فن

بعد عاصفة الهجوم علي فيلم “أصحاب ولا أعز”.. هل بات “الفن المصري” في مرمى سهام “الفكر الوهَّابي”؟.

قصف مكثف بعيد المدى ذلك الذي تعرض له فيلم “أصحاب ولا أعز” من جبهات كثيرة بعد عرضه على منصة نتفليكس الشهيرة؛ وصل إلى حد تقدُّم النواب في البرلمان ببيانات عاجلة ضده  بدعوى أنَّ الفيلم يروِّج للمثلية الجنسية ويتضمن أكثر من (20) لفظا إباحيا.

على منصات السوشيال ميديا المختلفة نالت الفنانة “مني زكى” على مدار الساعات الماضية نصيب الأسد من الهجوم على العمل بسبب أحد مشاهدها في الفيلم.

لم تقف حملات الهجوم عند “منى” بل امتدت إلى زوجها الفنان الكبير “أحمد حلمي” ووصل الأمر إلى حد أن كتب البعض تعليقاتٍ على حسابه يدعونه فيها إلى التدخل في اختيار أدوار زوجته.. وبلغ الشطط مداه؛ عندما دعاه أحد الأشخاص في تعليقه إلى تطليق زوجته؛ في انتهاك واضح للحياة الخاصة للفنان الشهير.

لكن الجزء الكبير من الهجوم على الفيلم ارتكز على اتهامه بالترويج للمثلية الجنسية؛ بسبب مشهد يتم فيه اكتشاف الميول المثلية لأحد الممثلين من خلال صورة وجدت على هاتفه جمعته ببعض الأصدقاء.

الحملة الضارية علي الفيلم رأى فيها المبدعون وصنَّاع الفن والنقاد تهديدا جديدا لحرية التعبير عامَّة ولحرية الإبداع بشكل خاص.

الهجوم المتكرر علي أعمال فنية مثل فيلم “أصحاب ولا أعز” ومن قبله فيلم “ريش” وغيرهما من شأنه خلق مناخ “مكارثي”* يُرهب الفنانين والكتاب والشعراء ويضعف قدرة مصر علي الاحتفاظ بقوتها الناعمة وحضورها الثقافي في محيطها العربي والإفريقي والإسلامي.

أصوات استطلعت آراء نقاد وكتاب سيناريو ومؤرخين سينمائيين، فكان هذا التحقيق:

” أصحاب ولا أعز ” هو النسخة العربية من الفيلم الإيطالي الشهير “غرباء تماما” وهو من تأليف “باولو جينوفيزي” وإخراجه، وتم عرضه لأول مرة في العالم العربي عام 2016 من خلال مهرجان القاهرة السينمائي حيث فاز بجائزة أفضل سيناريو.. ورغم أنَّ هناك (19) نسخة من الفيلم أشهرها النسخة الفرنسية؛ إلا إنَّ أيا منها لم تتعرض لهجوم كما حدث مع الفيلم العربي رغم أنَّ القصة واحدة.

يأتي هذا الهجوم الحاد على أحدث أعمال النجمة “مني زكي” بعد شهرين تقريبا من العاصفة التي تعرضت لها مسرحية ” المومس الفاضلة ” بعد أن أعلنت الفنانة “إلهام شاهين” أنَّها تعتزم تقديمها.. وقد تركَّز الهجوم على، عنوان المسرحية التي كتبها “سارتر” عام1946، والذى قال عنه المنتقدون أنَّه لا يتناسب مع قيم المجتمع المصري.

الثابت أنَّ كل عمل فني يبقى وجهةَ نظرٍ لا تصل إلى حد الكمال، وهنا يأتي دور النقد الفني في جعل التجربة الجمالية أفضل مما هي عليه، وأكثر إقناعا للآخرين، وكشف الدلالات المتعددة للعمل الفني، ومقاصد الفنان وتعريف الجمهور بالقيم الفنية الجمالية في العمل الفني… لكن الأصوات المطالبة بإشهار سيف المصادرة تحت دعاوى الانتصار للأخلاق والقيم؛ تبقي دائما صخرة كَأْدَاء في طريق المبدعين والمجددين.

في سطور التحقيق التالي يحاول أصوات “أون لاين” استجلاء حقيقة المشهد ومعرفة أسباب الجدل الذى صاحب عرض فيلم ” أصحاب ولا أعز” على منصة متخصصة مثل نتفليكس.. وهل يأتي ذلك في سياق حملة تستهدف تقييد حرية الأعمال الإبداعية؟ أم أنَّ هناك فعلا ما يستدعي تلك الضجة؟

الناقدة السينمائية “خيرية البشلاوي” تضم صوتها إلى الأصوات المنتقدة للفيلم؛ وترى أنَّ لها ما يبررها فتقول: “هناك جهات ما تستخدم القوة الناعمة التي تتضمن مختلف أشكال الفنون ومن بينها السينما؛ في الترويج لنماذج مُشَوَّهة وبث رسائل هدَّامة في مَسْعَى واضح لخلخلة المؤسسات المجتمعية وفي المقدمة منها الأسرة ببنيتها التقليدية”.

وتضيف” المنصات الغربية التي تبث هذه الأفلام لها أهدافها الواضحة التي تخفيها والتي  تنفق في سبيلها الكثير من الأموال، وهى تسعى جاهدة وهى تقدم المتعة والتسلية والترفيه إلى أن تضرب الأسرة في الصميم.. وللأسف الشديد فإنَّ هذا الأمر يغيب كثيرا عن أذهان صُنَّاع السينما لدينا؛ خاصَّة من الأجيال الجديدة والتي تلهث خلف المشاركة في المهرجانات الفنية الدولية وحصد الجوائز”.

 المعارك السهلة

أمَّا الناقدة “ماجدة موريس” فتقول: ” هناك من يفضلون التصيُّد وخوض المعارك السهلة؛ حيث يركزون على لقطة معينة أو مشهد ما، ويفعلون كل ما في وسعهم؛ كي تقوم الدنيا ولا تقعد مرة أخرى.. وللأسف فإنَّ هناك من نصَّبوا أنفسهم حراسا للفضيلة في مصر وهم يعتمدون بلا شك في خوض معاركهم على أسلحة “السوشيال ميديا” ولو أعطوا لأنفسهم الفرصة لمشاهدة الفيلم لخلصوا أنفسهم وأراحونا من كل هذا الجدل العقيم”.

اصحاب ولا اعز

وتضيف لأصوات أون لاين: “الفيلم لم يتضمن أي مشهد يمكن وصفه بالمروج للمثلية؛ كما زعم البعض فقط مجموعة من الإشارات التي نكتشف معها عبر صورة على شاشة موبايل سرا كان يخفيه أحد أفراد الشلة عنهم طوال السنوات الماضية وهى أن له ميولا مثلية”.

تشدد “موريس” على أنَّ الكثيرين نسوا في زمرة انخراطهم في الهجوم –الرسالة الأساسية للفيلم، وهى كيف تمكنت الهواتف الذكية و”السوشيال ميديا” خلال السنوات الماضية من إفساد حياتنا؛ حيث زادت من حالة القطيعة والعزلة بين أفراد الأسرة الواحدة، وهو ما يُفسِّر الكثير من الجرائم الأخلاقية والمجتمعية الشاذة والغريبة التي نسمع عنها بين يوم وآخر.

