فن

عزيز عيد.. “أبو المسرح المصري” الذي لم يبتسم له الحظ

رسالة وفاء إلى روح عزيز عيد، رائد المسرح المصري؛ بعث بها منظمو المهرجان القومي للمسرح مرتين؛ الأولى من خلال العرض المسرحي “يا عزيز عيني” والذي يتناول قصة حياته، والثانية عبر إطلاق اسمه على الدورة الخامسة عشر للمهرجان.

عزيز عيد الذي يلقب بـ”أبو المسرح المصري” والعربي عرف بقوة حضوره وبموهبته المميزة ممثلا ومؤلفا ومخرجا مسرحيا، وظل عاشقا للفن منذ صغره وحتى أخر لحظة في عمره، ودفع في سبيل ذلك ثمنا فادحا.

بدأ عزيز عيد يشق مشواره الفني بعد دراسته الجامعية، حيث كوّن مع الفنانة فاطمة رشدي  ثنائيا، واستطاعا معا أن يقدما مجموعة كبيرة من المسرحيات المتميزة التي تصنف ضمن كلاسيكيات المسرح في مصر.

لم يكن عزيز عيد مجرد شاب قرر أن يحترف التمثيل؛ ولكنه كان مسكونا برغبة داخلية قوية في أن يقدم تجربة جديدة تسجل باسمه في سجل عظماء الفن المصري؛ لذا أصر على أن يصقل الموهبة بالدراسة، واتاحت له إجادته التامة للغة الفرنسية قراءة مجموعة كبيرة من المؤلفات المتميزة في مجال المسرح العالمي، وهو ما انعكس على رؤيته بشكل واضح فيما بعد.

لم يتوقف طموح عزيز عيد في نقل المسرح المصري للعالمية عند هذا الحد، حيث استطاع بإصراره وفي ظل موهبته المتفجرة أن يقنع بعض الفرق المسرحية الفرنسية التي كانت تقدم عروضها في مصر على مسرح دار الأوبرا الملكية بضمه إلى صفوفها، وتمكن بهذه الطريقة من أن يطلع على أحدث ما وصل إليه فن المسرح خلال تلك الفترة.

كان العمل مع الفرق المسرحية الفرنسية بالنسبة لعزيز عيد في ذلك الوقت؛ بمثابة بعثة تعليمية مجانية بدأ على أساسها يضع الخطوط العريضة لبذرة مسرح مصري قوي قادر على المنافسة وتقديم عروض احترافية.

وبعد أن اقترب من عدد من كبار ممثلي فرنسا –خلال تلك الفترة– زادت موهبته توهجا بعد أن اصبح على دراية واسعة بسر الصنعة –كما يقولون– وواصل بعد ذلك طريقه بقوة وثبات، وإليه يرجع الفضل في تقديم مسرح مصري أكثر عمقا وأكثر استنارة.

ولم تقتصر فرقة عزيز عيد المسرحية على الداخل المصري، حيث طافت مختلف أرجاء الدول العربية وقدمت العديد من العروض الفنية المتميزة، وهو ما جعله رائدا للمسرح المصري بصفة خاصة والمسرح العربي بصفة عامة.

“خلي بالك من إيميلي” أول مسرحية قدمها عزيز عيد بعد تكوين الفرقة المسرحية الخاصة به في عام 1907، وقدم فيها نجيب الريحاني دورا كوميديا لأول مرة في حياته تحت ضغط عزيز عيد؛ ليصبح الريحاني بعد ذلك نجم المسرح الكوميدي الأول في تاريخ مصر، بعد أن كان يظن نفسه ممثلا دراميا، لا يصلح لإضحاك الجماهير؛ خاصة من فوق خشبة المسرح.

أحدث عزيز عيد نقلة هائلة في المسرح المصري –خلال تلك الفترة– بكل معنى الكلمة فالمسرح المصري قبل ظهوره كان بدائيا، حيث لم يكن هناك أى اهتمام بالإضاءة أو الديكور، وبشكل عام كان الارتجال هو سيد الموقف؛ حتى جاء عزيز عيد وبدأ ينقل الأسس العلمية والاحترافية إلى الأداء المسرحي.

صنع عزيز عيد عددا كبيرا من النجوم في مصر، من بينهم الفنانة فاطمة رشدي التي تزوجها رغم الفارق السني الكبير بينهما.. أما الأثر الذي تركه على الحياه الفنية في مصر؛ فتلخصه شهادات عدد من كبار الفنانين مثل محمود المليجي والريحاني وصولا إلى فريد شوقي.. إذ تحدثوا كثيرا عن الرجل كأحد عظماء المسرح المصري.

نجيب الريحاني
نجيب الريحاني

كان لدي عزيز عيد قناعة بأن التمثيل أحد أدوات التغيير؛ لذا ركز في مختلف أعماله على أن يقدم معالجات خاصة بقضايا المجتمع المصري، فعزيز عيد كان واحدا من المعجونين بتراب هذا البلد رغم أن أسرته تعود جذورها إلى لبنان.

لكن الجمهور لم يستقبل هذا الإبداع الخالص والاجتهاد المستمر من جانبه بالقدر الذي يستحقه من الحفاوة؛ وهو ما تسبب له في إحباطات عدة ظل يعاني منها كثيرا في ظل رغبة قوية في داخله بأن سوء الحظ يلازمه أينما حل؛ حتى تدهورت أحواله الاقتصادية كثيرا بعد رحلة طويلة وشاقة ظل خلالها وفيا للفن الهادف حتى أخر لحظة من عمره.

ويصف الفنان يوسف وهبي أحد مشاهد المأساة في حياة عزيز عيد قائلا: ” كنت باتمشى في شارع عماد الدين، والتقيت إنسان هدومه مبهدله وذقنه طويلة فإذا هو العبقري عزيز عيد.. سلمت عليه وقولت له أنا يوسف وهبي، فقال لي: “شوف أنا لابس إيه معنديش عقب سجارة، هات 5 ساغ اشتري صندوق ورنيش أمسح جزم الناس على القهاوي”.

يوسف وهبى
يوسف وهبى

ولد عزيز عيد عام 1884، بكفر الشيخ التي قررت أسرته القادمة من لبنان أن تستقر بها وعمل والده بالزراعة والتجارة، ودرس عزيز عيد في عدد من المدارس الفرنسية، وهو ما أتاح له منذ وقت مبكر إجادة اللغة الفرنسية.

من أهم أعمالة مسرحية “إلى الأبد” وفيلم “عربجي حنطور” و”نوادر عبد الهادي أفندي” كما أخرج أوبريت “العشرة الطيبة” ورحل عن عالمنا في 28 أغسطس عام 1942.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock