عرض نادي سينما جزويت القاهرة مؤخرا الفيلم الإيطالي The Decameron من إخراج وبطولة بيير باولو بازولينى ويشاركه البطولة كل من فرانكو شيتي، نينيتو دافولي، جوفاني يوفانوفيتش.
الفيلم مستمد من رواية رواية “الديكاميرون” للمؤلف الإيطالي جيوفاني بوكاتشيو، وتدور الأحداث في عشرة أيام تروي فيها الكثير من القصص، وتتتابع العديد من المشاهد على ألسنة مجموعة من الرجال والنساء الذين يجمع القدر بينهم.
تدور أحداث الرواية في القرن الرابع عشر الميلادي، حين اجتاح الطاعون أوروبا بأسرها ولحظات الهلع التي اعترت الكثير من الوجوه، عندما تسلل المرض إلى بيوت فلورنسا بيت بيتا؛ حيث سقط الجميع فقراء وأغنياء، ضعفاء وأقوياء أمام سطوة المرض الذي لم يرحم أحدا، وبين عشية وضحاها وجد الجميع أنفسهم في أحضان الموت دون سابق إنذار، وأصبحت القبور سكنا لمئات الأحياء بعد أن فقدوا القدرة على المقاومة.
الفيلم رغم أنه من إنتاج عام 1971، فإنه مازال يمثل حتى اليوم وجبة فنية دسمة تغري المرء بمحاولة استكشاف حقيقة العمل، وما أن يستسلم لغواية استطلاع ما يجري مع اللقطات الأولى؛ حتى يجد نفسه في قلب الأحداث واقفا يحبس أنفاسه انتظارا لما ستسفر عنه شمس الغد، قبل أن يفيق على كلمة النهاية، ومعها يشعر بالجهد الكبير الذي بذله جميع أبطال الأعمال، حتى يخرج للمشاهد بهذه الصورة المتقنة التي نقلت المشاهد من خلف الشاشة إلى قلب الحدث.
الفيلم يعرض بشكل متسارع ومكثف، لمجموعة من القصص التي وردت في رواية الديكاميرون الشهيرة، ونرى منذ البداية تلميذ الرسام جيوتو الذي وصل إلى نابولي من أجل رسم عدة لوحات جدارية في قلب العديد من الأحداث المتسارعة، ونرى في كل قصة من القصص سيناريو مصغر للطريقة التي يسقط فيها إنسان ما في بحر الخطيئة، حتى لو لم يكن هذا هو هدفه منذ البداية، في أحد المشاهد نجد مجموعة من الراهبات اللاتي يتلاعبن بالشاب الأبكم ماسيتو دا لامبوركيو قبل أن يمارسن الجنس معه، وهكذا تتابع القصص التي تدور أحداثها في عدد من الجزر الإيطالية.
فكيف تحولت عشر قصص منفصلة إلي فيلم واحد بحبكة متقنة؛ جعلت من العمل واحدا من أكثر الأفلام مشاهدة في إيطاليا حتى يومنا هذا؟ الأمر برمته يعبر عن الجهد الكبير الذي بذله جميع أفراد العمل والذي جعله مصدرا لكل هذا الزخم العابر للتاريخ.
الفكرة الأساسية التي يناقشها الفيلم من وراء ستار هى مفهومي الفضيلة والرذيلة، ويحاول العمل بأكثر من طريقة أن يصرخ في وجه رجال الدين في أوربا الذين احتكروا –لفترة من الزمن– حق منح إنسانٍ ما صك غفران أو وصمه بلعنة أبدية!
الفيلم الذي يمزج البراءة بالسذاجة والخيانة بالحب؛ يعزف بصورة رئيسة على وتر التناقضات التي تجتاح كل منا بين لحظة وأخرى، في تعبير واضح عن الضعف البشري الذي يجعل الإنسان مشروعا لشيطان؛ بنفس النسبة التي يمكن أن يكون فيها مشروعا لملاك؛ بل ربما أن يكون الشخص الواحد هو الشىء ونقيضه في اللحظة ذاتها.
الرسام الذي أصر بيير باولو بازوليني على أن يؤدي دوره بنفسه؛ يعكس حالة التناقض التي يعيشها فقد جاء لرسم أيقونات ومشاهد دينية، ليجد أمامه واقعا مغايرا تماما.. لذا يتساءل لمَ علي أن أرسم هكذا بينما ما أحلم به أشد جمالا؟
يمنح الفيلم المشاهد جرعة في الاحتفاء بالحياة بكل مباهجها وهو يتضمن دعوة واضحة للتمرد على الكثير من الافكار والمفاهيم المستقرة في المجتمع الغربي خاصة فيما يتصل بسطوة الكنيسة والتأثير الكبير لرجال الدين المسيحي خلال فترة من الزمن.
كما هى مريرة وكثيرة قصص الخداع ومشاهد الغواية في الفيلم حيث يتعرض تاجر شاب لخدعة من أمرأة تدعي أنها أخته قبل أن يكتشف حقيقة مزاعمها فيما نصدم ونحن نتابع السقوط الكبير لمجموعة من الراهبات في غواية الدنيا يفترض أنهن قد هربن منها حيث يمارسن الجنس مع ذلك الشاب البستاني وهن على ثقة كاملة بأن أمرهن لن يفتضح يوما فالشاب لن ينطق بكلمة واحدة يوما ما لأنه اصم وابكم.
حتى الرسام الذي يبدو محورا للعمل فإنه لاينجو من الحصار نفسه فقد جاء للرسم على جدار الكنيسة فوجد نفسه محاصرا بحكايات العشاق والقتل ومسلسل الخيانة الزوجية متعدد الحلقات.