وحول اتهام الفيلم بالترويج للمثلية الجنسية أكدة الناقدة على أنَّ فيلم “عمارة يعقوبيان” كان أكثر جرأة بكثير من “أصحاب ولا أعز” ومع ذلك لم نرَ كل هذه العاصفة التي طالت نجوم العمل خاصَّة “منى زكى”.. وتضيف: “هناك نقطة هامة يجب الانتباه إليها؛ وهي أنَّ هذا الفيلم لم يعرض على شاشة التلفزيون الرسمي وإنما على منصة أجنبية لا يشترك فيها سوى من اختاروا ذلك بمحض إرادتهم وببساطة على من يرى في هذا العمل خدشا لحيائه ألا يشاهده”.. وتستطرد: “لقد رأينا مثل هذا الهجوم عندما عُرض فيلم “ريش” واكتشفنا أنَّ أغلب من هاجموا الفيلم في البداية لم يشاهدوه، وبعد أن تم تسريب الفيلم رأينا عشرات المقالات لصحفيين وكتاب ومثقفين يدافعون عنه باستماتة”.

حملة غير مبررة

الناقدة الفنية ماجدة خير الله تنتقد في حديثها لأصوات أون لاين الهجوم على الفيلم قائلة: “يبدو أنَّ البعض لم يجدوا ما يشغلهم سوى إثارة معركة حول عمل فني جديد؛ فليس هناك أي مبرر للحملة الشرسة التي يتعرض لها الفيلم وأبطاله”.

اصحاب ولا اعز

وتضيف: “يجب أن يدرك الجميع أنَّ العمل الفني عندما يظهر فيه تصرف أو سلوك ما؛ فليس هذا معناه أنَّ هذه دعوة للترويج لشيء بعينه، وللأسف الشديد فإنَّ البعض لديهم خلط كبير بين الواقع وما يشاهدونه على الشاشة، لدرجة يتخيلون معها أنَّ هذا الممثل قد ارتكب هذا التصرف بالفعل ويتناسون أنَّ دوره أن يجسِّد –فقط– مشهدا على الشاشة”.

وتشير إلى أنَّ الهجوم الكبير على الفيلم يعبِّر عن حالة من التردي الفكري، وغياب الوعي فحتَّى المشهد الذين يتحدثون عنه؛ لم يتضمن أية لقطة صريحة للمثلية الجنسية، ولم يكن هناك سوى جلسة أسرية جرى خلالها تبادل الهواتف المحمولة؛ قبل أن يتم الكشف عن المعاناة التي يعيشها أحد أفراد العمل، و التي سعى طويلا لإخفائها عن الآخرين، وكان رد العمل على الشاشة شاجبا ومستنكرا للمثلية ولا أدرى كيف يزعم البعض أنَّ في هذا دعوة للمثلية التي قام نجوم الفيلم عبر ردود فعلهم بإدانتها بصورة واضحة تماما كما يلفظها المجتمع.

وشددت “خير الله” على أنَّ السينما مرآة المجتمع، ولا يجب أن يطالب أحد صناعها بدفن رؤوسهم في الرمال بحجة أنَّ بعض الأعمال، عندما تتصدى لإلقاء الضوء على بعض المسكوت عنه؛ فإنَّها تشوه صورتنا العامة.. هذه الفكرة خاطئة تماما؛ وبعيدا عن المثلية فإنَّنا لو تصفَّحنا هواتف أبنائنا –دون علمهم– في أية لحظة؛ فسوف نكتشف –حتما– أشياء.. ليس بالضرورة أن تكون صورة خادشة سوف تسبب صدمة لنا؛ فكل إنسان لديه في حياته مساحة ما يحجبها عن أعين الآخرين ويصرُّ على الاحتفاظ بها لنفسه وهذه واحدة من الرسائل الهامة التي يتضمنها الفيلم.

وتكمل: “ليس هناك فرد معصوم ولا مجتمع خالٍ تماما من الأخطاء؛ لذا لا يجب أن ننادى بتصدير صور غير حقيقة في أعمال فنية يفترض فيها أن تقوم بالاشتباك مع الواقع، وهو ما نراه في الفيلم الذى يتصدى بشكل أو بآخر للمثلية ولا أدرى كيف يتهمه البعض بالترويج لها”.

اصحاب ولا اعز

وتضيف: “إنَّ الفيلم عرض بنسخته الإيطالية في مهرجان القاهرة السينمائي ولم يلقَ كل هذا الهجوم، وكذلك عرض حول العالم بلغات كثيرة؛ فهل ارتبط جزء من هذه الانتقادات بكون الفيلم ناطقا باللغة العربية”.

وتتساءل الناقدة: “هل كان المطلوب أن يتمَّ إطلاق الرصاص على هذا الشخص بعد أن اكتشفوا ميوله الجنسية؛ حتَّى يرضى الجمهور عن صُنَّاع العمل رغم أنَّه لم يجاهر بهذا السلوك وسعى على مدار عشرين عاما لإخفائه عنهم”.. وأكدت أنَّ الهجوم على “منى زكي” ليس الأول من نوعه حيث تعرضت لانتقادات واسعة لأسباب مبررة بسبب فيلمها “احكى يا شهرزاد” وهذه المرة أيضا تتعرض لحملة ضارية بسبب حجج واهية”.

فيما شددت على أنَّ الواقع به تشوهات كثيرة، وهناك حوادث كثيرة تقع بين فترة وأخرى؛ يتمُّ فيها التعدي على أطفالٍ وقاصراتٍ، ثم يأتي البعض ويحاول أن يزيف الصورة، ويقول أنَّها مجرد حوادث فردية، فلماذا إذن تريد أن تصادر –على السينما– حقها في أن تعالج مثل هذه الحوادث الفردية.

جدال موسمي

وبدوره يقدم الناقد الفني “محمود قاسم”  تفسيرا للأمر قائلا: “هذا الجدال يتجدد بين فترة وأخرى، والسبب أنَّ المجتمع المحافظ يميل عادة إلى وجود مجموعة من المحظورات التي لا يريد أن يقترب منها أحد، وصناع السينما – بدورهم- تستميلهم المساحة المسكوت عنها؛ فيصرون على كسر “تابوه” الممنوعات.. والمهم في الأمر لفهم الاشتباك الحادث الآن، أن نفهم دوافع ومنطلقات كل طرف من الأطراف حتى يتم وضع الأمور في نصابها الصحيح بعيدا عن أي سياقات أخرى تخرج عن صلب القضية.. وأضاف: “الحقيقة أنَّ المد الوهابي ألحق أضرارا جسيمة بطريقتنا في التفكير والحكم على الأمور، بشكل غاب معه قدر كبير من التسامح والانفتاح الكبير الذى عُرف به المجتمع المصرى منذ عقودٍ طويلةٍ وبعد أن كانت المرأة تشارك مثلها مثل الرجل في الحروب، وهو ما شهدناه في صدر الإسلام.. ينظر البعض اليوم إليها بوصفها عورة يجب سترها، فإذا سرت في الشارع وبصحبتك أختك أو زوجتك؛ فأنت مطالب بأن تقدم إثباتا على ذلك”.

اصحاب ولا اعز

وعن الانتقادات التي تعرض لها الفيلم.. قال إنها لا تستند إلى شيءٍ.. ” فحتَّى مشهد المثلية الجنسية كان أقل جرأة مما كان عليه الحال في فيلم “عمارة يعقوبيان” ففي فيلم ” أصحاب ولا أعز” يتم اكتشاف الأمر من خلال حوار يجرى بين مجموعة من الأشخاص خلال جلسة أسرية عادية.

ويرجع الهجوم الكبير الذى تعرضت إليه “منى ذكى” –في جزء منه– إلى الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها خاصَّة أنَّ الجمهور لم يعتد منها القيام بمشاهد جريئة مثل مشهد خلع قطعة الملابس الداخلية؛ بخلاف الممثلة والمخرجة اللبنانية “نادين لبكي” التي شاركت في العمل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock