مختارات

“الحوار الوطني”.. حديث ذو شجون مع معارضة “لم تشرب الشاي بالياسمين” (1-2)

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن موقع 360

حسين عبد الغني

 

 

 

ذهبت خالي البال أمني النفس بإجازة عيد هادئة مع أولادي لم تحدث منذ وقت طويل، إذ كبروا جميعا وعملوا وسافروا وتباعدت المسافات، ولكن ما بدا أنها فترة استجمام وراحة من هموم الشأن العام انقلبت رأسا على عقب إلى حوار ذي شجون وأنين حول مصر وأزماتها والمخاطر التي تحيق بها، إذا فلتت هذه اللحظة التاريخية و«تسرسبت من بين أيدينا»، كما يقول الكبير سيد حجاب.

هذا الانقلاب حدث عندما التقيت صدفة وعلى نفس الساحل الذي اخترته لقضاء الإجازة الأسرية ببعض شباب ومخضرمي المعارضة المدنية المصرية، معتبرين على طريقتنا كمصريين أنها «صدفة خير من ألف ميعاد»، وطلبوا أن نجلس فورا بقدر كبير من الإلحاح والتصميم وأنهم يثقون في شخصي الضعيف شاهدا وحكما على جدل ساخن يحتدم بين الشباب والمخضرمين، فاستأذنت أولا في أن أكون شاهدا فقط لا حكما، وهنا دار هذا الحوار الذي كنت فقط أمينا عليه ونقله إلى القراء دون أدني تدخل مني بالحذف أو الإضافة:

قال الشاب الأول بصوت غاضب:

اشهدنا يا أستاذ.. عندما أطلق الرئيس الدعوة إلى الحوار الوطني نهاية أبريل الماضي وافق عليه على الفور قادتنا والآباء المؤسسين في الحركة الوطنية المدنية، ولم نعارضهم علنا بل وأقولها صراحة دفنا كل شكوكنا وطوينا ضلوعنا على آلام السجن والإقصاء في السنوات الـ8 الأخيرة ووافقنا ضمنيا على إعطاء الوطن والحوار وأطرافه ما يستحقونه من فرص كاملة متمنين من كل قلوبنا -أن يخيب الله ظنوننا- وأن تكون السلطة صادقة وجادة في عمل توافق وطني ينقذ مصر من أزمتها بل أزماتها .

رد السياسي المخضرم بصوت عاتب:

وهل خدعناكم في شيء أو أخفينا عنكم شيء من اتصالاتنا مع الدولة لإقامة حوار يقوم على الندية؟.. لقد كنا واضحين منذ أول بيان للحركة بإعلان قبول المشاركة في دعوة الرئيس للحوار هو أن يسبق الحوار إحداث تغيير في البيئة السياسية التي أقصت السياسة وجرفتها وجعلت كلمة الأمن ومقتضيات الأمن صاحبة الكلمة الأولى في إدارة الشأن العام والعلاقة بين الحكومة والمعارضة والحكومة والإعلام. أم أنكم ستفعلون -قالها بمزحة تجمع بين الجد والهزل- مثل إعلاميي الإخوان الموتورين الذين يتهموننا ونحن عشنا في السجون أكثر مما عشنا مع أولادنا أننا شربنا “شاي بالياسمين” وفرطنا في تاريخنا وفرطنا في مبادئنا؟

جاوب شاب آخر بسرعة وبلغة حاسمة:

أعوذ بالله أن يكون هذا قصد زميلي أو قصد أي أحد منا فثقتنا فيكم هي ثقتنا في أنفسنا، ولكن هذا لا يعني أبدا ألا نختلف معكم في الرأي وفي الشعور بقدر من الإحباط والحزن من تحليل ما تم في مسار الحوار الوطني، وإلا فقل أنت لي بضميرك الوطني هل أنت راض عما حدث فيه خلال ما يقرب من 3 أشهر؟

وأضاف بصوت متهدج من كثرة التأثر والانفعال الذي يجهد في السيطرة عليه: هل ترون أنتم ما لا نراه نحن؟.. هل تم شيء مما طالبتم به من إجراءات تغيير البيئة السياسية وفتح المجال العام المغلق وفي مقدمته إطلاق سراح كل سجناء الرأي ممن لم يتورطوا في عنف أو يحرضوا عليه؟

رد مخضرم آخر مرشح بقوة من أحزاب الحركة المدنية لتمثيلها في لجنة الحوار السياسي بهدوء:

هنا نتكلم بالعقل، أختلف معك أنه لم يحدث شيء نهائيا منذ إطلاق الدعوة فقد تم الإفراج عن عدد من سجناء الرأي، وتم تشكيل مجلس أمناء الحوار رغم تحفظنا على عدم الوفاء الحكومي بوعد تسمية أمين عام للحوار من الشخصيات المستقلة تماما عن الحكم وعن المعارضة والاكتفاء بتسمية منسقه العام.

كما تمت بنجاح أيضا صياغة لائحة عمل للمجلس جعلت الأمانة الفنية والأكاديمية الوطنية للتدريب إطارا لوجيستيا وليستا صاحبتي قرار. ورغم تحفظنا على السلطات الواسعة التي أعطتها اللائحة لمنسقه العام على القرار الجماعي للمجلس، وتحفظنا على مواد أخرى خاصة بإقرار صحة الاجتماع حتى في حال احتمالية خروج وربما انسحاب المعارضة من الاجتماع بما يضعف من قاعدة التوافق التي تم الاتفاق بين الجميع على أن تكون روح ومنهج إنتاج مخرجات الحوار .

هنا اندفع الشاب الأول بكل حماس جيله صارخا :

هذا نصف الكوب المملوء فماذا عن نصفه بل ثلثيه الفارغين؟ لجنة: العفو الرئاسي التي أعاد الرئيس تشكيلها ليلة إطلاق دعوة الحوار لم تجتمع سوى مرة واحدة، وإن كنت لا تصدقني فأسأل عضو اللجنة المنتمي إلى الحركة المدنية القيادي والوزير السابق كمال أبو عيطة الذي يفكر في تجميد عضويته. أما عن وتيرة الإفراجات فحالها يتكلم عنها فهي بطيئة ومحدودة وينطبق عليها المثل الإنجليزي المعروف Too little ..Too late ..

وأعلن لكم أساتذتنا دون زعل وبكل صراحة موقفنا الجديد: لقد أعدنا النظر في موافقتنا الأولية على الحوار وسنحدد موقفنا منه من الآن فصاعدا على وجود أو عدم وجود حسم سريع من الدولة لقضية الإفراج عن زملائنا من سجناء الرأي وفي مقدمهم زياد العليمي وأحمد دومة وعلاء عبد الفتاح وهيثم محمدين وهشام فؤاد وكل سجناء الرأي ممن رفضوا العنف دون تمييز.

علاء عبد الفتاح وأحمد دومة
علاء عبد الفتاح وأحمد دومة

رد المخضرم الأول:

إذا كان هؤلاء إخوتكم وزملاؤكم فهم أولادنا وفلذة أكباد الحركة الوطنية، ولن يكون حزن الأب على حبس ابنه خلف الأسوار أقل من شعور الأخ، ونحن إذ نتمنى عليكم فقط ألا تتسرعوا في إعلان مواقف مناهضة للحوار يستغلها المتربصون به في الداخل أو في الخارج فإننا نرى أن الحل هو أن يتقدم صاحب الدعوة للحوار أي مؤسسة الرئاسة بكل مقامها وسلطاتها غير المحدودة تاريخيا في النظام السياسي المصري إلى إصدار عفو شامل بعد انتهاء أعمال الجلسة الثانية لمجلس أمناء الحوار.

رد الشاب الثاني بصوت متشكك:

وهل تعتقد أن ذلك أصبح أمرا ممكن الحدوث؟ ألم تر مثلنا التصريح الأخير للسيد وزير العدل الذي يقول فيه إن الحبس الاحتياطي هو اختصاص النيابة العامة فقط، وإن عفو الرئيس لابد أن يمر على مجلس الوزراء والذي أراه –كمعارض- وكأنه وصاية على الإرادة والإدارة السياسية لملف الإفراج عن السجناء وتقيد بشكل الدستور والقانون وليس روحه؟

وقبل أن يكمل السياسي المخضرم المرشح للحوار السياسي عن المعارضة جملة تبدأ بـ «ولكن هذا لا يمنع صناع القرار من”.. قاطعه نفس الشاب وهو نافد الصبر:

وألم تسمع أيضا عما يتردد في الشارع السياسي من أن هناك جهات داخل الدولة تؤيد الحوار وتدفع به للأمام وتراه ضرورة لاستقرار البلد واستقرار النظام السياسي، وأن هناك جهات أخرى تعارضه وترى أنه قد يخرج عن السيطرة ويغير قواعد اللعبة ويحد من تغول الأمن على السياسة، وأن صوت هذه الجهات المعارضة يبدو وكأنه الصوت المسموع أكثر بدليل بطء ومحدودية نطاق عمليات الإفراج عن سجناء الرأي واستمرار عمليات حجب المواقع وحتى القبض المؤقت على بعض أصحاب الرأي في مخالفة صريحة لمنطق ومناخ الحوار؟

لأول مرة أرى -أنا الشاهد على هذا الجدال- أسارير المخضرمين تنفرج منذ بداية السجال إذ بادر أحدهم قائلا بحماس ظاهر: لقد جئتم إلى أرضنا وهي أرض الخبرة السياسية التي يزيد عمرها عن أربعين سنة، وهي خبرة تقول إننا بين احتمالين: الأول، إذا كان ما يتردد صحيحا فإن ما تقولونه هو جوهر عملية صنع القرار، فإذا كان دور الأجهزة المختلفة رفع تقديراتها، فإن مهمة صناع القرار هي الاختيار السياسي لما هو أصح للبلد والاستقرار السياسي وأخذ المخاطرة المحسوبة وليس الارتهان إلى المخاوف والهواجس التي أثبت التاريخ أنها لم تصن حكومة ولم تحفظ نظاما.. وهنا نتعهد أمامكم أننا لن نشارك في جلسات الحوار الوطني الفعلية في لجانه الثلاث الرئيسية قبل أن تشهد عملية الإفراج عن السجناء إطلاقا واسعا لهذه الأسماء ذات الرنين الداخلي والخارجي التي ذكرتموها وباقي سجناء الرأي المدنيين .

والاحتمال الثاني، هو أنها عملية “توزيع أدوار” وهو أسلوب معروف ومشروع في العمل التفاوضي عبر الإيحاء للمنافسين بوجود متشددين يجب أن يعمل المعتدلون حسابا لهم في درجة الحماس للحوار، فإذا كان كذلك فإنه أسلوب غير مفيد لمصر في مرحلة تتزايد فيها تبعات الأزمة الاقتصادية -مصر من بين الدول العشرين الأكثر خطورة فيما يتعلق بالقدرة على سداد مستحقات وخدمة الديون ويسجل احتياطيها من العملات الأجنبية انخفاضا صافيا للشهر الثاني على التوالي- هو باختصار أسلوب غير مناسب أبدا في هذه المرحلة الحرجة التي لا تحتمل إضاعة وقت ثمين على الحوار الوطني الذي قد ينتج حلولا حقيقية غير تلك التي تسببت خلال الأربعة عقود ونصف الأخيرة في إبقاء الاقتصاد الوطني في حالة أزمات دورية متكررة خانقة. وهو أسلوب أيضا بمقدور مؤسسة صنع القرار بحزم وفي دقيقة واحدة إلغاءه في هذا الوقت الدقيق وطنيا. خاصة وقد شهدنا «حزما» في إنجاز البنية الأساسية وعلى الهواء مباشرة في صورة مشروعات يطلب منفذوها أعواما لإنجازها فتوجه الرئاسة بتنفيذها في شهور وتم لها ما أرادت.

ما تصور السياسي المخضرم أنه ضربة قاضية تنهي الجدل لصالح جيله تبدد في لمح البصر، عندما عاجله سياسي شاب ثالث معروف بالمثابرة على القراءة ومتابعة الأحداث متسائلا: أنتم هنا الذين هبطت مظلتكم على أرضنا، فما دمت ختمت حديثك عن الاقتصاد وأزماته فكيف ترد هنا على استباق الحكومة للحوار في شقه الخاص بالاقتصاد السياسي ببدء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي نعرف أنها لن تفعل شيئا أكثر مما فعلته نصائحها للسادات ومبارك والتي كانت وراء الغليان السياسي والانتفاضات الاجتماعية على كليهما وأن اهتمامه المزمن بمعدل النمو الجاف و توازن الموازنة العامة والاعتماد المفرط على الأدوات المالية والنقدية دون الحلول الانتاجية وزيادة التشغيل وتوزيع أكثر عدالة للدخل قد أخفق من مصر إلى تشيلي ومن سريلانكا إلى ساحل العاج؟

ألا ترى هنا إنه لا فائدة ترجى من الحوار؟ إذا كانت الحكومة تضع ألغاما في طريقه وتبعث لكم برسالة لا لبس فيها مفادها “أنه مهما تكلمتم عن حلول وسياسات بديلة تركز على الزراعة والصناعة وعلى تقليل الواردات بطريقة صارمة وقاسية وعلى وقف برنامج الخصخصة واستبداله بمشروعات تطرح -بدون بيروقراطية ولا تكلفة فساد-على الاستثمار المباشر المصري والأجنبي ووقف أو في الحد الأدنى تقليل الاقتراض من الخارج»، فإننا أي الحكومة سنظل على ما نحن عليه من سياسة ألفينا عليها آباءنا الأولين من عبد الرزاق عبد المجيد وعاطف عبيد إلى أحمد نظيف.. سياسة لخصها بصراحة يحسد عليها ولكن ببؤس فكري السيد وزير المالية الحالي في لقاء تلفزيوني قديم وهو أنه لا حل أمامه لسد الفجوة الشاسعة بين الإيرادات والنفقات غير مزيد ومزيد من الاقتراض والديون .

قبل أن يفتح أحد المخضرمين فمه للرد على افتراضات الشباب حول وضع الحكومة العصي في دواليب الحوار استأذنت الجميع في هدنة لالتقاط الأنفاس “أعزمهم” فيها على شاي أو قهوة بعد أن كاد صبر جرسون “الكافيه” أن ينفد من الزبائن الذين أنستهم سخونة الحوارات تقاليد المقاهي وهي أن “الجلوس بالمشاريب”.

في الجزء الثاني. أستأنف “شهادتي” على رد الجيل القديم.. وهل استمر السجال أم وصل الجميع في النهاية إلى نقطة التقاء تحمل رسالة متماسكة إلى من يهمه الأمر وهو الشعب الصابر الذي يعاني أشد المعاناة من ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة؟

إلى روح أ/ إحسان عبد القدوس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock