فن

أغاني المحروسة.. من الربابة إلى السمسمية شمس الطرب الأصيل لا تغيب

أعلنت لجنة التراث الثقافي غير المادي، بالمجلس الأعلى للثقافة مؤخرا؛ برئاسة الدكتور هشام عزمي، عن إطلاق مسابقة “الغناء والعزف على آلة الربابة” على أن يُغلق باب التقدم للمسابقة يوم 15 نوفمبر 2022.

الربابة ليست مجرد آلة موسيقية، إنها رمز لمسيرة من الطرب الأصيل، وصوت للأغنية الشعبية التي انتقلت من شارع إلى شارع، ومن حارة إلى أخرى، في وقت لم يكن فيه وجود كبير لوسائل الاتصال والإنترنت كما هو الحال الآن.

الربابة ظلت رمزا لزمن طويل للصمود الشعبي، في مواجهة المحتل الغاصب، وطاقة تحفّز على المقاومة، من أجل استعادة سيناء.. عقب الاحتلال الصهيوني الغاشم.. وهل يمكن لأحد أن ينسى وردة وهى تغني “حلوة بلادي السمرا بلادي الحرة بلادي.. وأنا على الربابة باغني ما أملكش غير إني أغني وأقول تعيشي يا مصر.. وأنا على الربابة باغني ما أملكش غير غنوة أمل للجنود.. أمل للنصر”.

كانت الربابة معبرا عن لسان حال البسطاء في شوارع المحروسة؛ حيث كان المغني الشعبي يمضي على قدميه، وهو يعزف على أوتارها بأصابعه، ويغني ملحمة أو أغنية أو موال؛ يحاول به أن يخفف من أوجاع هؤلاء الكادحين الباحثين عن الستر ولقمة العيش.

الحضور الأكبر للربابة كان في صعيد مصر.. حيث استخدمها “المدّاحون” الذين كانوا يجوبون القري والنجوع، راوين السيرة الهلالية بألحان تميل إلى الشجن.

وقد لعب المداحون دورا هاما، في حفظ الكثير من حكايات التراث الشعبي المصري التي حرصوا على نقلها إلى المصريين؛ جيلا بعد جيل مستعينين بالربابة الآلة الموسيقية البسيطة ذات التأثير الكبير.. فكانت دموع السامعين تفيض في كثير من الأحيان، وهم يستمعون إلى ألحانها التي تفيض عذوبة وشجنا.

والربابة منتج مصري أصيل، ابتكرها قدماء المصريين، وصنعوها من مكونات بسيطة مثل خشب الأشجار وجلد الغزال أو الماعز والوتر من شعر الخيل. وعنقها عبارة عن عصا طويلة، تثبت في أسفلها الطارة والكراب في أعلاها، ويشد الوتر بين الكراب ونهاية العصا من أسفل بحيث يتوسطها الطارة.

ونظرا لأهمية الربابة فقد ورد ذكرها في رسائل الجاحظ، ووصفها الفارابي بالتفصيل في كتاب الموسيقى الكبير, ولها صورة علي قطعة حرير إيرانية موجودة بمتحف بوسطن.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن الربابة انتقلت إلي الأندلس مع الفتح الإسلامي (711-1492م) ومنها إلي أوروبا، وتغيّر اسمها من بلد إلي آخر فهي “رابلا” في فرنسا و”ريبك” في إيطاليا و”رابيل” أو “أربيل” في إسبانيا.

الربابة تبقي إذن جزءا من تراث مصر الفني الأصيل، الذي يجب الحفاظ عليه؛ خاصة في ظل الزحف الكبير للموسيقى الغربية، والتي بدأت تنافسها بضراوة الفرق الكورية مؤخرا، وفي ظل هذا كله فإن إطلاق مشروع فني لتعريف الأجيال الجديدة بالربابة، وإعادة الاعتبار لها في إطار رؤية متكاملة، من يسهم في النهوض الثقافي.. وخلق حالة عامة من الوعي القومي بجذور هذا البلد الضاربة في التاريخ.

“السمسمية” آلة موسيقية لا تقل أهمية عن الربابة؛ حيث كانت رمزا لصمود أهالي مدن القناة في مواجهة العدوان الثلاثي في عام 1956، والاحتلال الإسرائيلي في عام 1967.

كانت أغاني السمسمية –خلال هذه السنوات– العصيبة طاقة النور في أعين أهالي مدن القناة، الذين هُجِّرَ أغلبهم بفعل العدوان، كانوا يغنون على السمسمية، بكلمات من القلب، تؤكد أن الحق سينتصر يوما ما وإن تأخر. وأن المهاجر سيعود إلى بيته في غد سيكون قريبا مهما ابتعد.

ارتبطت السمسمية بأهالي مدن القناة.. وبحسب الكثير من المؤرخين؛ فقد كانت واحدة من أقوى الأسلحة التي استخدمت في حرب الاستنزاف؛ لإذكاء روح المقاومة في النفوس واستنهاض الهمم في مواجهة المحتل الغاصب.

ومن منا من الممكن أن ينسى تلك الكلمات الرائعة “غني يا سمسمية لرصاص البندقية.. ولكل إيد قوية.. حاضنة زنودها المدافع.. غني للمدافع وللي وراها بيدافع.. ووصي عبد الشافع يضرب في الطلقة مية”.

الربابة والسمسمية حاضرتان في الذاكرة الجمعية المصرية، لما بينهما وروح المقاومة والصمود المصرية من ارتباط وثيق.. فيا ليتنا نزيل عنهما تراب الإهمال والنسيان؛ ليعودا بقوة للتأثير في الأجيال الجديدة في تلك المرحلة التاريخية الفارقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock