مختارات

رغم “شكسبير” وحافة الهاوية النووية.. التسوية الأوكرانية آتية! (1-2)

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن صحيفة عمان

حسين عبد الغني

 

 

 

ربما لم يستدع شاعر ومقولاته الشهيرة في أزمة مثلما استدعى عبقري “الإنجليز” وليام شكسبير في حرب أوكرانيا خاصة في الأسابيع الأخيرة. ويستدعي ألكسندر دوغين أهم فلاسفة – السياسية والجيوبوليتيك المؤثرين على عقيدة بوتين مقولة شكسبير “نكون أو لا نكون” الوجودية ليصف الوضع الراهن بعد تراجع روسيا عسكريا بأنه الآن انتهى كل شيء فإما أن نكون أو لا نكون، مشيرا إلى أنه إما أن تنتصر روسيا وينتهي العالم أحادي القطبية الأمريكي وإما أن تنهزم روسيا وتتفكك وتزول تماما من الوجود كأمة وكدولة ويستولي الغرب على مواردها وثرواتها الطبيعية الهائلة.

محلل آخر مناصر لروسيا يستعير مقولة شكسبير إن أبواب جهنم مفتوحة وأنها مليئة من وجهة نظره بأهل “الناتو” الأشرار.

في الأخبار والكتابة السياسية فإن جمل وعناوين مثل شبح الحرب النووية يلوح.. العالم على شفا حرب نووية.. يوم القيامة يقترب وفناء البشرية يقترب معها.

هي أكبر ثلاث جمل تم تداولها في الأسابيع الأخيرة وأثارت ذعر العالم كله مع تراجع غريب للقوات الروسية أمام هجوم مضاد أوكراني تشجع بدعم غير مسبوق في التاريخ أسلحة وأموال من دول الغرب عموما والناتو خصوصا إلى الدولة والجيش الأوكراني والذي ردت عليه القيادة الروسية بالتلويح صراحة بأنه إذا استمر التورط الأمريكي والأطلسي المكشوف في الحرب الأوكرانية فإن روسيا دفاعا عن وجودها قد لا تتورع عن استخدام الأسلحة النووية ولمح بوتين في هذا السياق المخيف الي الأسلحة النووية التكتيكية أما مساعده ميدفيديف فقد وصل إلى حد التلويح صراحة حتى باللجوء إلى الأسلحة النووية الاستراتيجية.

هنا نحن نتحدث بدون مواربة عن الصواريخ النووية الاستراتيجية الروسية الموجهة للأراضي الأمريكية والعكس صحيح.. أي نتحدث عن سيناريو يوم القيامة النووي فعليا وليس مجازا.

الذعر انتقل في الأسابيع القليلة الماضية من مليارات البشر البسطاء حول العالم حتى إلى قادة الغرب وإعلامه المهيمن الذي حافظ في الشهور الماضية على نظرية تسفه من التهديد الروسي باستخدام النووي وتعتبره محض دعاية “وتهويشه” فارغة لن يجرؤ بوتين ونخبة حكمه المعادية للغرب على التجرؤ على تنفيذه فعلا. إذ بدأ السياسيون الغربيون يتحدثون بقلق عن أن بوتين ربما لن يتورع عن الدفاع عن وجوده نفسه وعن وجود روسيا مستقلة عن الغرب وغير منسحقة بهزيمة استراتيجية أمام الغرب مغامرا بكل شيء حتى بان تتحول مناطق شاسعة في العالم منها روسيا نفسها إلى صحراء نووية جرداء.

هل هذا الاحتمال قائم؟ نعم هو احتمال يمكن أن يحدث في لحظة اندفاع وانفعال عصبي أو حتى بخطأ تقني تحت ضغوط حرب عادت كل حساباتها للارتباك مع:

أ- توقف النصر الروسي (حازت روسيا على أكثر من عشرين في المائة من أراضي أوكرانيا في الشرق والجنوب في الربيع الماضي)

ب- نجاح الهجوم الأوكراني المضاد في نهاية فصل الصيف (استردت القوات الأوكرانية ما يقدر بنحو 5000 كيلو متر من القوات الروسية وألحقت بالجيش الروسي خسائر بشرية مؤلمة كانت أحد أسباب إعلان موسكو حالة التعبئة العامة الجزئية واستدعاء نحو 300 ألف مقاتل من الاحتياط).

إذن كل الاحتمالات في الحرب الاطلسية/ الروسية الاستراتيجية المسماة اصطلاحا بالحرب الأوكرانية مفتوحة ولكن أحد مهام التحليل السياسي هو القدرة على التنبؤ، أي في هذه الحالة المغامرة بترجيح أحد الاحتمالات على الأخرى.

روسيا

ويغامر هذا المقال بأن هذه الحرب لن تصل إلى الخيار النووي بل وإنها في مرحلة ما – ولكن ليست قريبة أبدا – ستصل إلى تسوية حل وسط يحفظ ماء الوجه لواشنطن وموسكو، لبايدن وبوتين، وحتى لزيلنسيكي الذي ظهر في هذه الحرب كسياسي أطلسي غربي أكثر مما هو سياسي وطني أوكراني.

هذه المغامرة التي تبدو تفاؤلا غير متوقع في بيئة صراع متشائمة تستند إلى4 أسس موضوعية تجعل مكاسب خيار التفاوض والتنازلات المتبادلة لجميع الأطراف في النهاية أكبر من الخسائر وهذه الأسس هي:

١- مبدأ (ليست هناك دولة نووية تهزم) القائم منذ امتلك الاتحاد السوفيتي السابق وورثته روسيا أسلحة نووية مثل الولايات المتحدة إن لم يكن أكثر، مازال فاعلا. والمبدأ بتطبيقه هنا على الحرب الراهنة يعني أنه إذا كان وجود روسيا وقائدها بوتين معرضين للتدمير الوجودي فإن استخدام موسكو للنووي وارد بكل ما يعنيه من دمار شامل وهنا يمكن أن نفهم سياق جملة بايدن اللافتة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أقل من أسبوعين “من غير الممكن كسب أي حرب نووية وينبغي أن لا يتم خوضها على الإطلاق”.

بوتين

أي أنه ورغم كل الاندفاع المتهور من صقور مؤسسة الأمن القومي الأمريكي في استفزاز موسكو للانخراط في هذه الحرب ضمن المخطط الاستراتيجي في استنزافها واضعافها “التعبير حرفيا من فم وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن” فإن ذلك سيتوقف تماما في اللحظة التي يتأكد الأمريكيون فيها أن الروس قد يفقدون صوابهم – إذا شعروا أن وجودهم كدولة مستقلة بات مهددا – وان بوتين سيلجأ للخيار النووي الذي يعني حرفيا خيار “عليّ وعلى أعدائي” أو كما قال أبو فراس الحمداني في بيته الشهير “إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر”. أو بالتعبير أو التحذير المخيف الذي استخدمه بوتين نفسه مؤخرا “بعد روسيا لن يكون هناك عالم موجود”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock