فمودي وغيره من قادة الحزب كانوا مترددين بشأن كبح جماح الخطاب المعادي للإسلام من مسئوليه في الماضي. حيث أنه في عام 2019، وصف وزير الداخلية أميت شاه مسلمي بنغلاديش بأنهم “النمل الأبيض”. وفي عام 2020، اتهم أعضاء حزب “بهاراتيا جاناتا” زورا جماعة دينية مسلمة بنشر فيروس كورونا في الهند. وفي شهر يونيو الماضي، شبه عضو في البرلمان من حزب “بهاراتيا جاناتا” الغزوات التاريخية للهند من قبل القوات الإسلامية بالهولوكوست. ولم تحظ هذه التعليقات آنذاك بأي لوم. كما تجاهل حزب “بهاراتيا جاناتا” انتقادات الحكومات الأجنبية بشأن تصرفات الأغلبية في الهند. وفي نفس الشهر، رفض وزير الخارجية الهندي “سوبراهمانيام جايشانكار” مخاوف نظيره الأمريكي، وزير الخارجية “أنتوني بلينكن”، بشأن البيئة المتدهورة للأقليات الدينية.

لكن هذه المرة الانتقادات القادمة من الدول الإسلامية في الشرق الأوسط أصابت نيودلهي بالذهول، وشهدت الهند لحظات عديدة من العنف الطائفي المقلق قبل صعود مودي إلى السلطة، ونددت دول عربية ودول إسلامية أخرى بسياسات الحكومة الهندية والأحداث التي شهدتها الهند في الماضي. لكن الفرق الآن هو أن هناك الكثير على المحك.

فمنذ استقلالها، كانت الهند حريصة دائما على إعلان التزامها بالعلمانية من أجل طمأنة شركائها في الشرق الأوسط بشأن رفاهية الأقلية المسلمة. فلطالما كانت الهند موطنا للعديد من المسلمين. ويبلغ عدد سكانها المسلمين نحو 200 مليون نسمة، وهو ثالث أكبر بلد يضم مسلمين في العالم بعد إندونيسيا وباكستان. وفي ستينات وسبعينات القرن الماضي، حدث التواصل الهندي مع البلدان الإسلامية بشكل رئيسي لمواجهة الخطاب الباكستاني حول معاملة المسلمين الهنود، وعلى الأخص في سياق أعمال الشغب الهندوسية الإسلامية في ولاية غوجارات في عام 1969، وخلال هذه الفترة، كانت الحكومة الهندية قلقة بشأن أمن “نقاط الاختناق البحرية الاستراتيجية الرئيسية” مثل مضيق هرمز، في الخليج العربي، وقناة السويس، في مصر، وبشأن الوصول المنتظم إلى النفط لدعم قطاعها الصناعي المتنامي، كما عدلت سياستها في الشرق الأوسط وفقا لذلك؛ للحفاظ على هذه المصالح التجارية ومصالح الطاقة وحمايتها. وفي هذا السياق، أرسلت الهند في البداية وفدا إلى الاجتماع الأول لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في الرباط عام 1969، ولكن بسبب المعارضة الباكستانية، اضطر الوفد الهندي إلى مغادرة المؤتمر ولم تنضم الهند رسميا إلى المنظمة.

وفي أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات حدثت فترة من تصاعد الخلاف الهندوسي الإسلامي في الهند، ومع أعمال الشغب في ميروت عام 1986، والتمرد في كشمير عام 1989، وأخيرا هدم الغوغاء الهندوس لمسجد بابري الذي يعود تاريخه إلى قرون في أيوديا عام 1992.

بدأت دول الشرق الأوسط في التعبير عن مخاوفها المتزايدة بشأن وضع المسلمين في الهند، واشتدت إدانة سلوك الهند في كشمير في أوائل التسعينات، وتجاوزت الاتهامات الروتينية بانتهاك حقوق الإنسان، وأدى تدمير مسجد بابري إلى إثارة أعمال شغب طائفية في جميع أنحاء البلاد، وأثار قلق العديد من حكومات البلدان الإسلامية، وأصدر اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في كراتشي عام 1993، قرارا يساوي بين انتهاكات حقوق الإنسان الهندية في كشمير، والفظائع في البوسنة والأراضي الفلسطينية وجنوب أفريقيا، كما طلب القرار من جميع الدول الأعضاء دفع الهند للسماح للكشميريين بممارسة حقهم في تقرير المصير. وقررت منظمة المؤتمر الإسلامي منح صفة مراقب لمؤتمر الحريات لجميع الأطراف، وهو تحالف يضم مختلف المنظمات السياسية والاجتماعية والدينية في كشمير الملتزمة بتقرير المصير، كما شجعت الإدانة في منظمة المؤتمر الإسلامي والعداء المتصور للدول العربية الهند على إعادة تقييم علاقاتها مع إسرائيل، والتي كانت قد أقامت معها علاقات دبلوماسية في عام 1992. وساعد تطبيع العلاقات بين تل أبيب ونيودلهي على تطوير العلاقات الاقتصادية والدفاعية بينهما. وعلى مدى العقدين الماضيين، برزت إسرائيل كواحدة من موردي الأسلحة الرئيسيين للهند.

وفي عام 2002، قتلت أعمال الشغب الدموية في ولاية غوجارات أكثر من 700 مسلم عندما كان مودي رئيسا لوزراء الولاية. وخضعت الهند لانتقادات من دول الشرق الأوسط، وتحمّل مودي القدر الأكبر منها. لكن في ذلك الوقت، لم يكن مودي قد صار شخصية مهمة على الساحة الدولية. وعلى الرغم من إراقة الدماء، لم يطلب سفراء دول الخليج في نيودلهي خلال تلك الفترة إحاطة من وزارة الشئون الخارجية حول أعمال الشغب. وبحلول عام 2002، كان النمو الاقتصادي للهند، والنفوذ الدولي المتزايد، والوضع الجديد كدولة حائزة للأسلحة النووية قد جعلها وجهة رئيسية للصادرات ومكانا للاستثمارات لمعظم دول الشرق الأوسط، التي لم تعد صريحة في إدانتها لمعاملة المسلمين الهنود.

مغازلة الشرق الأوسط

وبعد أن أصبح رئيسا للوزراء في عام 2014، سعى مودي إلى تعزيز علاقات الهند مع الخليج والشرق الأوسط في مجالات متعددة، وهي عملية بدأت في عهد سلفه “مانموهان سينغ”. وينبع هذا التواصل مع دول الخليج والدول العربية الأخرى عن عدد من العوامل: الوجود طويل الأجل لما يقرب من تسعة ملايين عامل هندي في دول الخليج، الذين ساهموا في عام 2019، بنحو 40 مليار دولار للاقتصاد الهندي من التحويلات المالية – وهو ما يمثل حوالي 65 % من التحويلات السنوية للهند، أو حوالي ثلاثة % من الناتج المحلي الإجمالي للهند، بجانب الحاجة إلى ضمان تدفق آمن للسلع الأساسية، مثل: واردات النفط الخام، والاستثمار من الخليج. حيث يأتي ثلث واردات الهند من النفط من دول مجلس التعاون الخليجي، كما تعد قطر المورد الرئيسي للغاز الطبيعي للهند. وإلى جانب احتياجات الهند من الطاقة، قدرت التجارة الثنائية مع دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 154 مليار دولار في الفترة 2021-2022، وهو ما يمثل 10.4 في المائة من إجمالي صادرات الهند و18 في المائة من إجمالي واردات الهند. كما سعى مودي إلى العمل مع دول الخليج للقضاء على جماعات الجريمة المنظمة الهندية، فضلا عن المنظمات الإرهابية الهندية والباكستانية التي وجدت ملاذات آمنة في الخليج. وقد أدت المفاوضات التي أجريت خلال زيارتي مودي العديدة إلى أبو ظبي والرياض بشكل ملحوظ إلى اتفاقات رئيسية، تضمن تسليم الإرهابيين الباكستانيين والهنود، فضلا عن الحد من أنشطة غسل الأموال من هذه الجماعات نفسها في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وكانت جهود مودي الدبلوماسية المستمرة بين عامي 2015 و 2019، جزءا من جهده لإصلاح سمعته الممزقة في أعقاب مذبحة غوجارات في عام 2002،  وفي محاولة لتحسين صورته، شرع في سلسلة من الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى إلى البحرين وإيران والأردن وعمان والأراضي الفلسطينية وقطر والمملكة العربية السعودية. كما لجأ إلى بعض الإيماءات الرمزية، مثل زيارة مسجد الشيخ زايد خلال زيارته إلى أبو ظبي في عام 2015، وهي زيارة اعتبرت تكريما للشيخ زايد، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، ولفتة تصالحية للأقلية المسلمة في الوطن؛ ومن المفارقات، أنه في أوائل يونيو، عندما اندلع الجدل الحالي، كان نائب الرئيس الهندي “م. فينكايا نايدو” في زيارة مماثلة إلى قطر تهدف إلى تلميع صورة الهند في الخليج، لكن نمو الإسلاموفوبيا في الهند تحت مظلة حزب “بهاراتيا جاناتا” تسبب في إثارة قلق دول الخليج أكثر فأكثر.

ومن جانبهم، كان قادة الخليج على استعداد لاحتضان مودي بغض النظر عن دوره في أعمال العنف التي وقعت في ولاية غوجارات عام 2002، على مدى العقدين الماضيين، حيث بدأت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في تعزيز العلاقات مع الهند، خوفا من الولايات المتحدة غير المنخرطة إلى حد ما وباكستان التي لا يمكن الاعتماد عليها. كانت زيارة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود إلى نيودلهي عام 2006 لحظة فاصلة وأرست بهدوء أساسا قويا لتعزيز العلاقات. وعلى مدى العقد الماضي، استثمرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مشاريع البنية التحتية الوطنية في الهند، وزيادة التجارة غير النفطية معها، بجانب توسيع الواردات الحيوية منها بدءا من اللقاحات إلى القمح.

ورأى القادة الإقليميون، بمن فيهم ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان ورئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان، أن علاقاتهم مع الهند هي في الأساس علاقات تعاملية. ولم يهتموا كثيرا بمنعطفات السياسة الهندية الداخلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التقارب بين إسرائيل ودول الخليج تحت رعاية “اتفاقات أبراهام” سهل مشاركة حكومة مودي مع مختلف الجهات الفاعلة الإقليمية. وعلى مدى عقود، كانت الهند توازن بعناية علاقاتها مع إسرائيل والدول العربية في المنطقة. لكن “اتفاقات أبراهام” مكنت حكومة مودي من الترويج علنا لمشاركة اقتصادية وأمنية أقوى متعددة الأوجه مع إسرائيل ودول الخليج في وقت واحد. وفي الشهر المقبل، ستشارك الهند أيضا في قمة افتراضية تعرف باسم I2U2، تضم إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة.

لا عودة إلى الوراء

وبدافع البراغماتية التي لا ترحم، اختار قادة الخليج التزام الصمت في الغالب بينما دفعت حكومة مودي قدما بتدابير تمس حقوق الأقلية المسلمة، بما في ذلك سلسلة من القوانين المثيرة للجدل والتي حددت لأول مرة الجنسية الهندية على أساس الدين، مما يهدد بتجريد العديد من المسلمين الهنود من جنسيتهم. لكن مع نمو الإسلاموفوبيا في الهند تحت حماية حزب”بهاراتيا جاناتا” بدأ يثير قلق دول الخليج أكثر فأكثر. ويتضح ذلك من التصريحات الرسمية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي التي أدانت الأحداث الأخيرة المسيئة للنبي محمد، واستدعت دول أخرى السفراء الهنود في بلدانهم. وفي مواجهة “جوقة الرفض” المكثفة هذه، سعت وزارة الشئون الخارجية الهندية إلى التأكيد على أوراق اعتماد الهند العلمانية. لكن هذه المرة، أدت التصريحات المهينة التي صدرت ضد النبي محمد، ناهيك عن السياسات والإجراءات التي تستهدف المسلمين الهنود على وجه التحديد، إلى تأجيج الرأي العام والنخبة في معظم أنحاء العالم الإسلامي. فعلى سبيل المثال، وصف مفتي عمان “الوقاحة الفاحشة” لحزب “بهاراتيا جاناتا” تجاه الإسلام بأنها شكل من أشكال “الحرب” ودعا إلى مقاطعة البضائع الهندية. وقد ترددت هذه الدعوة من خلال “هاشتاغات” وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي وضغطت على حكومات دول مجلس التعاون الخليجي للتعليق رسميا على التصريحات التحريضية حول النبي.

وتأمل حكومة مودي في أن تتمكن من عزل شراكاتها الاستراتيجية الثنائية مع دول الخليج عن القضايا السياسية الداخلية، لكن هذا النهج قد لا يكون مستداما بمرور الوقت. فعلى عكس اللحظات السابقة من الخلاف عندما كانت الهند أقل استثمارا في الشرق الأوسط، فإنها لديها اليوم علاقات واسعة مع المنطقة. فالروابط الاجتماعية والاقتصادية المتنامية من خلال الهجرة والتجارة، فضلا عن وتيرة المعلومات التي يتم مشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، جعلت من الصعب على حزب “بهاراتيا جاناتا” والنخب السياسية الخليجية السيطرة على وجهات النظر العامة حول هذه المسائل المشحونة. وجاءت هذه التعليقات الأخيرة من موظفي الحزب بدلا من المدنيين، ما جعل مودي وحزب “بهاراتيا جاناتا” مسئولين بشكل مباشر عن الارتفاع الملحوظ في الإسلاموفوبيا في الهند.

والأمر الأكثر أهمية هو أنه في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبحت الهند في خضم أزمة موارد في الوقت الذي تتصارع فيه مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وفاتورة استيراد النفط المتنامية، وأزمة النقد الأجنبي. بجانب رفاهية العديد من أعضاء الشتات الهندي في الخليج أصبحت موضع تساؤل، حيث أعرب المغتربون عن مخاوفهم بشأن العداء المحتمل والمقاطعة بسبب التعليقات المهينة. وتشعر الهند بالقلق أيضا من النفوذ الصيني المتزايد في ذلك الجزء من الشرق الأوسط، حيث استثمرت الصين في العديد من مشاريع البنية التحتية المحلية. ومن غير المرجح أن يؤدي إصرار حكومة مودي على التزامها بالعلمانية إلى تهدئة المشاعر المتضررة للكثيرين في جميع أنحاء العالم الإسلامي بشكل عام، والمسلمين في الشرق الأوسط بشكل خاص.

وربما قد تكون دبلوماسية مودي البارعة في الشرق الأوسط، والتي ركزت على السعي وراء المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة وسعت إلى التقليل من شأن الأحداث في الداخل، قد انحرفت الآن عن مسارها بشكل كامل.

مصدر الترجمة

كريم سعد

مترجم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock